البحث

التفاصيل

واجب النصرة تجاه المسرى

الرابط المختصر :

واجب النصرة تجاه المسرى

بقلم: د. محمد الصغير

 

يعكف المسلمون في رمضان على القرآن الكريم قراءة وسماعاً وتدبراً، وفي منتصف الرحلة مع المصحف نجد الجزء الخامس عشر يبدأ بسورة «الإسراء» أو سورة بني إسرائيل، وسميت بذلك لأنها قصت رحلة النبي الأكرم ﷺ عندما أسري به إلى المسجد الأقصى؛ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).

النص القرآني ومحددات الصراع مع بني صهيون

كما أنها تذكر تاريخ الصراع مع بني إسرائيل وطبيعته، وتبين محدداته ونهاياته؛ (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء: 7)، وليس المقصود من تلاوة القرآن وختم المصحف مجرد العبادة وتحصيل الأجر، وإنما الانطلاق إلى ساحة العمل والتطبيق، فإن صلاة رسول الله ﷺ إماماً بالأنبياء في المسجد الأقصى أعلنت عن ميراث النبوة وإمامة الدنيا بكلمة الوحي الأخيرة لأهل الأرض، وهذا يجعل التبعة على أتباعه كبيرة والمسؤولية عظيمة، مسؤولية منع تدنيس المقدس، وفك أسر المسرى المشرف، وهي مسؤولية كل فرد من أفراد الأمة، بموجب ما له من سهم أو نصيب في هذا الميراث الشريف، فإن كان الواجب على الفلسطينيين الرباط والمواجهة، فإن الواجب على الأمة الدعم والمساندة، بكل وسائل الدعم الممكن مادياً وعلمياً وإعلامياً، ولا نغفل سلاح الدعاء، فإن دعاء السحر سهام القدر.

اعتداءات وحشية متكررة في كل رمضان

المتابع لحلقات الصراع مع عصابة الاحتلال يجد أنهم في كل رمضان يؤججون نار الحرب، ويُسعِّرون لهيب العداوة، ويجعلون من اقتحام المسجد المبارك ومحاولات تدنيسه مقدمة أولوياتهم، وفق خطة مدروسة لنسف معاني القداسة عن الزمان والمكان في نفوس المسلمين، فهم لا يقيمون وزناً لشهر الصيام، ويرون أن إقامة هيكلهم تأتي على أنقاض بيت الله، وفكرة التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى ما هي إلا مرحلة حتى يتمكنوا من هدمه بالكلية؛ لذا استقر عند علماء السياسة الشرعية أن الاعتكاف لأهل فلسطين في ظل الظروف الراهنة يرتقي إلى درجة الواجب ويبقى مسنوناً في شأن بقية الأمة.

الاقتحام الأخير للمسجد الأقصى، ومنع الاعتكاف فيه واعتقال المعتكفين، أسقط كل حجة الذين لمن ادعى زوراً أن التطبيع لصالح الفلسطينيين، فلم تتحقق منه مصلحة واحدة، حتى من باب التغطية على إفكهم وما كانوا يفترون، ولو كان عند القوم بقية من كرامة أو إيمان، لتمعرت وجوههم لتدنيس المسجد الأقصى والاعتداء على الحرمات، حتى حياء الشجب نالته يد الحجب، وما ظهر جاء خجولاً يعبر عن قلق أو يعرب عن أسف، ولو كان التعامل مع المسجد الأقصى من منظور تاريخي أو حضاري، أو باعتباره أحد المعالم الأثرية، لتحركت له ضباع الأرض ومنظمات حقوق الأحجار والآثار!

احتدام المعركة وبشريات الجولة الأخيرة

ومن زاوية أخرى، فإني أرى المعركة في جولتها الأخيرة، وأن العالم على أبواب مرحلة جديدة، والطبيعة الدينية للمعركة لن تراوح الميدان، أو تغيب عن الساحة، فإن كان القوم يعتقدون أن دولتهم لا يزيد عمرها على ثمانين سنة، وهو ما يؤكده التاريخ، وبدأ يتردد بوضوح على ألسنة قادتهم ورموزهم، فإننا أيضاً على وعد بتجديد جديد، يأتي لأمتنا على رأس كل مائة سنة، قد أظلنا أوانها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِئَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» (رواه أبو داود).

والواقع يشهد أن قيام دولة الاحتلال جاء بعد عقدين من سقوط خلافة الإسلام، وبذلك تتحد العدة، وتتوافق المدة، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ ۖ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. (الأعراف: 167)، ولم يبق على ذلك إلا النزر اليسير، وما ذلك على الله بعسير.

______________

(*) د. محمد الصغير؛ الأمين العام للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
انتخاب الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي "53 عاماً" رئيسا عاما لندوة العلماء بلكناؤ الهند
السابق
اطلاق مشروع "تفطير صائم" في المسجد الأقصى بتنفيذ هيئة علماء فلسطين ورعاية بعض المؤسسات العُلمائية (صور)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع