البحث

التفاصيل

اللهم بلغنا عشر ذي الحجة

الرابط المختصر :

اللهم بلغنا عشر ذي الحجة

بقلم: الشيخ د. تيسير رجب التميمي

 

اقتربت منا عشر ذي الحجة فاللهم بلغنا أيامها الشريفةٌ ولياليها الفضيلةٌ ، فهي التي أقسم الله سبحانه بها لعظيم شأنها فقال تعالى { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ } الفجر 1-2.

فهي من أَفضل الأيام ، قال صلى الله عليه وسلم فيها: {ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه ، قالوا ولا الجِهادُ؟ قالَ ولا الجِهادُ ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ} رواه البخاري، وما ذاك إلا لأنها أيام زيارة بيت الله ولوقوع أهم أعمال الحج فيها ، ومعلوم أن الوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل، ولأنها مواسم للذكر فيُستحب فيها الإكثار منه زيادة على غيرها من الأيام . وفيها يضاعف العمل الصالح لذا يُندب فيها الاجتهاد بالعبادة وزيادة عمل الخير والبر بشتى صوره وأنواعه ، فيندب صيام أيامها وإحياء لياليها ، قال صلى الله عليه وسلم: {ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها صيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر} رواه الترمذي.

وفي العشر يوم عرفة وهو تاسعها، يوم عظيم اختصه الله تعالى بوقوف الحجاج فيه ، فهو ركن الحج الأعظم الذي يتوقف على فواته بطلان هذه العبادة، فقد ثبت: {أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة فسألوه فأمر منادياً فنادى الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج..} رواه الترمذي، وليلة جمع هي ليلة مزدلفة، وفيه يُقْبِلُ ضيوف الرحمن على ربهم خاشعين ضارعين راجين عفوه ورضاه، فيتجلى عليهم سبحانه برحمته وفضله وإكرامه ويشهد ملائكته بالغفران لهم ، قال صلى الله عليه وسلم: {ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيَقول ما أراد هؤلاء} رواه مسلم، وخلاصة معنى قوله ما أراد هؤلاء أن ما أرادوه من المغفرة فهو حاصل لهم.

والسُّنَّة كثرة الدعاء يوم عرفة والإلحاح بهِ والابتهال والتضرع إلى الله جل وعلا ، فالدعاء هو العبادة بل مخها وجوهرها، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} البقرة 186، والدعاء المأثور فيه ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: {خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} رواه الترمذي ، وفيه يخسأ الشيطان ، قَال صلى الله عليه وسلم: {ما رُئِيَ الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة..} رواه مالك، فلنحرص في هذا اليوم أن نسأل الله من عظيم فضله من خيري الدنيا والآخرة ولو كان يبدو لنا مستحيلاً ، قال صلى الله عليه وسلم: {إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ، ولكن ليعزِمْ المسألة وليُعْظِم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه } رواه مسلم ، أما الصمت والسكوت عن الدعاء فليكن للاشتغال بذكر الله ، فإنه أعظم وأعلى أجراً وجزاء من الدعاء ، وبالأخص إذا اقترن به خشوع القلب وحضور الفكر .

     ويستحب صيامه لفضله على سائر الأيام ، فهو سنة مؤكدة لغير الحاج ، قال صلى الله عليه وسلم { صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده } رواه مسلم ، ولعلّ الله سبحانه أن يعصمه من الذنوب

     وعاشر العشرة هو يوم النحر مكافأةٌ من الله تعالى لعباده الأبرار يبتهجون بأداء ركن الإسلام فكان لهم عيداً ، يتقربون فيه إلى ربهم عز وجل بذبح الأضاحي ، قال صلى الله عليه وسلم { ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً } رواه الترمذي .

     والأضحية هي ما يذبح تقرباً إلى الله تعالى يوم النحر بشروط مخصوصة ، منها أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم لقوله تعالى { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ... } الحج 34 ، ويشترط لها سن معينة ، فيجزىء من الضأن ما أتم ستة أشهر ومن المعز ابن سنة ، ومن البقر ابن سنتين ، ومن الإبل ابن خمس سنين .

     وتشترط سلامة الأضحية من العيوب الفاحشة التي تنقص الشحم أو اللحم ، فينبغي للمسلم أن يتخير ما يتقرب به إلى الله فهو سبحانه طيب لا يقبل إلا طيباً ، قال البراء رضي الله عنه { قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البيّن عورها ، والمريضة البيّن مرضها ، والعرجاء البيّن ظلعها والعجفاء التي لا تنقي } رواه أبو داود ، والعجفاء هي الهزيلة ،و التي لا تنقي أي لا مخ في عظامها ، ومعنى ظلعها أي عَرَجُها .

     ويبتدئ وقت الأضحية بعد صلاة العيد لاقبلها ، قال تعالى { إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ } الكوثر1-3 ، وقال صلى الله عليه وسلم { من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه ، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسُكُه وأصاب سنة المسلمين } رواه البخاري ، ويَنتهي وقتها بغروب شمس اليوم الثالث عشر  من ذي الحجة .

     ويستحب لمن يريد التضحية ألا يزيل شيئاً من شعره ولا شيئاً من أظفاره من أول ذي الحجة حتى الفراغ من ذبحها وذلك تشبهاً بالحجاج في إحرامهم ، قال صلى الله عليه وسلم { إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره } رواه مسلم .

     ويستحب للمضحي أن يشهد أضحيته ، قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها { قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك عند أول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملته ، وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين } رواه البيهقي .

     وللمضحي أن يأكل من أضحيته ويطعم ويدخر لقوله تعالى { وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ } الحج 36 ، والقانع هو الفقير الذي لم يسأل الناس تعففاً اما المعترَّ فهو الذي يسأل الناس لحاجته ، وقال أيضاً قبل ذلك { ... فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} الحج 28 .

      وللمضحي أن يتصدق بالثلث ويتخذ الثلث لأقاربه وأصدقائه ويدخر الثلث لنفسه وعياله ، وله أن يهب منها الفقير والغني ، ولو تصدق بها جميعاً جاز وكان خيراً له ، ولو ادخرها جميعاً جازله لأن القربة إلى الله تعالى تكون بإراقة الدم .

     إن عشرة ذي الحجة أيامٌ وليالٍ مباركات تستحب فيها الطَّاعات , فلْنكثرْ فيها من القربات وفعل الخيرات بكل أبوابها من صيام وصدقة وصلة رحم وحسن معاملة وذكر ودعاء وتلاوة القرآن.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الشيخ الدكتور تيسير رجب التميمي؛ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. قاضي قضاة فلسطين. رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً. أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس.


: الأوسمة



السابق
الزيادة في البيع والزيادة في الربا.. رؤية اقتصادية تحليلية

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع