البحث

التفاصيل

دورة رمضان من زاوية جديدة

دورة رمضان من زاوية جديدة

بقلم: د. محمد الصغير

 

يحفظ عامة المسلمين حديث أركان الإسلام: [بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ] رواه البخاري ومسلم.

والصيام أحد هذه الأركان، لكن شهر رمضان في دورته المتجددة كل عام، يتجاوز فريضة الصوم ليشمل الدين كله، ويقدم صورة خاصة من الإسلام الكامل، فهو يملك نسخته الخاصة من أركان الإسلام، تظهر في أيام مدرسة الصوم، مرتبطة به ومتشبعة بمقاصده ومعانيه.

أولًا: التوحيد

التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والركن الأول الذي على سلامته يكون مدار قبول العمل، ويظهر عليه طابع رمضان في قول رب العزة في الحديث القدسي: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به، ولَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ” رواه البخاري.

التوحيد هو الإخلاص، ومن ذلك سميت سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} بهذا الاسم، لأن العبادات كلها مشهودة، وأغلبها يكون مع الجماعة، إلا الصوم فإنه سر بين العبد وربه، ولا يصح إلا بالإخلاص والمراقبة.

ثانيًا: الصلاة

يأتي رمضان ومعه صلاته الخاصة به، فكل صلاة بعد العشاء هي من قيام الليل، أما قيام رمضان فله اسمه الخاص “صلاة التراويح”، وبصمته الخاصة من خلال اجتماع الناس عليها، وختم القرآن الكريم فيها.

ثالثًا: الزكاة

الفريضة الاجتماعية في الإسلام، والضريبة الإيمانية في أموال الأغنياء الأسخياء، وقد حدد الله الوقت والمقدار وبيّن المستحقين والأنصباء، وهي تشمل العام كله بين زكاة المال والأنعام، والزروع والثمار، وزكاة الكنز والركاز، ثم يضيف لها رمضان زكاة الفطر، التي شرعت لرسم بسمة على وجه الفقير يوم العيد، وسد حاجته عن سؤال الناس يوم الفرحة، وهي خاصة بأيام الشهر الفضيل، والمسنون تأخيرها إلى قرب العيد، ومن أخرجها بعد العيد لم يسقط الفريضة الواجبة، ودخل في باب الصدقة المندوبة، فعن ابن عباس قال: [فَرَضَ رسولُ اللهِ صدقةَ الفطرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرَّفثِ، طُعْمَةً لِلْمَساكِينِ، فمَنْ أَدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فهيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، ومَنْ أَدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فهيَ صدقةٌ مِنَ الصدقةِ] رواه أبو داود.

رابعًا: الحج

قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة: 197)، وقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (البقرة: 203).

فلا يكون الحج إلا في زمانه وأوانه، لكن لا ينطبق هذا على رمضان، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن النبي صليى الله عليه وسلم قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي" وهذه الكتابة في موازين الأجر، لكنها لا تسقط حجة الفريضة.

وكأن رمضان يأتي بنسخة مُحدّثة خاصة به في كل عام، لتؤكد أننا نستطيع في مدرسة الثلاثين يومًا أن نفعل فرائض الإسلام كلها، فعلينا أن نجدد العهد، ونأخذ من دورة رمضان زادًا لبقية العام.

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

* د. محمد الصغير؛ عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ووكيل اللجنة الدينية بالبرلمان المصري ومستشار وزير الأوقاف السابق. حاصل على الدكتوراه في الأديان والمذاهب من كلية الدعوة جامعة الأزهر





السابق
اعتقال رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع