البحث

التفاصيل

الأيدولوجية اليمينية المتطرفة وممارساتها العنصرية

الرابط المختصر :

الأيدولوجية اليمينية المتطرفة وممارساتها العنصرية

بقلم: ياسين أقطاي

 

إن إحدى مشكلات تصاعد الخطاب القومي اليميني المتطرف تتمثل في أنه ليس مجرد تعبير أيدولوجيته الخاصة فقط. فالقومية اليمينية المتطرفة في جوهرها سياسة تمييز وإقصاء عدواني قائمة على العنف. ولذلك فإنها تقمع كل مظاهر السياسة الديمقراطية وتضطهد المعارضين لها من مختلف الأيدولوجيات الأخرى اليسارية والليبرالية وغيرها وتسيطر عليهم وكأنهم ليسوا قرناء في السياسة بل رهائن عليهم الانصياع.

وعلى فترات متباينة نسمع صدى خطابات وسياسات أحزاب اليمين المتطرف العنصرية في أوربا وتأثيرها في خطابات وسياسات الأحزاب المعتدلة. ويتجلى عن ذلك أن ما يفوز في الحقيقة ليس القومية، بل انتهازية بعض السياسيين ومحاولتهم الحفاظ على المكاسب السياسية واستغلال الفرصة، وفي سبيل ذلك يضحون بخطابهم السياسي الصحيح. ومع ذلك فإن قرار التنازل عن الاعتدال في صالح العنصرية ولمرة واحدة لن يكون أبدًا قرارًا واحدًا فقط. فالمشكلة هي الارتباط بالديون الناشئة عن السياسات المترددة في اتخاذ إجراءات للحد من خطاب الكراهية الإسلاموفوبي في السويد والعديد من الدول الديمقراطية.

في الهند

وعند التفكير في هذا الحدث تلفت انتباهنا أحداث أخرى مماثلة في الهند، والتي تعد مثالًا مشابهًا لصعود الفاشية والأيديولوجية اليمينية المتطرفة. وقد ركزت على ذلك منظمة العدالة للجميع (Justice For All) التي تأسست في ولاية إلينوي (Illinois) في الولايات المتحدة عام 2001، وهي منظمة غير حكومية كرست اهتمامها للتعبير عن قضايا المظلومين والمضطهدين والمهمشين في جميع أنحاء العالم ومؤازرتهم وتسعى جاهدة لتكون صوتهم ودعمهم. وقد نظمت هذه المنظمة ومجلة المنصة (Platform) مؤتمرًا دوليًّا في إسطنبول بعنوان “مشاكل الأقليات في الهند” في الـ 18 من يوليو/تموز الحالي

وشارك فيه مسلمون هنود وغير هنود مقيمون في الولايات المتحدة ودول أخرى، وسلطوا الضوء على الواقع المرير للتمييز الشديد ومحاولات التهميش والتطهير العرقي التي واجهها المسلمون في الهند في السنوات الأخيرة:

فالمسلمون الذين يعيشون في الهند منذ قرون هم جزء لا يتجزأ منها ثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا حتى أنهم حكموا الهند لعدة قرون. واليوم يتعرضون لانتهاكات واضطهادات خطيرة وممنهجة فيما يتعلق بحقوق الإنسان في هذا البلد. وقد أشار المشاركون في المؤتمر إلى أن عمليات القتل خارج نطاق القانون والتعذيب وسوء المعاملة وقمع حرية الاعتقاد والتعبير بالنسبة للمسلمين قد تعدت كل الحدود وما زال الجناة مجهولين. وذكر المشاركون أيضا أن عمليات القمع هذه ليست موجهة ضد المسلمين فقط. فقد تعرضت أكثر من 200 كنيسة مسيحية في الهند في شهر يونيو/حزيران وحده للإحراق على أيدي المتطرفين الهندوس.

وما يجعل هذا الأمر أكثر خطورة هو أن هذا الخطاب الفاشي العنصري والتمييزي ضد المسلمين قد أصبح أمرًا شائعًا، والأسوأ أن الفاشية أصبحت في متناول الجميع ويمكن للأحزاب العادية أن تنجرَّ إليها بسهولة. فعلى سبيل المثال استطاع نائب هندوسي أن يدعو في خطاب ألقاه الشهر الماضي إلى إبادة جماعية لـ 200 مليون مسلم.

وتكشف السياسات الجارية حاليا لتحويل الهند إلى دولة هندوسية، من خلال التعاون السياسي شبه العسكري المشترك باستخدام الميليشيات المسلحة بين حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الحاكم والحركة القومية راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS)، أن التمييز ضد المسلمين يتم بمنهجية وفي إطار تخطيط وفلسفة محددة. وقد صرح السيد عبد الملك مجاهد رئيس جمعية العدالة للجميع، أن هذه العملية تكشف الوجه النازي للهند. وقدم مجاهد مقارنة واضحة بين تلك السياسات الهندوسية والممارسات النازية..

إذ يرى هذا التحالف السياسي شبه العسكري أن الهند هي فقط ملكية خاصة للهندوس وأن المسلمين والمسيحيين ليسوا جزءًا منها ولا ينتمون لهذا البلد. وبالطبع من أجل أن يصدق الناس ذلك أو يقتنعوا به، يتعين تحريف التاريخ وعلم الاجتماع وتشويه الصورة الصحيحة لهما من أجل بناء هوية وطنية جديدة على أساس هذا التحريف. فالحقيقة أن المسلمين لم يأتوا إلى الهند من خارجها. ربما من الصواب القول بأن الإسلام قد جاء إلى الهند بواسطة بعض الدعاة، لكن جزءًا كبيرًا من شعب الهند دخل الإسلام دون إكراه، ثم أنشأ المسلمون دولة وحضارة قوية في الهند. ولقرون طويلة كانت الهند تحت حكم المسلمين وجعلت هذه الدولة والحضارة الإسلامية من الهند دولة طموحة على المستوى العالمي. والمسلمون في الهند هم في الواقع جزء من الهند نفسها، وقد يكون تاج محل هو الشاهد الوحيد على ذلك، ولكن الحركة الهندوسية العنصرية تحاول تجاهل أي وجود للمسلمين في الهند.

وتهديد بإبادة 200 مليون مسلم، وبالطبع هذا هو الرقم الرسمي الذي ورد في الخطاب الرسمي الهندي، لكن المسلمين يقولون إن عددهم أكثر بكثير. ويمكن اعتبار التهديد بالإبادة الكاملة تهديدًا فارغًا لا يمكن حدوثه. ومع ذلك من المتوقع أن تحدث إعادة تعريف لنطاق المواطنة في الهند وهي مشروع قانون كان على جدول أعمال الحكومة الهندية لفترة طويلة، وستستهدف هذه الإجراءات الجديدة ولائحتها التنفيذية المسلمين بقوانين الحرمان من الجنسية. ففي الهند من الصعب الحصول على وثائق رسمية لإثبات الجنسية بسبب مشكلة عدم القدرة على توثيق الأوراق هناك، وهذا ينطبق بشكل خاص على السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية والذين يشكلون حوالي 70٪ من السكان. فالعديد من الأشخاص هناك يعيشون لفترات طويلة دون وثائق رسمية.

إلى معسكرات الاعتقال

وعند بدء تطبيق هذه اللائحة الجديدة سيتمكن غير المسلمين من التسجيل والحصول على هوياتهم بسهولة، بينما لا يستطيع المسلمون إثبات هويتهم بسبب التحديات الإضافية التي يواجهونها، مما يجعلهم في موقف الهاربين وسيواجهون خطر الإرسال إلى معسكرات الاعتقال التي يتزايد بناؤها بكثافة في الآونة الأخيرة. وبناء على ذلك فقد قرابة المليوني شخص جنسيتهم بالفعل، ويقبع العديد من الأشخاص في معسكرات الاعتقال، إلى جانب الاستمرار في بناء معسكرات احتجاز واعتقال جديدة في مناطق مختلفة في البلاد.

تُجرى الانتخابات في الهند على سبع مراحل وتعد أطول انتخابات في العالم. وفي الانتخابات الأخيرة التي جرت بين 11 أبريل و19 مايو 2019، فاز تحالف يقوده حزب بهاراتيا جاناتا (حزب الشعب الهندي) الحاكم بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي بـ 349 مقعدًا في مجلس الشعب المؤلف من أصل 543 مقعدًا. بينما حصل تحالف المعارضة الرئيسي بقيادة راهول غاندي وحزب المؤتمر على 83 مقعدًا.

وقد بدأ الانتخابات الجديدة بالفعل، ومن المتوقع أن لا يتم انتخاب مودي مرة أخرى، ولكن نأمل أن لا يعتبر الحزب العنصري هذه السياسة مناسبة وجذابة ومربحة، لأنها لن تؤدي سوى إلى تدهور سمعة الهند السياسية في العالم يوما بعد يوم.

ومن ناحية أخرى فإن الهند في جميع الظروف الحرجة في تاريخها سواء في الحرب الحضارية أو في معركة التحرر من الاستعمار، استفادت الهند من القوة الناشئة عن الوحدة الهندية الإسلامية. ومن المواقف التي لا ينبغي نسيانها في هذا الصدد هو ما قدمته المسلمات الهنديات من مجوهرات مساهمة منهن في حرب التحرير الوطني والحصول على الاستقلال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ياسين أقطاي؛ أكاديمي، وسياسي، وكاتب تركي.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





التالي
مسيرة الأعلام الصّهيونيّة بين هشاشة السّيادة وخطورة التّمرير

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع