إفطار رمضان للاعبي كرة القدم
بقلم: د. مسعود صبري
ذكر د. سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، خلال لقاء تلفزيوني، أنه يجوز إفطار لاعب كرة القدم خلال شهر رمضان، وبنى كلامه على عدة أمور:-
أولاً: أن الدين يتكيف على صاحبه، وليس الإنسان هو من يتكيف حسب الدين.
ثانياً: كرة القدم تحولت إلى صناعة ولم تعد لعبة، نحن نسميها حالياً لعبة تجاوزاً، لكن في الحقيقية أصبحت صناعة مربحة جداً، وهي تدخل ضمن التجارات المباحة.
ثالثاً: أن اللاعب أصبح عاملاً يقوم بعمله وعليه الالتزام بتعليمات المدرب، بما أنه يتقاضى أجراً.
وهذا الرأي مخالف لقواعد الاجتهاد، ولا تشهد له أي أدلة شرعية، فلعب كرة القدم ليس من الأعذار الشرعية التي تبيح لصاحبها الإفطار في الصوم الواجب في رمضان، بل الواجب على لاعب كرة القدم الصيام في نهار رمضان، ما لم يكن عنده عذر مبيح للفطر، فيفطر ساعتها للعذر، وليس بسبب كرة القدم.
أما مناقشة الشبهات الواردة، فهي على النحو التالي:
الشبهة الأولى: أن الدين يتكيف على صاحبه، وليس هو يتكيف حسب الدين:
فهذا كلام غير منضبط، لأن أحكام الله تعالى نزلت ليلتزم بها الناس، والدين حاكم على الناس وليس الناس حاكمين على الدين، وما يعرف بفقه الأعذار أو الاستثناء، إنما يكون أيضاً من جهة التشريع، فمن فرض الصيام على المسلمين بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183)، هو من قال: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ (البقرة: 184)، فمن يصوم، فهو يصوم بأمر الله، ومن يفطر من أصحاب الأعذار، فهو يفطر بأمر الله.
والقول: إن الدين يتكيف حسب صاحبه قول باطل، ويشهد لبطلانه كثير من الآيات والأحاديث التي توجب على المسلم طاعة الله ورسوله فيما بلغ عن ربه سبحانه، ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (آل عمران: 132)، وقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (المائدة: 92)، وقوله سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد: 33)، وحذر الله من عدم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه، فقال: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور: 63)، وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (٣٦) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (٣٧) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (٣٨) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (٤٠) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (٤٣)﴾ (الأحزاب).
الشبهة الثانية: كرة القدم صناعة.
مع الاتفاق على أن كرة القدم لم تعد مجرد لهو، بل مسابقات ومقامرات على ملايين من الأموال، فإن هذا لا يجعلها عذراً مبيحاً للفطر، فممارسة الرياضة على مال أو بدون مال ليس مسوغاً للفطر في شهر رمضان، ولا حتى الأعمال التي يقوم بها الموظفون لا تسمح لهم بالفطر في رمضان، وإلا أبحنا لملايين من الموظفين في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص بجواز الفطر، ولتعطلت فريضة الصيام، ولقد كان لمفتي تونس، رحمه الله، الشيخ محمد الطاهر بن عاشور موقف تاريخي حين طلب منه أن يفتي بحل الإفطار في رمضان لأنه يعطل عن الإنتاج والعمل، فأفتى بوجوب الصيام متحدياً رئيس الجمهورية آنذاك، رافضاً لدعواه الباطلة.
فليس كل ممارسة شيء، سواء أكان رياضة أو عملاً؛ مبيحاً للفطر.
الشبهة الثالثة: طاعة اللاعب للمدرب لقيامه بالعمل:
وهذه من الشبه التافهة التي لا ينبني عليها فقه، فاللاعب يتقاضى أجراً، والمدرب أيضاً يتقاضى أجراً، وهل تقاضي الأجر يبيح الفطر؟ وهل الأمر بالمعصية يبيح للمسلم طاعة من يأمر بمعصية الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
وقد أفتى مركز الأزهر العالمي للفتوى بعدم جواز الفطر للاعبين الرياضيين في رمضان، والقول بعدم جواز الفطر للاعبين هو ما عليه الفتوى من فقهاء الأمة، ولا يعرف لذلك مخالفة معتبرة.
أما فطر اللاعبين لأجل السفر، فمسألة أخرى، مردها إلى السفر وليس إلى اللعب.
ومما جاء في فتوى مركز الأزهر العالمي للفتوى: «إذا سافر الإنسان مسافة القصر جاز له أن يفطر ما دام في سفره، أو إن لم ينو الإقامة أكثر من ثلاثة أيام في المكان الذي سافر إليه، أما إذا نوى المسلم الإقامة أربعة أيام فأكثر انقطع عنه وصف السفر، ووجب عليه الصيام، وإتمام الصلاة، وأنه لا يجوز للاعبي كرة القدم الإفطار إذا نووا الإقامة في سفرهم أربعة أيام فأكثر، ويمكن أن يجروا تمريناتهم، ومبارياتهم في الليل ليسهل عليهم الأمر، وإن لم يتمكنوا من إقامة التمرينات، أو المباريات بالليل، وصاموا وشق عليهم الصيام مشقة بالغة لم يمكنهم تحملها ففي هذه الحالة يجوز لهم الفطر للمشقة، ولا يجوز لهم الفطر ابتداء لتوقع المشقة، فلا يجب التهاون بحرمة الشهر الكريم، بل يجب تعظيمه، استشهاداً بقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32).