البحث

التفاصيل

العيدُ بين صناعة الفرح واحتكاره وتفجير الأحزان

الرابط المختصر :

العيدُ بين صناعة الفرح واحتكاره وتفجير الأحزان

بقلم: محمد خير موسى

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

علامَ نحوّل العيد إلى بكائيّةٍ وعبارات أحزانٍ ومراثي أعمارٍ وأوطان؟ ومَن قال: إنّه لا عيدَ كرمى لأمّ الشّهيد؟ مَن قال: إنّه لا عيد حتّى تتحرّر البلاد من الطّغيان والاستبداد والاحتلال؟ ومَن قال: إنّه لا عيدَ حتّى يعود اللّاجئون إلى ديارِهم؟

مع كلّ عيدٍ من الأعياد تتعالى الأصوات بهذه العبارات التي تحوّل العيد -من حيث تقصد أو لا تقصد- إلى موسم للبكاء الحارق، واستحضار الحزن، وتكدير الخواطر، وقد يصل الأمر إلى شعور البعض بالذّنب إن هم فرحوا أو أظهروا فرحهم في العيد.

إنّه شعيرة الفرح

العيدُ شعيرةٌ من شعائر الإسلام، ومن أعظم مقاصد هذه الشّعيرة استحضار الفرح ما استطعنا إليه سبيلا، ففي العيد ينبغي أن نولّد الفرح من رحم الأحزان ومن قلب الجراح.

في العيدِ الأوّل الذي مرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه في السّنة الثّانية من الهجرة وكان أوّل رمضان يصومه المسلمون؛ كانوا قد فقدوا قبله بأقل من أسبوعين في غزوة بدر التي كانت في السّابع عشر من رمضان؛ أربعةَ عشرَ رجلاً وشاباً من خيار رجال وشباب المسلمين الذين استشهدوا في المعركة الأولى الفاصلة بين الحقّ والباطل، وعندما رجعوا إلى المدينة من بدر وجدوا التّراب يسوّى على قبر رقيّة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فلك أن تتخيّل العيد الأوّل يأتي بعد أيّام من فقد رسول الله ابنته رقيّة وفقده والمسلمين أربعة عشر من خيار فرسانهم ومقاتليهم.

وكذلك هو العيد الأوّل الذي يمرّ عليهم وقد هُجّرَ قسمٌ كبيرٌ منهم من ديارهم وأموالهم وتركوا أوطانهم تحت وطأة ظلم قريش التي استولت على دُورهم وغصبت عقاراتهم، ومع ذلك لم يحّولوا العيد مناسبةً لاستحضار الحزن، وتدبيج المراثي، ونشر البكائيّات، وترديد التّعازي، والتأكيد أنّهم لن يفرحوا حتّى ينتقموا من قريش لشهدائهم، أو أنّ عيدهم لن يكون إلّا بعودتهم إلى مكّة المكرمة التي هُجّروا منها.

بل إنّ إظهار الفرح كان عنواناً في هذا العيد، وقد أكّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم داعياً إلى الفرح فيما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للصائم فرحتان؛ فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، وفي رواية: وللصائم فرحتان يفرحهما؛ إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".

وكذلك الدّعوة إلى الاجتماع يوم العيد والتزيّن ولبس أجمل الثياب، وتبادل التّهاني بالعيد؛ كلّ هذا أفعالٌ تعبّرُ عن إظهار الفرح الذي هو من أجلّ مقاصد العيد.

كما أنّ البيان الإلهيّ جاء بأمرٍ واضح صريح بالفرح بفضل الله ورحمته، فقال تعالى في سورة يونس: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ"، وأداء صيام رمضان والقيام بما فيه من عبادات وشعائر هو من فضل الله ورحمته، فكان الفرح بأداء هذه العبادة التي تُختم بالعيد الذي هو وعاء الفرح بفضل الله ورحمته؛ أمراً إلهيّاً لا ينبغي العدول عنه باستحضار الأحزان وفتح الجراح لتنزف من جديد في يوم الفرح.

احتكارُ الفرح في العيد خطيئة

إنّ من أهمّ ما ينطوي عليه العيد من معانٍ هو سعي الإنسان إلى زرع الفرحة في قلبه وقلوب أهله وعائلته، ولكن علينا أن نعلم أنّ الفرح الذي شرعه الله تعالى في العيد لا يقبل الأنانيّة، فلا يحتكرُ الفرحَ في العيد إلّا مخطئ.

إذا أردنا أن نفرح فرحاً حقيقيّاً خالياً من شائبةِ الفرديّة السلبيّة فإنّ علينا أن نسعى إلى توليد الفرحة في قلوب مكلومة تتوزّع اليوم على امتداد خارطة الأمّة كلّها.

إنّ من وسائل توليد هذا الفرح على سبيل المثال لا الحصر؛ أن نضمّ إلى أبنائنا يتيماً نقدّم له ما نقدّمه لأبنائنا كي يفرح الأيتام كما يفرح أبناؤنا، ومن الواجب علينا أن نلتفت إلى الثّكالى والأرامل ممّن فقدن الولد والزّوج، وكذلك المحاصرين تحت وطأة الجوع والمرض وأسوار الطغيان والاستبداد والاحتلال في غزّة واليمن وسوريا والعراق وتركستان وغيرها من حواضر المسلمين المحاصرة، ونلحظ بعين الاهتمام العمليّ أبناء الشّهداء، وأبناء الأسرى والمعتقلين في سجون الصّهاينة وسجون الطّغاة والمستبدّين؛ فكلّ هؤلاء هم أبناؤنا وينبغي أن يكونوا مع أهلينا في عيدهم، ومن حقّهم علينا أن يفرحوا كما تفرح أسرنا، وإذا لم يفرحوا كما يفرح أبناؤنا فمعنى ذلك أنّنا لا نعيش الفرحة الحقيقيّة الكاملة التي قصدها الشّارع من شعيرة العيد؛ ففي العيد لا تقتلوا الفرح، ولا تعيشوه أنانيّةً واحتكاراً.


: الأوسمة



التالي
د. علي الصلابي: اعتقال الغنوشي نكسة حقيقية للوسطية والاعتدال وضربة موجعة للديمقراطية
السابق
رفيدة الأسلمية أول ممرضة وجراحة في الإسلام

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع