لا تضيعوا ليلة القدر بالمفهوم الخاطئ أو الضيق لإحياء الليلة
بقلم: الأستاذ بن سالم باهشام
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
(خطبة الجمعة)
عباد الله، إن قيام رمضان بصلاة التراويح، يعتبر سنة مؤكدة، ويزداد تأكيد قيام ليلة القدر وإحيائها، فكل ذلك سنة وقربة وطاعة متأكدة، فقد كان النبي ﷺ يقوم رمضان عموما، ويقوم أيام العشر الأواخر منه خصوصا، وكان يجتهد في العشر الأواخر أكثر مما يجتهد في غيرها عليه الصلاة والسلام، وكان يرغب أصحابه رضي الله عنهم في ذلك من غير أن يأمرهم بعزيمة، فدل ذلك على تأكد هذا القيام، وأنه يستحب لأهل الإسلام أن يقوموا رمضان، وهكذا ليلة القدر على وجه الخصوص، إذ يستحب لهم أن يقوموا العشر الأخيرة من رمضان، وأن يجتهدوا في ذلك؛ لأنها فيها، فمن قام العشر الأواخر من رمضان، قام ليلة القدر بكل يقين، والله عز وجل يقول في هذه الليلة المباركة في سورة الدخان: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) [الدخان:3-4]، ويقصد بها ليلة القدر، والتي قال تعالى فيها في سورة القدر: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ )[القدر:1] ، يعني القرآن، ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ )[القدر:2-5]
لهذا نجد كل المسلمين يجدون ويجتهدون للحظوة بأجر قيام ليلة القدر، إذ قيام ليلة القدر من أفضل الأعمال وأرجاها لحصول المغفرة، وهي موجودة في العشر الأواخر كلها بكل يقين، مع العلم أنها تقع تارة في أول العشر الأواخر، وتارة في وسطها، وتارة في آخرها، فهي تتنقل ولا تبقى قارة في ليلة واحدة كل السنين، والحزم كل الحزم أن المؤمن يحيي الليالي العشر كلها، ويجتهد فيها كلها ، حتى يوافقها يقينًا، ومن قام العشر كلها فقد أدرك ليلة القدر يقينًا، فإذا أخلص نيته فله هذا الفضل العظيم. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). [أخرجه البخاري 1901 ومسلم 760]. فقوله صلى الله عليه وسلم : (إيماناً) أي بما أعد الله تعالى من الثواب للقائمين في هذه الليلة العظيمة، ومعنى (احتساباً) أي للأجر وطلب الثواب. من الله تعالى وخده دون غيره.
عباد الله، من الاجتهادات الخاطئة والسائدة عند الكثير من الصائمين في معنى الإحياء، أن الشخص لا ينام الليل كله حتى صلاة الفجر، وبهذا المفهوم الخاطئ أو الضيق، والذي فيه مشقة على أغلب الأفراد رجالا ونساء، جعلهم يَتكلفون من الأعمال ما لا يطيقون، فاقتصروا في التماس ليلة القدر على ليلة واحدة من بين العشر الأواخر من رمضان، وهي ليلة السابع والعشرين، فحرموا أنفسهم النوم، حتى إن أغلبهم تجده ينتظر بفارغ الصبر وقت وصول وقت الفجر ليكون ممن حظي بإحياء ليلة القدر لنيل أجر ثوابها، جاهلا أن ليلة القدر قد تكون ليلة السابع والعشرين، وقد تكون غيرها من الليالي، وإلا لما أحيى الرسول صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان، ولا اكتفى بإحياء هذه الليلة فقط، ولما احتاج إلى اعتكافها والانقطاع عن الدنيا وملذاتها، وجاهلا كذلك أن الإحياء لليلة لا يعني الحرمان من النوم طيلة تلك الليلة. فعَنْ مَالِك عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً مِنْ اللَّيْلِ تُصَلِّي فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ، لَا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَتْ الْكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ : (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا ، اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا لَكُمْ بِهِ طَاقَةٌ). ( اكلفوا ) أي تحملوا من العمل ما تطيقون المداومة والثبات عليه.
وفي رواية مسلم، عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ : (أَنَّ الْحَوْلاَءَ بِنْتَ تُوَيْتِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى مَرَّتْ بِهَا وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ : هَذِهِ الْحَوْلاَءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ ، وَزَعَمُوا أَنَّهَا لاَ تَنَامُ اللَّيْلَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« وَلِمَ لاَ تَنَامُ اللَّيْلَ؟ خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ ، فَوَ اللَّهِ لاَ يَسْأَمُ اللَّهُ حَتَّى تَسْأَمُوا »). صحيح مسلم (2/189 ح 1869).
عباد الله، هنا يأتي التصويب الشرعي المعزز بالنصوص الشرعية، للفوز بفضل ليلة القدر دون مخاطرة في الاجتهاد في الليلة، أو مشقة فوق طاقة الفرد، لنقول لكل الصائمين والصائمات:
أولا: إن المحافظة على صلاة العشاء والصبح في جماعة، كاف لجعل الإنسان محيي لليلة، وحاصل على ثواب القائم لليل كله، وهذا في متناول كل الصائمين والصائمات، وليس فيه أية مشقة، مما يجعلهم يحرصون على ذلك طيلة العشر الأواخر من رمضان بدل الاقتصار على يوم واحد، ومدركون بذلك ليلة القدر بكل يقين.
ثانيا: الإحياء لليل فيه مراتب حسب همم الأشخاص، أقله إدراك صلاة العشاء والصبح مع الجماعة، وفوقها المحافظة على تراويح العشاء وتراويح الصبح مع الإمام، وفوقها الاجتهاد في الذكر المطلق المتعلق بالتطهير والتنوير والتعمير، من استغفار وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والإكثار من الكلمة الطيبة التي يتجدد بها الإيمان والتي هي لا لإله إلا الله، وتلاوة القرآن، والصلاة والدعاء والاستماع للقرآن وغيرها من القربات، والنوم قليلا من الليل، ليندرجوا ضمن السرب الذين مدحهم الله تعالى بقوله في سورة الذاريات: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) [الذاريات: 17، 18]
عباد الله، أما النصوص التي تثبت حصول الشخص على أجر قيام ليلة القدر بصلاة العشاء والفجر في جماعة بدون التراويح، حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي في صحيح مسلم، عن عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ) ، [صحيح مسلم( 2/ 125 ح 1523)، ورواه الترمذي أكثر توضيحا، عن عثمان رضي الله عنه بلفظ:( من شهد العشاء في جماعة، كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة)، [أخرجه عبد الرزاق (1/525 ، رقم 2008) ، وأبو داود (1/152 ، رقم 555) ، والترمذي (1/433 ، رقم 221) وقال : حسن صحيح. وابن حبان (5/408 ، رقم 2060) ] . ورواه أبو داوود كذلك عن عثمان رضي الله عنه بلفظ:( من صلى العشاء في جماعة، كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام ليلة).
عباد الله، إن الذي استخلصه شراح الحديث من خلال الجمع بين هذه الروايات، أن من صلى العشاء والصبح معا في جماعة، كان كمن قام الليل كله، ومن صلى واحدا منهما: العشاء أو الصبح في جماعة كان كقيام نصف ليلة.
عباد الله، جاء في كتاب عون المعبود على شرح سنن أبي داوود لشرف الحق العظيم آبادي أبو عبد الرحمن * فجعل بعضهم حديث مسلم على ظاهره، وأن جماعة العتمة توازي في فضيلتها قيام نصف ليلة، وصلاة الصبح في جماعة توازي في فضيلتها قيام ليلة، واللفظ الذي خرجه أبو داود تفسيره، ويبين أن المراد بقوله: “ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله”، يعني: ومن صلى الصبح والعشاء، وطرق هذا الحديث مصرحة بذلك، وأن كل واحد منهما يقوم مقام نصف ليلة، وأن اجتماعهما يقوم مقام ليلة) انتهى.
وجاء في كتاب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي لعبد الرحمن المباركفوري * قلت: المراد بقوله: “ومن صلى الصبح في جماعة”، في رواية مسلم، أي منضما لصلاة العشاء جماعة، قاله المناوي، وقال القاري في المرقاة في شرح قوله: “فكأنما صلى الليل كله”، أي بانضمام ذلك النصف، فكأنه أحيا نصف الليل الأخير) انتهى، وهذا هو المتعين جمعا بين الروايتين.
عباد الله، إن من رحمة الله بالمرأة أنها تنال نفس الثواب، وتحظى بأجر إحياء ليلة القدر بصلاة العشاء والصبح في وقتهما وفي بيتها، روى أبوداود والترمذي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه، عَنِ النَّبِي – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ( صَلاَةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَصَلاَتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِي بَيْتِهَا) رواه أبوداود (570) والترمذي (1173). والمقصود ببيتها: الحجرة التي تكون فيها المرأة، والمراد بحجرتها: صحن الدار الذي تكون أبواب الغرف إليهان ويشبه ما يسمى الآن بالصالة، والمقصود بمخدعها: الحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة. وروى ابن خزيمة في صحيحه ، عن أُمِّ حُمَيْدٍ امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ( يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني أحب الصلاة معك، فقال: قد علمت انك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي، فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل ) [ابن خزيمة في صحيحه ج3/ص95 ح1689].
عباد الله، إن قيام ليلة القدر من أفضل الأعمال وأرجاها لحصول المغفرة. والثواب، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن فضيلة قيام ليلة القدر تحصل لمن صلى العشاء والصبح في جماعة، وهذا بالنظر إلى أصل فضيلة القيام، وأما كمال الأجر، فلا شك في أن العبد كلما اجتهد في الطاعة وأكثر من العبادة، كان أدخل في هذا الوعد، وأولى بتحصيله، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأخيرة من رمضان، التشمير عن ساق الجد في الطاعة، والمبالغة في الاجتهاد فيها، تحرياً لليلة القدر، فكان كما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأخير ة من رمضان شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله)، وممن ذهب إلى أن من صلى العشاء والصبح في جماعة نال أصل فضيلة قيام ليلة القدر ، الشافعي رحمه الله. قال شمس الدين الرملي في كتابه نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: ( وقد نقل في زوائد الروضة عن نصه في القديم – يعني نص الشافعي رحمه الله- أن من شهد العشاء والصبح في جماعة، فقد أخذ بحظه منها -أي من ليلة القدر- وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً :”من صلى العشاء الآخرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر”) انتهى.
وزاد العراقي هذا المعنى إيضاحاً في كتابه طرح التثريب في شرح التقريب ، فقال ما ملخصه: (ليس المراد بقيام رمضان، قيام جميع ليله، بل يحصل ذلك بقيام يسير من الليل، كما في مطلق التهجد، وبصلاة التراويح وراء الإمام كالمعتاد في ذلك، وبصلاة العشاء والصبح في جماعة، لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة، فكأنما صلى الليل كله”.. فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: “ومن صلى الصبح في جماعة”، أي مع كونه كان صلى العشاء في جماعة، وكذلك جميع ما ذكرناه يأتي في تحصيل قيام ليلة القدر)، وقد روى الطبراني في معجمه الكبير عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة، فقد أخذ بحظه من ليلة القدر). لكن في إسناد هذا الحديث مسلمة بن علي وهو ضعيف، وذكره مالك في الموطأ بلاغاً عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: (من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها)، وقال ابن عبد البر: (مثل هذا لا يكون رأياً، ولا يؤخذ إلا توقيفاً). وقال الشافعي رحمه الله في كتابه القديم: (من شهد العشاء والصبح ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها)، ولا يعرف له في الجديد ما يخالفه، وقد ذكر النووي في المجموع شرح المهذب: (أن ما نص عليه الشافعي في القديم، ولم يتعرض له في الجديد بموافقة ولا بمخالفة، فهو مذهبه بلا خلاف. وروى الطبراني في معجمه الأوسط، بإسناد فيه ضعف، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى العشاء في جماعة، وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد، كان كعدل ليلة القدر”. وهذا أبلغ من الحديث الذي قبله، لأن مقتضاه، تحصيل فضيلة ليلة القدر وإن لم يكن ذلك في ليلة القدر، فما الظن بما إذا كان ذلك فيها.) انتهى.
عباد الله، بالمقابل لهؤلاء الذين أثبتوا بالأدلة والحجج الشرعية ثواب وأجر إحياء ليلة القدر لمن صلى العشاء والصبح في جماعة، علماء نازعوا في هذا ورأوا أن فضيلة قيام ليلة القدر لا تحصل إلا لمن قام كل الليل أو معظمه. قال عبيد الله الرحماني المباركفوري في كتاب مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: ( قيل: ويكفي في ذلك ما يسمى قياماً ، حتى إن من أدى العشاء بجماعة، فقد قام، لكن الظاهر من الحديث عرفاً، كما قال الكرماني أنه لا يقال: قام الليلة، إلا إذا قام جميعها أو أكثرها.).
عباد الله، رغم ما ذهب إليه هذا الفريق، ففضل الله تعالى واسع، فلا يبعد أن ينال من صلى العشاء والصبح في جماعة حظاً من فضل قيام ليلة القدر، ولكن لا يستوي بلا شك مع من أتعب نفسه، وأسهر ليله، واجتهد في طاعة ربه معظم الليل، وتأسى في ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم.
عباد الله، إنها قرصة العمر فلا تضيعوها، فمن حرمها فقد حرم الخير كله، روى ابن ماجه في السنن بسند حسن عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ( دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ) [أخرجه ابن ماجه (1/526 ، رقم 1644) قال المنذري (2/60) : إسناده حسن]. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بن سالم باهشام؛ أستاذ العلوم الشرعية بخنيفرة المغرب. عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. عضو رابطة علماء المغرب.