البحث

التفاصيل

التعامل بأسهم الشركات، تداولـها (6) سلسلة التفـقّه في البيوع؛

التعامل بأسهم الشركات، تداولـها (6) سلسلة التفـقّه في البيوع؛

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضوالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

لقد أباح الله لنا الشرع الحكيم الوسائل والمكاسب المشروعة، وحرم علينا الطرق المحرمة لكسب المال مثل الربا، والقمار والميسر، وأكل أموال اليتامى، وأخذ الرشوة، وكل أشكال أكل أموال الناس بالباطل. ومن أوجه كسب المال التي انتشرت في هذا الزمان؛ المضاربات والمشاركات، وصار للناس في كثير منها أسهم، هذا السهم الذي هو جزء محدد من إجماليِّ رأس الشركة، حيث تمثل الأسهم مجموع رأس مال الشركة.

أولا: مفهوم أسهم الشركات، وخصائصها.

السهم هو الحصة التي يقدمها الشريك في شركات المساهمة، وهو يمثل جزءا معينا من رأس مال الشركة، ويتمثل في صك يعطى للمساهم ويكون وسيلة إثبات حقوقه في الشركة. والسهم يمنح مالكه مجموعة من الحقوق الأساسية، أهمها:

حق الحصول على نصيبه من أرباح الشركة، وكذلك الموجودات عند التصفية .

الحق في البقاء في الشركة, فلا يجوز طرده ولا نزع ملكية أسهمه دون إرتكابه ما يستوجب ذلك قانونا.

حق الأولوية في الاكتتاب في الأسهم الجديدة.

الحق في التصرف في أسهمه بالبيع أو الهبة أو غيرها.

حق مراقبة أعمال الشركة؛ كحساب الأرباح ومراجعة الميزانية، وغيرها.

الحق في مقاضاة أعضاء مجلس إدارة الشركة, بسبب التقصير في مهامهم.

حق التصويت في الجمعية العمومية للشركة.

وتعتبر الأسهم أداة تمويل أساسية لتكوين رأس المال في الشركات المساهمة، إذ تطرح للاكتتاب العام ضمن مهلة محددة وضوايط معينة يعلن عنها.

وتتميز الأسهم بعدد من الخصائص نذكر منها:

– لتساوي في الحقوق التي يمنحها السهم: و هي الحق في التصويت و ناتج التصفية, وسائر الالتزامات الأخرى الناشئة عن ملكية السهم.

– التساوي في القيمة الاسمية للأسهم: و الحكمة من ذلك تسهيل تحديد الأغلبية في الجمعية العمومية و تسهيل عملية توزيع الأرباح و الخسائر على المساهمين.

– مسؤولية الشركاء تكون بحسب قيمة السهم: فلا يُسأل حامل السهم عن ديون الشركة الا بمقدار الأسهم التي يملكها.

– قابلية الأسهم للتداول: إذ يجوز للمساهم أن ينقل ملكية أسهمه لشخص أخر يحل محله في الشركة. و يتم نقل الملكية بالتسليم اذا كان السهم لحامله و بالقيد في سجل الشركة اذا كان السهم إسميا.

– عدم قابلية السهم للتجزئة: فإذا تملكه أشخاص متعددون سواء عن طريق الشراء أو الارث, وجب عليهم أن يختاروا أحدهم ليكون وكيلا عنهم في استعمال الحقوق المختصة بالسهم في مواجهة الشركة.

ثانيا: ما حكم التعامل بأسهم الشركات، وما حكم تداولـها؟

 ذهب أغلب العلماء المعاصرين الى إباحة الأسهم لأن الأصل في المعاملات الإباحة، كما أنها لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية و تتوافر فيها الشروط الشرعية المطلوبة في الشركات.

بالتالي فالتعامل بالأسهم جائز، ولكن بالشروط الأتية:

أن تكون الأسهم صادرة عن شركات ذات أغراض مشروعة كشركات الأدوية أو تقديم الخدمات كالكهرباء.

أن تكون الأسهم صادرة عن شركة معروفة و معلومة للناس بحيث تتضح سلامة تعاملها و نزاهته.

خلو تعامل الشركة من أي محظور شرعي كالربا و الغرر أو الغش والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل.

وخلاصة الجواب:

– إذا كان أصل عمل الشركة مباحاً، فإن المساهمة في هذه الشركة مباحة؛ لأن المساهم شريك.

– وإذا كان أصل عمل الشركة ومجال عملها محرم، فإن المشاركة فيها بسهم أو أسهم محرم شرعا.

ولا يجوز أيضا أن يكون هناك في الشركات أسهم متمزة عن غيرها، بمعنى أن يكون السهم لا يخسر مثلاً، فلو قالوا: هذا سهم ممتاز غير معرض للخسارة، فإن هذا السهم حرام، الأسهم كلها متساوية في توزيع المخاطر، وكذلك فإن هذه الشركات إذا وضعت أموالها في المصارف الربوية، وقد يقول قائل: ولا بد أن تضع، فأين يكدسون هذه الأموال؟ فيأتي السؤال: هل يأخذون عليها رباً أم لا؟ فقد يكونون من المتورعين، يرفضون أخذ الربا، لا يطالبون به أصلاً، ولو أن البنك أضافه إلى حساب الشركة لتخلصوا منه، وقالوا للمساهمين: إننا نتخلص من الربا، فهذا التخلص واجب لا بد منه لكي تستقيم الشركة على شرع الله،

ولو أنهم أدخلوه في أرباحك -يا أيها المساهم-، وقالوا: نحن شركة أصل العمل مباح، لكننا نضع أرباحنا وسيولتنا وأموال مساهمينا، نضعها في حسابات ربوية، نأخذ عليها ما يسمى بالفوائد، فإن هذه العوائد الربوية سيدخلونها في أرباح الشركة، ويعتبرونها مورداً للشركة، أفسدوا في أموال الشركة بإدخال الربا فيها، فيتنزه المسلم عن المشاركة،

ولكن لو كانت عنده أسهم وعلم، فماذا يعمل؟ لقد علم بأن جزءا من أرباح السهم عوائد ربوية، ويظهر ذلك من ميزانيات الشركات، فتارة يسمونها عوائد الإيداعات البنكية، ونحو ذلك من الأسماء، فيجب عليه أن يتخلص منها، فإن قالوا: لقد ربح السهم عشرة، ثلاثة من العشرة هي من ربا هذه المصارف، الإيداعات، العوائد على الإيداعات، فيجب أن يتخلص من الثلاثة، ويأخذ السبعة.

 ويجوز عرض الأسهم للبيع بأقل أو أكثر من قيمتها الإسمية، لأنها كالسلع وعروض التجارة تختلف بحسب العرض والطلب.

 

ثالثا: أمثلة تطبيقية.

1- المساهمون درجات؛ فبعضهم من أصحاب مجالس الإدارة، وبعضهم أعضاء في الجمعية العمومية التي تنتخب أعضاء مجلس الإدارة، وهكذا فلا شك أن بعضهم مسؤول عند الله عن الحرام الذي يجري في الشركة أكثر من بعض، لكن حامل السهم الواحد، وحامل ألف سهم كلهم مشاركون في الشركة، وما يدور فيها، فإذا علمت بأنهم جعلوا يقترضون القروض الكبيرة بالربا ليشغلوا مصانعهم وشركاتهم، ويدفعوا رواتب موظفيهم لكي ينتجوا لهم، فقد تحولنا من قضية مباحة إلى قضية محرمة، اختلط الحرام بالحلال، هذا الاختلاط الذي أفسد المعاملة.

2- الشركات على نوعين:

شركات ومؤسسات أصل عملها، ومجالها مباح، فتجوز المشاركة فيها، وشراء الأسهم، وبيع الأسهم، تداول الأسهم، أخذ الأرباح من الأسهم.

شركات ومؤسسات أصل عملها محرم، لا تجوز المشاركة فيها إطلاقاً، لا شراءً، ولا بيعاً، ولا اتخاذ الأسهم لأخذ الأرباح، ثم إن هذه الشركات المباحة في الأصل، يجب -حتى تستمر الإباحة في المشاركة فيها- أن لا ترتكب في طريقة عملها أعمالاً محرمة، فلو أن شركة تعمل بالزراعة مثلاً نقص المال عندهم، أو أرادوا التوسع، مصنع فيه خطوط إنتاج أرادوا أن يفتحوا خطوط إنتاج جديدة، فشرعوا يقترضون بالربا، فبدلاً من أن يستمروا على الحلال الذي أحله الله، بالطريقة الشرعية يزرعون، ويصنعون، ويبيعون، ويكسبون أرادوا التوسع، مثلاً، أو أصابتهم أزمة سيولة، فقالوا: لن نغلق أجزاء من المصنع، وإنما سنقترض بالربا لتمويل مشاريعنا، وسنتوسع بالربا، وسنحل أزمة الرواتب بالربا، فشرعوا يقترضون بالربا، فلا يجوز حينئذ المشاركة فيها؛ لأنهم أفسدوها بإدخال الربا في أعمالهم، وكل مساهم يعتبر شريكا، ومسؤولا عن كل ما يحصل في هذه الشركة؛ لأن الشريك ليس شريكا في مجال معين، وإنما شراكة المساهم في كل الشركة، الذي يشتري سهماً من شركة تصنيع مثلاً ليس فقط مشاركاً في خط صناعة معين، أو مصنع في مدينة معينة، وإنما مشارك في كل مصانع الشركة، وفي كل خطوط إنتاج الشركة؛ لأن السهم جزء مشاع من كل الشركة.

3- سئل علماء معاصرون عن حكم شراء أسهم المصارف الربوية وبيعها، فقالوا: لا يجوز بيع أسهم البنوك الربوية ولا شراؤها، لكونها بيع نقود بنقود، بغير اشتراط التساوي والتقابض، ولأنها مؤسسات ربوية لا يجوز التعاون معها ببيع ولا شراءً.

 كما بينوا أن هناك قضيتان في أسهم المؤسسات المالية الربوية:

أولا: إن المساهمة فيها بشراء الأسهم هي مشاركة في عملياتها ومن عملياتها الأساسية الربا، ودخول في هذه العملية المحرمة، وإعانة على الإثم وعلى أكل المال بطريق غير مشروعة.

ثانياً: إن هذه المؤسسات المالية، ماذا يقابل السهم فيها؟ هل يقابل السهم فيها أرضاً مزروعة، آلات، ورش، مباني، معدات، سيارات؟ الجواب؛ لا، إن الذي يقابل السهم في المؤسسات المالية الربوية أموال، سيولة، فما حكم أن تبيع هذا السهم بغير اشتراط التساوي؟

هنا تنشأ مشكلة أخرى، وهي أنهم يبيعون ما يقابل السهم، وهو مال سيولة بمال آخر قيمة السهم الذي سيأخذونه بدون اشتراط التساوي والتقابض، وعند ذلك يكون هذا سبباً آخر للتحريم.

والله تعالى أعلى وأعلم. والحمد لله رب العالمين.





التالي
التعاون والتناصر والتراحم
السابق
وقفة احتجاجية أمام البرلمان المغربي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة الأعمال الإرهابية للاحتلال الصهيوني

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع