البحث

التفاصيل

رمضان والعادات الاجتماعية السيئة: الإسراف في الأكل والشرب (1)

الرابط المختصر :

رمضان والعادات الاجتماعية السيئة: الإسراف في الأكل والشرب (1)

بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد

 

فالأكل والشرب عموما ليس عادة سيئة، بل هو من مطالب الجسد المجبول عليها؛ ولأن هناك في رمضان السحور والإفطار فقد يتحول شهر الصيام والتقليل من الطعام إلى مأكلة ومشربة ومسرفة، يشرب فيه المسلمون ويأكلون من أنواع الطعام والشراب وأصناف الحلوى ما لا يأكلونه ويشربونه في السنة كلها. وتتحول المحال التجارية إلى أسواق كبرى في هذا الشهر. فهذا ما لم يُشرَع له الصوم، وهو من أسوأ العادات؛ لأنه يذهب بثمرات الصيام أدراج الرياح.

وتحت عنوان (تقاليد لا بد من تغييرها) يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "تقاليد المسلمين جعلت شهر الصيام شهر طعام، وجعلت النفقة فيه أربى من غيرها في سائر الشهور، ما العمل؟ لنكن صرحاء ولنقل: إن على المسلمين تغيير تقاليدهم القائمة على الإسراف!! ويجب أن تعود صبغة العبادة لشهر العبادة، وأن يبرز في الصيام معنى الجهاد والقدرة على مقاومة شتى الرغبات.

إن البيت الإسلامي يقوم على إعداد الطعام لأهله، وليست مهمته أن يكون عادات البطنة والتشبع، أو أن يدخل في منافسات مادية سفيهة لتقديم الأشهى والأغلى، والظروف السياسية والعسكرية التي تمر بأمتنا تفرض علينا ألوانا من التقشف لا ألوانا من اللذات".

وإذا كان الصوم يُعوِّد المسلم الصبر، ويُحيي فيه قوة الإرادة، ويُعمِّق فيه التحمل الطويل والصلابة، فإن مطاوعته لنفسه وتركه العنان لها ترتع وتلعب في مراتع الرخاء وملاعب الأكل والشرب لن تجعله يحصِّل من هذه الأمور شيئا مذكورا.

وفي هذا المعنى يقول الشيخ الغزالي في كلام نفيس: "إن الدابة تفعل ما تحب، وتدع ما يضايقها، والمسافة بين عزيمتها وشهوتها معدومة، بل لا عزيمة هنالك، ولا صراعَ بين شهوات وواجبات، أما الإنسان فيتطلع إلى أمور تردعه حواجز شتى، فإن غلب رشده كان عقله حاكما لرغائبه، وإلا فهو إلى الدواب أدنى.

ذلك وليس الصيام عن الشهوات فارقا فقط بين الإنسان والحيوان، بل هو فارق بين الناجحين من الناس والفاشلين؛ فالنجاح في كل شيء قدرة على تحميل النفس الصعاب، وتصبيرها على الشدائد، وقدرة على منعها ما تستحلي، وفطامها عما تبغي.

ومن قديم عَرف طلاب العلا هذه الحقيقة، واستيقنوا من أن الراحة الكبرى لا تنال إلا على جسر من التعب، وأن من طلب عظيما خاطر بعظيمته، وأن ركوب المشقات هو الوسيلة الوحيدة لإدراك المجد، وقد شرع الإسلام الصيام للناس كي يدربهم على قيادة شهواتهم لا الانقياد لها".

والآيات والأحاديث والأقوال التي تحذر من الإسراف عموما كثيرة في القرآن والسنة، قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: 31).

وقال أيضا وهو يعدِّد صفات عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما﴾ (الفرقان: 67). وأورد ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنه قال: أحل الله الأكل والشرب ما لم يكن سرفا أو مخيلة.

ولما كان الإسراف منهيّا عنه في غير رمضان، فإن النهي عنه في رمضان يكون أشد وأقوى؛ لأنه فيه من مخالفة أغراض الصيام وإضاعة ثمراته ما فيه.

وإذا ذهبنا إلى الفقهاء نستفتيهم في حكم الإسراف في الطعام والشراب لأفتونا بالحرمة قطعا؛ لأن نهي الإسلام عن الإسراف واضح وصريح، فكيف إذا كان في عبادة يهوي الإسراف بثمراتها ومقاصدها في مكان سحيق؟ لا شك أن الحرمة تكون مؤكدة.

وإن المؤمن الصادق الإيمان لن يقدم على شيء حرمه الإسلام وهو يتقرب إلى الله تعالى بأخص العبادات وأشرفها، بل سيحمله إيمانه وحساسية ضميره إلى الكف الفوري عما حرم الله: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (النور:51).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. وصفي عاشور أبو زيد؛ عضو مجلس الأمناء ورئيس لجنة التزكية والتعليم الشرعي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





التالي
نادي توتنهام الإنجيليزي يقيم إفطارًا جماعيًا للمسلمين للمرة الأولى في تاريخه
السابق
الشيخ عكرمة صبري "ما يحدث في المسجد الأقصى المبارك جريمة مبيتة"

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع