فقه المرحلة.. المعنى وفائدة العلم به
بقلم: نور الدين بن مختار الخادمي
فقه المرحلة عبارة مركبة من كلمة فقه وكلمة المرحلة. وهذا التركيب هو تركيب إضافي، بمعنى أن الفقه أضيف إلى المرحلة من جهة كونه يبين أحكامها وسائر ما يتعلق بها من النصوص والقواعد والمقاصد الشرعية والفتاوى الفقهية والحلول الإسلامية.
والفقه -كما هو معلوم- العلم بأحكام الإسلام في قضايا الحياة وشؤون الإنسان. وقد عرفه العلماء بأنه العلم بالواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح والحلال. كما عرفوه بأنه "العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية". (الموسوعة الفقهية الكويتية، 32/193)
أما المرحلة فهي الفترة الحالية التي نعيشها في بلادنا بالخصوص، وما تحتوي عليه من المكونات والخصائص والتحديات والإمكانيات والتقلبات والنزاعات، وما يمكن أن تؤول إليه من النتائج والإنجازات في السياسة والإدارة والتنمية والمجتمع والتربية والأمن، وما يمكن أن تكون عليه هذه النتائج من الإيجابية والتميز أو من السلبية والتراجع. وكل هذا مرتبط بمدى قدرة المعنيين بهذا كله على إحكام الأداء وحسن تسيير المرحلة والتفطن لما قد يعرقل الإنجاز ويعطل المسار، لا سمح الله تعالى.
ومن أبرز خصائص هذه المرحلة أنها مرحلة انتقالية واستثنائية وصعبة وحرجة ومعقدة، وأنها تشهد حالات من الانفلات والفوضى في الوضع العام وسير المجتمع، كما تعيش أجواء كبرى من الحرية والتعددية والتنوع في التشكيلات والمواقع والمواقف المختلفة.
وعليه، فإن فقه المرحلة هو العلم بأحكام هذه المرحلة بكل ما تحتوي عليه من المكونات والخصائص والتحديات والإمكانيات، ومن ضروب العلم بتلك الأحكام: العلم بالنصوص والقواعد والمقاصد الشرعية والمواقف الإسلامية والفتاوى الفقهية والمقاربات الاجتهادية التي تتعلق بالمرحلة، بطريق مباشر أو غير مباشر.
"مرحلتنا الحالية معدودة من مجموع مراحل الزمان والحياة، ولذلك تتعلق بها أحكامها الشرعية وموجهاتها الإسلامية بناء على حسن الاستدلال والاجتهاد وجودة الفهم والنظر وإمكانية التنزيل والتفعيل"
فائدة العلم بفقه المرحلة
للعلم بفقه المرحلة فوائد نظرية وعملية واجتماعية وإنسانية وتربوية ودعوية وإعلامية، ومن هذه الفوائد:
* تأطير المرحلة تأطيرا شرعيا إسلاميا، بما يضمن حسن سيرها وانتظام أمرها على وفق توجيه الإسلام وآدابه، فمن علم أن من أحكام المرحلة حكم تحريم التفريق بين الناس وتخريب المؤسسات وإشاعة الكذب والزور، فإنه يسعى بمقتضى تدينه وتفقهه إلى الالتزام بترك تلك المحرمات والتحذير منها والعمل على منعها ومنع أسبابها وأصحابها. وسيكون هذا التأطير الشرعي الإسلامي إطارا مرجعيا مهما في توجيه الناس نحو فعل الأصلح في مسار الثورة وتحقيق أهدافها، وقوة هذا التأطير أنه إلزام ديني وإيماني ورسالي يحمل صاحبه على الفعل وإدامته وإتقانه، ويجعله في تيقظ دائم وحرص شديد على ذلك.
* إبراز صلاحية الإسلام وجدارة نصوصه وأصوله بأن تنهض إطارا موجها للمجتمع ومؤطرا للمرحلة، وتأكيد أنه لا يخلو عصر من العصور إلا وللإسلام فيه كلمته وتوجيهه، وأن الخير لا يغيب عن أمة الوسط، أمة الشهادة على الناس بالمعروف والعدل والأمانة والكفاءة. ومرحلتنا الحالية معدودة من مجموع مراحل الزمان والحياة، ولذلك تتعلق بها أحكامها الشرعية وموجهاتها الإسلامية بناء على حسن الاستدلال والاجتهاد وجودة الفهم والنظر وإمكانية التنزيل والتفعيل.
* تحقيق أقدار عالية من الاتفاق والتوافق بين العاملين في المشهد الإسلامي انطلاقا من مرجعية الكتاب والسنة وأرضية المستقر العلمي الشرعي مقاصد وقواعد وثوابت، فإن الاعتداد بذلك كله يمثل إطارا جامعا لهؤلاء العاملين أو إطارا يقرب بينهم ولا يباعد، ويقلل من آثار الاختلاف والنزاع.
* تحصيل أقدار من فضل التفقه في الدين وتفسير النصوص ومدارسة الأحكام وإعمال القواعد وفهم الواقع ومراعاة ما يلزم ذلك كله من الشروط والضوابط والمستلزمات. فلهذا فضله وبركته وأجره وأثره، وهو معدود من الأعمال الصالحة والصدقات الجارية والقربات المتعدية والآثار الباقية. ولذلك فإن إشغال الأنفس بهذا التفقه بميزانه وتوازنه يعد عملا من أعمال الثورة وحركة مهمة من حركاتها، فضلا عن كونه تعبدا وامتثالا، إذا أقيم على حسن نيته وصحة أدائه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نور الدين بن مختار الخادمي؛ وزير تونسي سابق، أستاذ ورئيس وحدة البحوث بكلية الشريعة جامعة قطر، عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.