المجاهد الكبير الغازي عبد الكريم الخطابي
زيارة عرينه في منفاه بجزيرة "ري يونيون" شرق مدغشقر الذي قضى فيه عشرين عامًا
إعداد: أ.د. صالح مهدي السَّامرَّائي
في عام 1978 أرسل المرحوم الشيخ عبد العزيز بن باز بعوثًا إلى مختلف بلدان العالم لتفقد أحوال المسلمين والقيام بالدعوة إلى الله، وذلك خلال العطلة الصيفية التي صادفت كذلك شهر رمضان المبارك. ولقد اخترت وزميلي الدكتور نعمان السامرائي جنوب القارة الأفريقية.
زرنا أولاً جزيرة سيشل ،التي نفي إليها الزعيم المصري سعد زغلول رحمه الله ، وبعدها إلى جزيرة موريشس ،ثم جزيرة ري يونيون واتحاد جنوب أفريقيا قبل الاستقلال ثم روديسا الجنوبية (زمبابوي فيما بعد) وليسوتو وزامبيا ولقد منعنا من زيارة ملاوي الذي يحرم فيها المسيحي زيارة أي مسلم مهما كانت جنسيته ،وموزنبيق الخاضعة لسيطرة الشيوعيين.
"ري يونيون" جزيرة تقع بين مدغشقر وموريشس وتظهر وكأنها نقطة على الخريطة وهي جنة الله على الأرض ،تحتلها فرنسا ،بل بنظامها الإداري تعتبر محافظة فرنسية مثلها مثل "نيوكالدونيا" شرقي أستراليا ،التي زرتها عام 1983 لتفقد الجزائريين المنفيين منذ مائة وعشرين عام.
يعيش في هذه الجزيرة ما لا يقل عن عشرها من المسلمين من أصول هندية، وأكثرهم تجار يسيطرون على أسواق البلد، وأكثرهم من جماعة الدعوة والتبليغ. تواصلنا مع أحد الزعماء المسلمين هو "الشيخ إبراهيم قاضي" الذي استضافنا في منزله في هذه الزيارة والزيارات العديدة فيما بعدها حرصًا منه على أن يقدم لنا الطعام الحلال الذي لا يتوفر في الفنادق، فجزاه الله عنا خير الجزاء.
ومما علمناه من السيد إبراهيم قاضي أن المجاهد الكبير والغازي المغربي عبد الكريم الخطابي قضى مُبعدًا في هذه الجزيرة عشرين عامًا. وأنه أي إبراهيم كان يدرس أولاده وأولاد أخيه القرآن الكريم.
ومما قاله لي إن السلطات الفرنسية في الجزيرة منعت الغازي عبد الكريم من الخروج من منزله والاختلاط بالمسلمين ،إلا أنه حين توفيت والدته ودفنت في الجزيرة، خرج المسلمون بالآلاف مطالبين بأن يسمح للغازي التجول خارج منزله وفعلًا تم ذلك ، وكان الغازي يشعر بالأسى على طول المدة التي يقضيها في الجزيرة بعيدًا عن بلده وشعبه.
وفي عام 1947 قررت حكومة فرنسا ترحيل الغازي عبد الكريم من الجزيرة ونقله إلى فرنسا.
وإن الصورة المنشورة في أعلى هذه المقالة هي للغازي عبد الكريم وأخوه وأحد مساعديه ثم لأبنائه وأحفاده وقد أخذت قبيل ترحيله من الجزيرة.
تحركت الباخرة التي تنقل الغازي وعائلته مخترقه المحيط الهندي ، ودخلت البحر الأحمر ، وحينما وصلت إلى مدينة السويس ، تحرك زعماء مصر ورتبوا خطة محكمة لإخراجه وعائلته ، وأخذوهم إلى القاهرة ، وخلصوه من الأسر ،واستقر به المقام في مصر إلى أن وافاه الأجل ، لعل ذلك عام 1963 على ما أظن.
إن الغازي عبد الكريم الخطابي وكان يدعى كذلك بلقب الريفي ، لأنه من مناطق الريف في شمال المغرب ، وتزعم المقاومة ضد الاستعمارين الفرنسي والإسبانيولي الذين كانا يتقاسمان المغرب وأقام إمارة إسلامية تحكم بالشريعة ، والتف حوله المغاربة من جميع أنحاء البلاد ، وحارب فرنسا وأسبانيا بجيوشه الجرارة لمدة أكثر من خمس سنوات. وأخيرًا، الكثرة تغلب الشجاعة كما يقول المثل ،فوقع الغازي أسيرًا بيد الجيش الفرنسي ، ونفي إلى "ري يونيون" التي بقي فيها عشرين سنة.
كان يحدثنا علامة العراق المرحوم الشيخ أحمد الزهاوي، أنه كلما زار القاهرة اجتمع بالغازي عبد الكريم، ويقول: حينما كنت أسأله لماذا استسلمتم؟ هل من قلة ألسلاح؟ فكانت إجابته لا، كان عندنا سلاح كثير. فسألته من أين لكم السلام فيقول: من الكفار، كنا نغنم السلاح منهم. فتساءلت: لماذا خسرتم المعركة إذن؟ فكان يجيب: سأوضح ذلك يومًا ما.
يقول الشيخ أمجد الزهاوي ، إني من ترددي على القاهرة ، علمت أن كانت مراكز قوى مغربية مؤثرة خذلت الغازي وأثرت على جزء لا بأس به من المقاومين معه وتركوا الجهاد. وهكذا تهزم الأمة إذا دب الخلاف بين أبنائها.
المهم إني اعتبرت الصورة المنشورة في أول المقالة وثيقة تاريخية مهمة ، وفي حينه عملت نسخًا منها ، وفتشت عن أبناء وبنات الغازي في كل بلد من المغرب إلى مصر وغيرها ، وأرسلت لهم نسخًا منها. وها إني أنشر الصورة بوسائل الإعلام الحديثة من صفحات إلكترونية وفيس بوك وتويتر ، لكي نذكر العرب والمسلمين في كل مكان بهؤلاء الأبطال المجاهدين الذين هم امتداد للصحابة الكرام والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
في الصف الرابع الابتدائي وأنا في سامراء بالعراق قرأت في كتاب المطالعة – كتاب مدرسي يدرس في لبنان وسوريا والعراق – قرأت صفحات عن عبد الكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري وعمر المختار ، فنقشت صور حياتهم في قلبي ، إلى أن بلغت من العمر مبلغه ، رحمه الله عبد الكريم ورحم الله عبد القادر ورحم الله عمر المختار ورحم الله مجاهدي الأمة على مر العصور إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
وفي زياراتي المتعددة إلى "ري يونيون" كنت أزور المنزل الذي عاش به الغازي عشرين سنة. إنه الآن مقر الكشافة لأهل البلد ،وكنت عن طريق المترجم أسأل المستفيدين من المنزل ، هل تعرفون تاريخه فيجيبون: نعم.
فرصه لنا لو نعمل لزائري المنزل والمستفيدين منه نشرة تعريفية بالإسلام وبالغازي فنكسب الأجر.