البحث

التفاصيل

كيف نحيي ليلة العيد؟

الرابط المختصر :

كيف نحيي ليلة العيد؟

بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد

 

من حق المسلمين – بل من واجبهم – أن يفرحوا بالعيد، وأن يعيشوا سعادته؛ وذلك ليس لما تمر به أمتنا من أتراح ومصائب وجراح، وإنما لما وفق الله المسلمين إليه من صيام وقيام وطاعات طوال هذا الشهر المبارك، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَ ٰلِكَ فَلۡیَفۡرَحُوا۟ هُوَ خَیۡرࣱ مِّمَّا یَجۡمَعُونَ﴾ [يونس ٥٨].

أما مآسي المسلمين فهي قديمة جديدة، حتى عبر شاعر العربية الأكبر أبو الطيب المتنبي عن ذلك بقوله:

عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ** بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ

أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ ** فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ

ومن المعاصرين الشاعر حفيظ الدوسريّ من خلال قصيدة له بعنوان: (في ليلة العيد) وهي قصيدة نونيّة، جاءت على مجزوء البحر الكامل الذي يتميّز بصفاء إيقاعه! يقول:

ما زلتُ أسمع يا هلالَ العيد صوت النائحينْ

ما زلتُ أسمع في الفضاء بكاء أمّتنا الحزينْ

ما زلتُ أنظر للثكالى واليتامى الضائعينْ

ما زال قلبي في الهموم مكبّلاً مثل السجينْ

أنا يا هلال بحسرتي أبكي ضياع المسلمينْ

أنا بين أمواج العذاب أغوص في نار الأنينْ

ومع هذا فإن الفرح بالعيد من حق المسلمين، فالفرح على الأقل يخفف الآلام ويزيل بعض الأحزان، ويرفع بعض الهموم، لا سيما لمن وفقه الله تعالى لطاعته وعبادته.

 

إحياء ليلة العيد

أما ليلة العيد فهي ليلة مهمة للمسلمين، بها ينتهي شهر رمضان، ومنها تستفتح الفرحة بالطاعات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ولِلصّائِمِ فَرْحَتانِ يَفْرَحُهُما: إذا أفْطَرَ فَرِحَ بفِطْرِهِ، وإذا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ". [أخرجه مسلم (١١٥١ )].

وعلى المعتكف أن يبدأ اعتكافه قبل غروب ليلة الحادي والعشرين، ويبقى إلى ليلة العيد التي يحييها كذلك، ويخرج منها على صلاة العيد، وقد قال إبراهيم النخعي: "كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد، لئلا يفوته شيء من العشر الأواخر، تم الشهر أو نقص".

وقد ورد في إحياء ليلتي العيد ما رواه أبو أمامة الباهلي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من قام ليلتي العيدين محتسبًا لم يمتْ قلبُه يومَ تموتُ القلوبُ". [روي موقوفا ومرفوعا، وهو ضعيف]. لكن العلماء يتساهلون في فضائل الأعمال فيقبلون فيها الضعيف؛ ولأنها تعبر عن استمرار المسلم على الطاعة، فهو خرج من صيام رمضان إلى قيام ليلة العيد ﴿فَإِذَا فَرَغۡتَ فَٱنصَبۡ﴾ [الشرح ٧].

قال الإمام الشافعي –رحمه الله -: "وبلغنا أنه كان يقال: الدعاء يستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان".

وقال ابن الصلاح: "ويوم تموت القلوب هو يوم القيامة، إذا غمرها الخوف لعظمة الهول. وذكر الصيدلاني: أنه لم يرد شيء من الفضائل مثل هذا؛ لأن ما أضيف إلى القلب أعظم لقوله – تعالى -: “فإنه آثم قلبه".

وحديث أبي أمامة يحث على قيام ليلتي العيد في طاعة الله - عز وجل - وشكره، والثناء عليه وتعظيمه، ويحصل هذا الثواب لمن أحيا بعض هاتين الليلتين أو معظمهما وقد خص من يحيي هاتين الليلتين بهذه الصفة العظيمة، وهذا الأجر الجزيل، بحيث يظل قلبه حيا بينما تموت كثير من القلوب؛ لأنه أحيا هاتين الليليتين في طاعة، بينما غفل غيره عن ذلك، أو أحياهما فيما يغضب الله، أو يسخطه.

وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب إحياء ليلتي العيدين (الفطر والأضحى)، فذهب الحنفية إلى أن إحياءها يكون بصلاة العشاء في جماعة والعزم على صلاة الفجر جماعة، فإحياء ليلة العيد عند القائلين بها يكون بجمع الطاعات من ذكر وقراءة قرآن وصلاة ودعاء، قال في مغني المحتاج: "ويسن إحياء ليلتي العيد بالعيادة من صلاة وغيرها من العبادات".

وقال الحطاب من المالكية في مواهب الجليل: "استحب إحياء ليلة العيد بذكر الله تعالى، والصلاة وغيرها".

وقال الإمام النووي في المجموع: "اتفق أصحابنا على إحياء ليلتي العيدين".

كما أن ليلة العيد هي الليلة التي تخرج فيها زكاة الفطر وجوبًا، وهذا قول جماهير أهل العلم؛ لأن الزكاة تجب بالفطر من رمضان، وإلى الفطر نسبت الزكاة فسميت زكاة الفطر، وهي تعبر عن الفرحة سواء من المزكي الذي يُخرج زكاته بطاعته لربه، أو من المزكى عنه الذي يفرح بإخراج الزكاة عنه، أو من المزكى عليه الذي يفرح بوصول الزكاة إليه، فهو مشهد فرح وسعادة.

ومما نحيي به ليلة العيد "التكبير" الذي يبدأ من غروب شمس ليلة العيد إلى الشروع في الصلاة، والدليل عليه قول الله تعالى: "ولتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ " [البقرة: 185].

ومن المفيد أن يصلي المسلمون صلاة التسابيح في هذه الليلة، وقد حسن إسنادَها ابن حجر، وقال العلائي في "النقد الصحيح": "حسن صحيح"، وقال المباركفوري عن حديثها في تحة الأحوذي": "لا ينحط عن درجة الحسن"، وضعفه آخرون، وقال الألباني في: "مساجلة علمية: 23": " اختلف العلماء في حديثها اختلافا قديما، فمنهم من حكم بوضعه، ومنهم من قال بضعفه، ومنهم من صححه وهذا هو الذي نميل إليه لكثرة طرق الحديث".

اجتماع ليلة العيد وليلة الجمعة

وإذا اجتمعت ليلة عيد الفطر مع ليلة الجمعة – كما هو الحال في هذا العام 1444هـ - فتكون الفرحة فرحتين، فرحة بالفطر من رمضان، وفرحة بليلة الجمعة الذي هو العيد الأسبوعي للمسلمين، وتشرع في ليلة الجمعة: قراءة سورة الكهف، والإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أوس بن أبي أوس وقيل أوس بن أوس والد عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ مِن أفضَلِ أيامِكُم يومَ الجُمُعةِ، فأكْثِروا عليَّ من الصَّلاةِ فيه، فإنّ صلاتَكُم مَعروضةٌ عليَّ»، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرِمتَ؟، يقول: بَليتَ، قال: «إنّ اللهَ حرَّم على الأرضِ أجسادَ الأنبياءِ». [أخرجه أبو داود (١٠٤٧)، والنسائي (١٣٧٤)].

وهذه الليلة – ليلة عيد الفطر- هي مقدمة يوم الجائزة، ويالها من جائزة على الصيام والقيام والاعتكاف؛ فعن أوس بن ثابت الأنصاري والد سعيد – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا كان يومُ عيدِ الفطرِ وقفتِ الملائكةُ على أبوابِ الطُّرقِ فنادَوْا اغدُوا يا معشرَ المسلمين إلى ربٍّ كريمٍ يمُنُّ بالخيرِ ثمَّ يُثيبُ عليه الجزيلَ لقد أُمِرتم بقيامِ اللَّيلِ فقُمتم وأُمرتم بصيامِ النَّهارِ فصُمتم وأطعتم ربَّكم فاقبِضوا جوائزَكم فإذا صلَّوْا نادى منادٍ ألا إنّ ربَّكم قد غفر لكم فارجعوا راشدين إلى رحالِكم فهو يومُ الجائزةِ ويُسمّى ذلك اليومُ في السَّماءِ يومَ الجائزةِ". [أورده المنذري في الترغيب والترهيب ٢‏/١٥٨، وهو ضعيف].

****

إن إحياء ليلة العيد بالعبادة وبالفرح بما وفق الله إليه من الطاعات لهو ترجمة عملية لحسن العهد مع الله تعالى، وأننا لسنا رمضانيين وإنما ربانيون، فإن كان رمضان قد مضى فرب رمضان باق في رمضان وغير رمضان، كما أن في ليلة العيد تجديدَ العهد مع الله على استمرار التكافل الاجتماعي بين المسلمين بفريضة زكاة الفطر التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم إحياءً لهذا المعنى الاجتماعي والجماعي العظيم، وما أحسن ما قاله العلامة مصطفى السباعي رحمه الله تعالى في هذا المعنى: "العيد يعطينا درساً اجتماعيًّا عظيم النفع، ذلك أن الفرح العام أعمق أثراً في النفس من الفرح الخاص الذي لا يشارك فيه الآخرون؛ ففي العيد تدخل الفرحة كل قلب حتى المحزونين والمرضى، والمثقلين بالأعباء، وهي فرحة ليست نابغة من نفوسهم بل من مجتمعهم ومحيطهم، ففرحة المجتمع تطغى على آلام الفرد، ولكنَّ فرحة الأفراد لا تغطي آلام المجتمع، ولذلك كان العيد تنمية للشعور الاجتماعي في أفراد الأمة". [هكذا علمتني الحياة: 118. المكتب الإسلامي].

ـــــــــــــــــــــــــــ

* د. وصفي عاشور أبو زيد؛ عضو مجلس الأمناء ورئيس لجنة التزكية والتعليم الشرعي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





السابق
شاب أمريكي يشهر إسلامه في أحد مساجد الكويت وسط فرحة عارمة من رواد المسجد

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع