شهر رمضان؛ ضيف كريم، فكيف نستقبله وكيف نغنمه؟
بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي
أولا: تذكير؛ مزايا شهر رمضان.
لقد خص الله تعالى شهر رمضان المبارك بمزايا كثيرة ومتعددة، نذكر منها، أنه:-
- شهر القرآن والصيام والقيام،
- شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران،
- شهر الخيرات وموسم البركات، يهبنا فيه ربنا سبحانه جزيل العطاء والخيرات،
- شهر تجاب فيه الدعوات وترفع فيه الدرجات، وتضاعف فيه الحسنات،
- شهر تفتح فيه الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفد في الشياطين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (إذا جاء رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الرحمةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ جهنَّمَ، وسُلسِلَتِ الشياطين)[1].
ثانيا: كيف نستقبل شهر رمضان؟
اغتناما لهذه المزايا، وحيث إن عبادة الصيام تهذب النفوس وتعالج القلوب، وتقوي الإرادة وتسمو بالأرواح، ونحن على أبواب هذا الشهر الكريم؛ فإنه وجب على كل مسلم الاستعداد لاستقباله وحسن وفادته، فما هو إلا ضيف يأتي في أيام معدودات ثم يرحل عنا، ومن هذا الاستعداد، نقترح ما يلي:
- إخلاص النية: من أهم الأمور التي تعين على التوفيق في الإقبال على الطاعات؛ استحضار النية بحسن استقبال شهر رمضان، وهذا لا شك أساس القبول للأعمال لأن الله تعالى يقول: “فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا”(الكهف:11). قال بعض المفسرين: (من شروط قبول العمل الصالح أن يكون وفقا لشرع الله وأن يكون خالصا لله، والإخلاص يثمر العمل وينميه).
- عقد العزم على صيامه وقيامه والإكثار من الطاعات فيه، وهو بهذا يشحذ همته ويوطد نفسه ليكون من أهل الخيرات في هذا الشهر، وهو بحسن نيته يكتب له ما عزم عليه حتى لو حالت الظروف من مرض أو غيرها فحدث منه تقصير في الطاعات خلال هذا الشهر، بل حتى لو أدركته المنية فإنه بنيته سيكون في سجل الصائمين القائمين بسبب إخلاصه وصدق نيته.
- إعداد العدة قبل مجيء هذا الشهر الكريم والتهيئ حسن استقباله، فإنه يقال: “على قدر الاستعداد يأتي الإمداد”. ومن هذا الاستعداد أن نزكي أنفسنا ونرقيها بالتقرب إلى الله تعالى بالطاعات والمسارعة إلى الخيرات من صيام وقيام وقراءة للقرآن والإكثار من الصدقات، فقد روي عن الصحابة رضي الله عنهم، وعن الصالحين رحمهم الله، أنهم كانوا يكثرون من النوافل والطاعات في شهر رجب وشعبان وذلك تدريبا لأنفسهم وتهيئة لها حتى يدخلوا شهر رمضان وهم أزكى نفسا وأسمى روحا وأرق قلبا.
- رفع الهمم في الإقبال على الطاعات في هذا الشهر الكريم، ومن الآثار التي تحفزنا وترفع هممنا، ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)[2].
وفي الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريج المسك)[3].
- مجاهدة النفس من أجل البعد عن الملهيات ومضيعات الأوقات، من خطط خبيثة وبرامج تافهة تهدم القيم وتفسد الأخلاق وتقتل الهمم، وتضيع الأوقات.
- مدارسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي تقربنا منه وتعرفنا عن حاله مع رمضان، فقد كان كما وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها، أنه؛ “كان يتعبد في رمضان ما لا يتعبد في سواه".
- التعرف على حال الصحابة رضي الله عنهم في رمضان، وأحوال الصالحين من هذه الأمة، فقد كانوا يدعون الله عز وجل أن يبلغهم شهر رمضان قبل رمضان بستة أشهر، وفي شهر رجب يحضرون أنفسهم لاستقبال رمضان، وعندما يأتي شهر رمضان يجتهدون في العبادة من صلاة وقيام الليل وبذل المعروف وتقديم الصدقات.
- وضع برامج عمل لاستثمار أوقاته والقيام بالأعمال الصالحة فيه، فيضع المسلم، مثلا، جدولا لختم القرآن ويخصص أمولا للنفقة وأوقاتا للنوافل، ويدخل مع مجموعات تطوعية أو يبحث عن طرق لمساعدة الآخرين، ويمكن أن يتفاعل مع الصفحات التي تحض على المسارعة في الخيرات، ولا يكثر، لأنها تسرق الوقت من حيث لا نشعر.
- صحبة الصالحين والأخيار، الذين يعينونك ويحفزون ويرفعوا الهمم.
- تفقد الجيران والأقارب، حيث نساهم في تعليمهم وتذكيرهم بفضائل رمضان وفقه الصيام.
ثالثا: كيف نغتنم هذا الشهر الكريم؟
- نستمر على هذا الحال، حتى إذا دخل رمضان، نكون على أحسن استعداد، فنستثمر ساعاته ودقائقه، وذلك من خلال ما يلي:
- استحضار عظيم ميزات شهر رمضان وفضائله، ومن ذلك التأمل في الآيات القرأنية التي تتحدث عن شهر رمضان وتدبر معانيها، وكذا قراءة الأحاديث النبوية التي تتحدث عن فضائل شهر رمضان.
- ولأن هذا الشهر الكريم هو شهر ترفع فيه الأعمال، فإنه ينبغي أن نرتقي بأعمالنا في هذا الشهر لتكون في أحسن حال، ويكون بيننا تسابقا وتنافسا في النوافل والطاعات وقراءة الكريم، “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”، كما كان بين الصالحين تنافس كبير في الإقبال على القرآن الكريم، حتى عرف رمضان بشهر القراء.
- الإكثار من التوبة والاستغفار، ومن القيام وقراءة القرآن والإقبال على الطاعات.
- الإقبال على القرآن الكريم؛ “ترتيلا وتدبرا”، “عملا وسلوكا”، لأن رمضان هو شهر القرآن، قال الله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَان” (البقرة:185).
- إعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، والجود والكرم، روي عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، يصف كرم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فيقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)[4].
خاتمة:
بعد رمضان، وعند نهاية مواسم الخيرات، نجد الناس حينها؛
إما فائز بالمغفرة والدرجات الرفيعة، وإما مضيع للأوقات لا ينال إلا الندم والحسرات،
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (آتاني جبريل عليه وسلم فقال: رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك: فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك أحد أبويه أو كليهما فلم يدخل الجنة، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت آمين).
وقدوتنا، بعد النبي صلى الله عليه وسلم، الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح من هذه الأمة، فإنهم كانوا يسألون الله أن يبلغهم رمضان وهم على أحسن حال، حتى إذا جاء رمضان فرحوا به واجتهدوا في الطاعات والعمل الصالح. وكانوا إذ انقضى رمضان يكثرون من الدعاء أن يتقبل الله منهم أعمالهم في هذا الشهر الكريم ويكثرون من الدعاء بالقبول لمدة.
وهكذا نجدهم يقدرون هذا الشهر حق قدره. ويتهممون به طول العام؛ لأنهم عرفوا عظيم منزلته وتفطنوا للمنح الربانية التي توزع فيه، فاغتنموها واستثمروا أوقاتهم لينالوا كنوزها الثمينة ويحصلوا على ثوابها الجزيل.
نسأل الله أن يبلغنا رمضان، ويوفقنا فيه للطاعة وصالح الأعمال، وأن يجعلنا ممن صامه وقامه إيمانا واحتسابا. ءامين، والحمد لله رب العالمين.
- [1] رواه الإمام البخاري في صحيحه، حديث رقم: 3277.
والإمام مسلم في صحيحه، حديث رقم: 1079.
- [2] رواه الإمام البخاري في صحيحه، حديث رقم: 38.
والإمام مسلم في صحيحه، حديث رقم: 760.
- [3] واه الإمام البخاري في صحيحه، حديث رقم: 1894.
والإمام مسلم في صحيحه، حديث رقم: 1151.
- [4] رواه الإمام البخاري في صحيحه، حديث رقم: 3220.
والإمام مسلم في صحيحه، حديث رقم: 2308.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. أحمد الإدريسي؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين