فريق محمد صلاح فخر العرب
بقلم: د. محمد الصغير
لم يجد الشارع العربي وسيلة لمعرفة حقيقة ما جرى على الحدود المصرية مع الأرض المحتلة إلا بمتابعة الإعلام العبري، الذي كان حريصًا على عدم إظهار الصورة الكاملة، إلا في ضوء ما يخدم قضيته، أما الإعلام المصري فقدّم رواية لا تقوم على ساقين، حيث صوّر الحدث بأنه عملية مطاردة لمهرّبي مخدرات، لكنها أسفرت عن قتلى في صفوف الإسرائيليين ووفاة “مجند مصري”!
وظهر الحرص الواضح في نسبة الحادث إلى مجهول، واستطاعت الأجهزة المصرية فرض سيطرتها يومًا كاملًا لمنع تداول اسم مُنفذ العملية أو ظهور صورته، وفي هذه الأثناء أصبح الوصف المُجهَّل “جندي مصري” هو الأعلى في قائمة التداول على وسائل التواصل، ولجأ رواد المواقع إلى ملء هذا الفراغ باستدعاء اسم الشهيد سليمان خاطر، وأصبح الكلام عن سليمان جديد، وكأن الأقدار تعيد إليه شيئًا من الاعتبار، وتلفت إليه الأنظار، حيث قتل الشهيد سليمان خاطر سبعة إسرائيليين عام 1985 عندما اقتحموا الحدود المصرية، مما استدعى تعامله معهم، ونظرًا للحرج الذي وقع فيه النظام المصري حينئذ، بين جندي أدى واجبه ومهام عمله، وحليف لا يقبل المساس بالمنتسبين إليه، أعلن أن الجندي رابط الجأش، المدافع عن أرضه بنفسه، الذي يعد رسالة الدكتوراه أثناء تأدية الخدمة العسكرية، انتحر في محبسه، وهي الرواية الكسيحة التي أعاد تدويرها الإعلام المصري في الحديث عن سليمان الجديد، الشهيد محمد صلاح مُنفذ عملية العوجة، حيث قتل مجندًا ومجندة من جيش الاحتلال، ثم دخل إلى الأرض المحتلة وانتظر نحو أربع ساعات، ليشتبك مع أول فرقة استطلاع جاءت لتفقّد الأمر، وبالفعل قتل منهم جنديًّا وأصاب آخرين، قبل أن يرتقي شهيدًا حميدًا، وأعلن جيش الاحتلال أنهم وجدوا بحوزته عدة خزائن رصاص، بما يؤكد أن الشاب المصري أخذ للأمر عدته، وأنه سعى لهدف وأدركه، بما ينسف الرواية المصرية بالكلية، فلو كانت المواجهة مع تجار المخدرات، فلماذا تمّت على مرحلتين، بينهما بضع ساعات، وفي أرضين مختلفتين؟ وهل استطاع المهربون قتل الجندي المصري، وعساكر الاحتلال، ولاذوا بالفرار دون أثر؟ ولو سلّمنا جدلًا بما لا يُعقل، فعلى هذه الرواية فإن الشهيد البطل محمد صلاح مات أثناء تأدية الواجب، ولم يتعرض للمحتلين من قريب أو بعيد، فلماذا التكتم على اسمه، وحجب صورته، ثم دفنه سرًّا والتحقيق مع أهله وأصدقائه؟
محمد صلاح البالغ من العمر 22 عامًا، وُلد في منطقة عين شمس بالقاهرة، ويعمل في ورش الحرف اليدوية لمساعدة أسرته، التي فقدت العائل في حادث، أي أنه وُلد بعد 44 سنة من المعاهدة مع الكيان الغاصب، حتى ثورة يناير آخر الأحداث الكبرى التي شهدها جيله، كان محمد صلاح وقتها في مرحلة الطفولة، أي في الثانية عشرة من عمره، والسلاح الذي استخدمه من السلاح الروسي القديم المستعمل في هزيمة 5 يونيو/حزيران 1967 التي حلت ذكراها أيام الحادثة، بما زاحم ذكرى النكسة، وساعد في استعادة ذاكرة الانتصارات.
إن نسبة الفرح، ومعدل النشوة التي ظهرت في الشارع العربي والعالم الإسلامي، أكدت وحدة الأمة في آمالها وآلامها، وأن تحرير المسرى والأقصى قضية كل المخلصين، وستبقى يتوارثها جيل بعد جيل.
خدم الإعلام المصري قضية سليمان خاطر عن غير قصد، حيث التف الإعلام البديل حول قصته، حتى يكشف اللثام عن اسم البطل الجديد، والمؤسف أن الإعلان كان من إعلام الاحتلال، الذي نشر صورة الشهيد محمد صلاح، مع صورة قتلاه الثلاثة، وعندها أعلنت وسائل التواصل ووسائل الإعلام الحر حفاوتها بالشهيد الجديد، وعُرفت صفحته على فيسبوك، وانتشرت صورته وتناقلت المواقع بعض تعليقاته، التي كان أهمها تعليقه على “مايك بنس” نائب الرئيس الأمريكي السابق عندما كتب: أمريكا تقف مع إسرائيل، فرد عليه محمد صلاح: “الله يقف مع فلسطين”.
محمد صلاح فخر العرب أصبح العنوان الأبرز، والأكثر على محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي، بما ينسف وهم التطبيع مع المحتل والاستسلام للغاصب، فإن سلاح محمد صلاح المتهالك، هزم منظومة التطبيع التي ترعاها دول غنية، وتقف خلفها آلة إعلام جهنمية، وإن الفرصة إذا أتيحت لشباب الأمة، سيكونون من جند سليمان بما يجبر الخاطر، وضمن فريق محمد صلاح فخرنا الحقيقي.
بعد حملة التعتيم، انتشرت صورة للشهيد محمد صلاح راكبًا على فرس، فذكّرني ذلك -كغيري- بقصيدة كتبها شاعر العامية أحمد فؤاد نجم، وكأنه كتبها الآن لواقعة الحال، جاء فيها باختصار:
أصل الحكاية ولد فارس ولا زيّه ** خد من بلال ندهته ومن “النبي” ضيّه
ومن الحسين وقفته في محنته وزيّه ** قدّم شبابه فدا والحق له عارفين
يا ابن الربيع والأمل والشمس والزينة ** مين يا فتى أعلمك فعل الخريف فينا
وكبرت برّه الزمان اللي ابتلاك بينا ** نايمين على ودننا مع إننا عارفين
صاح من سكون الخرس كروان بغنيوه ** الملك لك يا فتى.. يا مصري يا حليوه
رقصت نجوم الفلك بالضي تتعانق ** والشمس ويّا القمر في برجهم عارفين
الله أكبر هنا ع الباغي والجبار ** طعن الفتى طعنته، خار الأغا وانهار
المجد ده ابننا والفارس الكرّار ** راكب على مهرنا والكدابين عارفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. محمد الصغير؛ رئيس الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلامﷺ ، وعضو مجلس الأمناء بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.