البحث

التفاصيل

الفرق بين الفقير والمسكين وبين أولي القربى وذوي القربى وبين صدقة الإسلام وصدقة الإيمان

الرابط المختصر :

الفرق بين الفقير والمسكين وبين أولي القربى وذوي القربى وبين صدقة الإسلام وصدقة الإيمان

 

اختلف الفقهاء قديما حول الفرق بين الفقير والمسكين. وهم متفقين على أن المصطلحين مختلفين المعنى، للعطف ولعدم الترادف في المصحف.

المتقدمين

الشافعي والحنبلي قالوا: الفقير أكثر حاجة من المسكين. أدلتهم: الترتيب في الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ..} ولقوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}[1]  أي الذي عنده مكسب ولكنه لا يكفيه.

الحنفي والمالكي قالوا: المسكين أكثر حاجة من الفقير. وأدلتهم: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[2]  أي المعدوم الذي ليس له الا التراب. فتقديم الفقراء على المساكين هو لكثرة عددهم عن باقي مستحق الزكاة.

وقيل في هذا المجال أقوال كثيرة ومناقشات حادة، وألفت كتبٌ حول الفرق بين الفقير والمسكين قديما وحديثا. ومن كتب المعاصرين كتاب (أحكام الفقير والمسكين، للدكتور محمد بن عمر بن سالم بازمول – جامعة ام القرى-) لا فائدة في ذكرها وتطويلها في هذا المقام.  

وبعض المعاصرين قالوا:

الفقير: وهو مفرد (فقراء) هو المحتاج الى المال. سواء كان معدوما أو تنقصه حاجة. ومنه فقار الظهر، كأنه مكسور فقار الظهر من حاجته وذلته. {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} [3] اي يخوفكم الحاجة والعوز والفاقة.

لفظة: "فقير، وفقراء" جاءت في 12 مواضع، وهي: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء}[4]، {ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف}[5] من مال اليتيم، {إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما}[6] في الشهادة، {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}[7] من لحم الهدي، {فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير}[8]، {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء}[9]، {للفقراء الذين احصروا في سبيل الله}[10] {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}[11]، {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}[12]، {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله}[13]، أي محتاجون اليه {والله الغني وأنتم الفقراء}[14]، {للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم}[15]،

ذكر في الآيات السابقة أوصاف الفقير في مستوى الحاجة بكل مراتبه.  وقال ابن تيمية رحمه الله ولفظ الفقر في الشرع يراد به الفقر من المال، ليس بمعنى حاجة الإنسان الى الغير، لأن كل الناس محتاج الى الآخر.

وضد الفقير: هو الغني أو الموسر

ما الفرق بين الموسر والغني:

فالموسر: بلا خلاف هو الذي يفضل ماله عن قوته وقوت عياله على السعة. وضده المعسر.

والغني: هو الذي لا يحتاج إلى أحد وإن كان لا يفضل عنه شيء، لأنه في غنى عن غيره، وكل موسر غني، وليس كل غني موسراً.

 والمسكين: وهو مفرد (مساكين) المسكين هو صيغة مبالغة من فعل سكن، وهو من السكون،[16] أي الذي اسكن من العمل، أو الذي أسكنته الحاجة، يدل على خلاف الاضطراب والحركة، يقال: سكن الشيء يسكن سكوناً فهو ساكن. وهو يحتمل أن يكون من المسكنة أو من الحاجة مع وجود المال.  كالأعمى والأطرش والمشلول والكساح والمحبوس وما شابه ذلك من المعوقين الذين لا يستطيعون العمل بأنفسهم لفقدان القوة. فهم يحتاجون اعانة الناس. تصرف لهم الصدقات وتحل لهم المشكلة. ويدخل فيه العجوزين والأرامل والأيتام والله أعلم. 

المساكين هم فيئة خاصة من الناس لم يخل منها أي مجتمع، وهم ذوي الإعاقات. أصحاب الاحتياجات الخاصة، ميّز عن الفقراء في المصحف. اي ليس كل فقير مسكين وليس كل مسكين فقير. {وضربت عليهم الذلة والمسكنة}[17]،  والمسكنة: هي الحاجة والخضوع وضع عليهم الصغار، والهوان، وهم مع ذلك في أنفسهم مستكينون لا يستطيعون التحرك. قال ابن حزم: فإن الحاجة توجب السكون والتواضع. وقول دكتور بازمول: "والمسكين لوحظ فيه وصف السكون وقلة الحركة والمسكنة والذلة"[18]  ولا يسأل عن الديانة المعوقين وهو عمل انساني بحت.

 لم سمي أصحاب السفينة في قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}[19]  مساكين ولهم سفينة؟ لأن المسكين قد يكون له مال ولكن اسكنت حركاته ويحتاج الى إعانة، هنا العبد الصالح أعانهم. يمكن الملك أسكنهم من العمل ومنع السفن وكان يأخذ السفن غصبا. ويحتمل أن تكون السفينة مستأجرة لهم، كما يقال: هذا دار فلان، إذا كان ساكنها، وإن كانت لغيره. فأضيفت إليهم كقوله تعالى في وصف أهل النار: {ولهم مقامع من حديد}[20]

وصفهم الله بالمساكين مع ملكهم للسفينة لوجود وصف من أوصاف المسكنة عليهم. والله أعلم.

ملاحظة: ذكرت الكفارات في القرآن للمساكين دون الفقراء فيما يلي:


1. في الصوم، {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}[21]،

2. في الظهار، {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا}[22]،

3. في قسمة المواريث، {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين}[23]،  

4. في النفقات وترتيبها، {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين}[24]،

5. في كفارة اليمين، {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين..}[25]

6. في الغنيمة، {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}[26]  

ولكن لاختلاط الفهم بين الفقير والمسكين في الفقه التراثي لم تدفع الكفارات الى المساكين حصراً، -في العالم الإسلامي- لأنهم لم يفرّقوا بين الفقير والمسكين مع ان الله فرق بينهما. ولا يقال في شيئين فرّق الله بينهما إنهما شيء واحد.

ما الفرق بين صدقة الإيمان وصدقة الإسلام:

صدقة الإيمان: وهي الزكاة التي تؤدي كفريضة للمؤمنين، وهي من شعائر الإسلام، وهي من التكاليف الإيمانية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وهي من أركان الإيمان. تؤدي لثمانية أصناف من المؤمنين. ولا تصرف على غير المؤمنين. وهي:

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[27] 

صدقة الإسلام: هي صدقة إنسانية بحتة تدفع لستة أقسام من المستحقين، ثلاثة منهم مشترك مع صدقة الإيمان، هي: المساكين وابن السبيل وفي الرقاب. وثلاثة غير مشتركة، وهي: ذوي القربى واليتامى والسائلين. وهي:

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [28]  

نفهم من هذه الآية أنه كي يحصل الإنسان على البر يجب أن يؤمن بالله واليوم الآخر، وأن يؤتي المال على حبه.

ثم يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، أي أن البنود الستة أولا، ثم تأتي الزكاة، وإذا قطعنا هؤلاء من مستحقي الزكاة المذكورين في الآية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[29]  ومن آيات تفصيل المحكم، نجد أن هناك بنودا في (البقرة 177) غير مذكورة في (التوبة 60)، وبالتالي نفهم أن آية البقرة تتحدث عن صدقة الإسلام (الإيمان بالله واليوم الآخر) وهي عملية إنسانية، تمنح لذوي القربى، وتمنح أيضا لليتامى والمسكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب دون النظر إلى دينهم أو عرقهم أو مكانهم، بينما الآية في سورة التوبة تتحدث عن الزكاة، فهي محلية خاصة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم (اركان الإيمان)، أي البنود الستة أعم وأشمل وذات بعد إنساني.

والآيتان من المحكم، وبالتالي التعارف فيهما خاضعة للاجتهاد الإنساني، وتختلف وفق الزمان والمكان، ولسنا ملزمين بتعاريف السلف، فتعريف الفقير اليوم يختلف عنه منذ قرون. والفقير في مصر وتركية يختلف عنه في المانيا، ونعرف المسكين اليوم بأنه ذو الحاجات الخاصة، وليس الفقير.

والسائلون أهم بند من بنود الستة، وهو غير موجود في زكاة الإيمان، فهو ذو بعد إنساني، والسائلون هم من يطلب العون والمساعدة، سواء من متضرري الكوارث أو غيرهم، وينطبق اليوم على حالة إغاثة الزلازل والحريق والآفات والكوارث الطبيعية والفارين من الحروب واللاجئين، إذا سألوا الإعانة وطلبوا الإغاثة لا يسأل عن دينهم ولا عن جنسيتهم. وهناك ذات بعد إنساني مئة بالمئة كأولي القربى وذوي القربى!!

ما لفرق بين اولي القربى وذوي القربى؟

أولى القربى: هم أقرباء النسب والدم، اصحاب القرابة الذين تجمعك بهم رحم مثل والداك واخوتك واولادك وعمومتك وخؤولتك.

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}[30]

{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[31]

واما ذوي القربى: هم القريبين من حياتك من أحباب وزملاء، قد يكون جار أو صديق عزيز أو عامل لديك، فهم من لهم صلة قرابة وصداقة في الحياة، سواء اصيلة من رحم واحدة او غير اصيلة.

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[32]

وفي الرقاب:

الرقبة لغة هي العنقوإسطلاحا اريد به العبيد في ذلك الوقت. الذين ذلت رقبتهم. كانت تصرف إليهم لتحريرهم من العبودية، {فَكُّ رَقَبَةٍ}[33] ذُكِرَ الجزءُ وإرادة الكلكما تطلق العين على الجاسوس

ومن هذا المنطلق كل من تذلل يستحق الزكاةكالمسجون والمختطف والمظلوم والمعسر والمفلس وتحرير النساء من تجارات الفواحش...


د. عبد الرحمن شط

 

 

[1] كهف 79

[2] البلد 16

[3] البقرة 268

[4] آل عمران 181

[5] النساء 6

[6] النساء 135

[7] الحج 28

[8] القصص 24

[9] البقرة 271

[10] البقرة 273

[11] التوبة 60

[12] النور 32

[13] فاطر 15

[14] محمد 38

[15] الحشر 8

[16] ويسمى قليل الحيلة، لأن حاله شاهد عليه لا تخدع به، ولا يسئل عن المعوق غنيا كان أو فقيرا، فصل في المصحف عن الفقير.

[17] البقرة 61

[18] في كتابه أحكام الفقير والمسكين ص 16

[19] كهف 79

[20] الحج 21

[21] البقرة 184

[22] المجادلة 4

[23] النساء 8

[24] البقرة 215

[25] المائدة 89

[26] أنفال 41

[27] التوبة 60

[28] البقرة 177

[29] التوبة 60

[30] البقرة 180

[31] النساء 8

[32] النساء 36

[33] البلد 13





التالي
العوامل السياسية في تشكيل المذهب الحنفي وتكوينه في القرن الثاني الهجري (دراسة تحليلية)
السابق
ألمانيا: 35% من المهاجرين واجهوا تمييزاً عنصرياً في عام 2022.

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع