أحكام زكاة الفطر
بقلم: د. فواز القباطي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
1) زكاة الفطر: هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، وقد دل على وجوبها عموم "الكتاب"، والسنة الصريحة والإجماع، وقد فرضت في السنة التي فرض فيها الصيام وهي السنة الثانية للهجرة، وهي ضريبة على الأشخاص، وليست على الأموال.
2️) حكمة مشروعيتها:
شرعت زكاة الفطر في نهاية شهر رمضان وذلك لتكون طهرةً للصائم، مما عسى أن يكون قد وقع فيه من قصور في الصيام لتجبر ذلك القصور والنقص الذي حدث في الصوم من لغو القول الذي قد يكون شاب صيامه، ورفث الكلام، وقد بُيِّن ذلك في حديث ابن عباس رضي الله عنه أنها (طهرة للصائم من اللغو والرفث) رواه أبو داود وغيره.
ولتكون عوناً للفقراء والمحتاجين لحديث ابن عباس رضي الله عنه:( فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طعمةٌ للمساكين)، وذلك من أجل نشر المحبة والمسرة والتكافل والتراحم بين أفراد المجتمع، وإدخال الفرح والسرور عليهم وعلى أهل الحاجة، في يوم العيد، وليعم الفرح والسرور كل أفراد المجتمع.
3️) على من تجب:
تجب على كل فرد من المسلمين، صغير أو كبير ذكر أو أنثى، حر أو عبد، وتجب عن المرء وعمن يعول أي كل من تلزمه نفقته، كزوجته وأبنائه، وأولاده الفقراء ووالديه الفقيرين، إذا كان عنده مقداراً فاضلاً عن قوته وقوت من تلزمه نفقته ليوم وليلة، ويستحب إخراجها عن الجنين الذي أتم أربعين يوماً في بطن أمه أي نُفخت فيه الروح.
4) مقدارها:
تخرج صاعاً من بر أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من رز أو صاعاً من غالب طعام قوت أهل البلدة وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، والصاع من البر والدقيق يساوي أربعة أمداد وقدر المد هو حفنة بيدي إنسان معتدلة، أي اثنين كيلو ونصف، مع مراعاة زيادات وزن الأصناف البقية، كالأرز والتمر.
* ويجوز إخراجها نقداً، وهو أمر مقر من زمن الصحابة والتابعين وممن قال به من الصحابة: عمر بن الخطاب، عبدالله بن مسعود، عبدالله بن عباس، معاذ بن جبل، عبدالله بن عمر، ومن التابعين: عمربن عبدالعزيز، وعطاء بن أبي رباح ، وإسحاق بن راهوية، طاووس بن كيسان، وسفيان الثوري، والحسن البصري، وممن قال به من الفقهاء: أبو حنيفة وأصحابه، وراية عن أحمد بن حنبل ، وأبي إسحاق وعطاء، والأشهب، وابن القاسم المالكي، وابن حبيب وأصبغ وابن أبي حازم وعيسى بن دينار وابن وهب وهم من علماء المذهب المالكي وهو اختيار الإمام المفسر القرطبي، والإمام محمد الطاهر بن عاشور حيث يقول: " يجوز إخراج الصاع على قول ابن دينار وابن وهب وأصبغ من أصحاب مالك رحمهم الله، وهو الذي اختاره ابن رشد في البيان" الفتاوى التونسية، وبه قال شيخ المقاصد الإمام الشاطبي، والبخاري.
وقد رجح هذا القول كثير من المعاصرين منهم العلامة القرضاوي صاحب كتاب (فقه الزكاة)، وشيخنا العمراني والشيخ مصطفى الزرقاء، والشيخ الألباني، وهو رأي معظم العلماء المعاصرين اليوم، واختارته معظم المجامع الفقهية، والهيئة العالمية لقضايا الزكاة المعاصرة.
وهذا هو الأيسر والأنفع للفقراء، وذلك ليتمكن الفقراء من شراء ما يلزمهم من الأطعمة والملابس وسائر الحاجات، ولأنه يتناسب مع مرونة الشريعة وسعتها والمقصد الشرعي من زكاة الفطر وهو إغناء الفقير وسد حاجته، وتبقى مصلحة الفقير هي المعتبرة.
* وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية جواز إخراجها نقداً إذا اقتضت إلى ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا رأي أبي اسحاق بن راهويه وأبي ثور .
* والخلاف في دفع القيمة خلاف مشروع فلايجوز التشنيع والاعتراض عليه، ومصادرته والمبالغة في رده وإنكاره فهذا هو منهج العلماء الصادقين الربانيين من القبول بالخلاف المشروع، كما أنه يحق لكل مسلم أن يأخذ برأي من يريد دون اعتراض.
* ويحدد مبلغ زكاة الفطر بسُؤال علماء البلدة أوتقدر بحسب سعر صاع البر أو التمر أو صاع من غالب طعام أهل البلدة.
* أما في تركيا فقد حددت رئاسة الشؤون الدينية التركية، قيمة زكاة الفطر للعام 1444هـ بـ70 ليرة على الفرد الواحد.
وقت وجوبها:
اتفق العلماء على وجوب زكاة الفطر في آخر رمضان وتؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد وهو الأفضل، لأن المقصد هو اغناء الفقراء في يوم العيد عن السؤال، ومن أجل مشاركة الناس الفرح والسرور، واتفقوا على أنه لا يجوز تأخيرها عن يوم العيد، ويرى الظاهرية أن من أخرجها بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات، ومن أخرها ولم يؤدها حتى خرج وقتها من غير عذر أثم، ولا تسقط بالتأخير بعد الوجوب بل تصير ديناً وتبقى في الذمة يجب قضاؤها.
* ويجوز تعجيلها قبل الفطر بيوم أو يومين كما صح ذلك في السنة وهو مذهب الحنابلة وهذا القول يحقق مقصد الزكاة وليتمكن الفقراء من شراء حاجاتهم قبل العيد، كما يجوز تقديمها من أول رمضان للحاجة كأن يكون الفقير بعيداً وهو قول الحنفية والشافعية.
5) لمن تصرف:
تصرف للفقراء والمساكين ومحتاجي أهل البلدة، وأولى الناس بها الأقرباء الفقراء، الذين لا تجب نفقتهم على المزكي، والجيران الفقراء.
6) أين تخرج:
تخرج في بلد المزكي وإن لم يوجد فقراء ومساكين أو استغنى عنها أهل البلدة فإنها تنقل إلى ما قرب من البلدة.
ويجوز أن تدفع لجمعية خيرية موثوقة لتخرجها للفقراء، وعليه يجوز توكيل لجان لتوزيعها على أن تخرج الجمعية واللجنة الزكاة في موعدها الشرعي .
فهذا هو ملخص لأكثر ما يقع عليه السؤال من أحكام زكاة الفطر، وقد جمعته من كتب فقهية متفرقة وفي مقدمتها كتاب فقه الزكاة للدكتور القرضاوي حفظه الله فهو أفضل ما ألف في باب الزكاة، وفتاوى بعض العلماء المعتبرين.
تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال وكل عام والجميع بخير.
والله أعلم.