أحكام صوم ست من شوال.. متى وكيف؟
لماذا كره أبو حنيفة ومالك صيامها؟
بقلم: عصام تليمة
يحرص كثيرون بعد انتهاء شهر رمضان، على أن يتبعوه بصوم النوافل التي رغبت إليها السنة النبوية، ومن ذلك صوم ستة أيام من شهر شوال، وتكثر الأسئلة حول هذه الأيام وصومها، هل هي مشروعة أم لا؟ ولماذا كره إمامان كبيران كأبي حنيفة ومالك صومها؟ وهل الأفضل البدء بقضاء رمضان، أم صوم ست من شوال؟ وهل يجوز صوم هذه الأيام بنية القضاء أيضا أم لا؟
تسمية خاطئة
يخطئ بعض الناس فيسمون الست من شوال: الأيام البيض، وهي معلومة شائعة بين الناس، فتراهم بعد انتهاء رمضان يسألونك: هل ستصوم الأيام الستة البيض من شوال؟ والسنة النبوية والفقهاء أطلقوا على هذه الأيام ستًّا من شوال فقط، أما الأيام البيض، فهي أيام أخرى، وهي أيام: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر الهجري.
حكم صوم ست من شوال
اختلف الفقهاء في صوم ستة أيام من شوال، فالجمهور على استحباب وسنية صومها، وذلك هو الراجح، لورود أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل ذلك، والحث عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوال؛ كان كصيام الدهر”. وقال: “من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة، {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}”. وفي رواية أخرى: “جعل الله الحسنة بعشر أمثالها، فشهر بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعد الفطر تمام السنة”. وفي رواية ثالثة قال صلى الله عليه وسلم: “صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة”.
فالهدف الواضح من صيام ست من شوال، هو كشأن بقية النوافل والمستحبات والسنن، أن يجبر ويعوض ما حدث من تقصير نحو الفروض، ويزيد حسنات وأجر الصائم، فالأحاديث التي وردت هنا بينت أن الحسنة بعشرة أمثالها، ورمضان وست من شوال (36 يوما) في عشرة، معناه: مجموع أيام السنة كاملة، وكأن المسلم صام العام كله، وله أجره حسنات، ودرجات من الله تبارك وتعالى.
لماذا كره أبو حنيفة ومالك صيامها؟
ورغم ما ورد من نصوص في السنة النبوية من استحباب صوم ست من شوال، فإنه ورد عن الإمامين أبي حنيفة ومالك أنهما كرها صومها، رغم أن مذهب الأحناف والمالكية استحباب صومها، وعلل العلماء موقف الإمامين بأنه جاء مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس منه، أو لأن الحديث لم يبلغهما، أو لم يصح عندهما.
وقد ذكرنا موقف أبي حنيفة ومالك في المسألة، رغم ورود النص بالاستحباب، وذلك للفت نظر بعض الجهلة الذين لا يتعمقون في فقه المذاهب، ولا يعرفون من أين أتى الفقيه برأيه، ويظن أن مجرد ورود دليل أو نص في الموضوع سيحسم الأمر، ويلغي ما قامت به المدارس الفقهية من جهد، فقد يرد نص في الموضوع، ويكون صحيحا عند إمام، ولا يصح عند إمام آخر.
أو قد يصح الحديث، ويكون الفعل مستحبا، ولكن الفقيه يخشى أن يزيد من الاهتمام بالمستحب، فيظن الناس أنه مفروض، فهي حسابات وموازنات علمية، تدور بين صحة النص، ثم دلالة ما ورد فيه، ثم الآثار المترتبة على تنفيذه، وكيف يحافظ على درجته التشريعية، فلا يعلو أكثر من درجته، وهنا يأتي الخلط في درجات النصوص والأوامر والنواهي التشريعية. كما أنه قد يرد في المسألة نص، ولا يمكن لإمام أو فقيه أن يتجاهل نصا ورد من الشرع، لكنه يتأوله، سواء من جهة دلالة هذا النص، أو ما يحمله من تشريع.
البدء بقضاء رمضان أم صيام ست من شوال؟
إذا كان صيام ست من شوال سنة، فمن كان عليه أيام من شهر رمضان، هل يبدأ بقضاء رمضان، أم بصيام الأيام الستة؟ من الفقهاء من يرى أنه لا بد أن يبدأ بقضاء ما عليه، لأنه يقضي فرضا، والفرض يقدم على السنة، ولكن الإنسان قد يبدأ بقضاء ما عليه، فينتهي شهر شوال من دون أن يصوم ستة أيام منه.
وما نراه: أن الإنسان يستطيع أن يبدأ بصيام الست من شوال، لأنها أيام معلومة ومعدودة، ما دام على نية قضاء ما عليه من رمضان، وكثير من الفقهاء يرى أن قضاء رمضان على التراخي، أي ليس شرطا أن يؤديه في شهر معين، بل ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت تظل إلى شهر شعبان من دون قضاء ما عليها، وتقضيه في شعبان، نظرا لانشغالها طوال الأشهر الماضية.
هل يجوز صيام ست من شوال بنية قضاء رمضان؟
وهذا سؤال متكرر أيضا، ليس فيما يتعلق بصيام ست من شوال فقط، بل بكل النوافل والسنن، مثل صوم يوم عرفة، وصوم الأيام البيض من كل شهر، وصوم عاشوراء، والاثنين والخميس. فهل يمكن لصائم هذه الأيام، أن يصومها بنية النافلة وقضاء ما عليه من شهر رمضان؟
من الفقهاء من أجاز الجمع بين نية القضاء وصوم الفرض والتطوع أو النوافل، وهم المالكية والشافعية، فقال الإمام الرملي: “ولو صام في شوال قضاءً، أو نذرا أو غيرهما، أو في نحو يوم عاشوراء حصل له ثواب تطوعها كما أفتى به الوالد -رحمه الله تعالى- تبعا للبارزي والأصفوني والناشري والفقيه علي بن صالح الحضرمي وغيرهم، لكن لا يحصل له الثواب الكامل المرتب على المطلوب، لا سيما من فاته رمضان، وصام عنه شوالا، لأنه لم يصدق عليه المعنى المتقدم”.
وسئل شهاب الدين الرملي الشافعي عن شخص عليه صوم من رمضان، وقضاه في شوال، هل يحصل له قضاء رمضان وثواب ستة أيام من شوال، وهل في ذلك نقل؟ فأجاب بأنه “يحصل بصومه قضاء رمضان وإن نوى به غيره، ويحصل له ثواب ست من شوال، وقد ذكر المسألة جماعة من المتأخرين”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عصام تليمة؛ عضو الاتحاد العالعي لعلماء المسلمين.
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين