توّجت زيارة الشّيخ راشد الغنّوشي - عضو مجلس الأمناء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - إلى باريس بحضوره لاجتماع عام أقامه أنصار حركة النهضة هناك ليضمّ الحشد الجماهيري خلال هذا اللّقاء عددا كبيرا من الجالية التونسيّة في المهجر اضافة لحضور عدد من الجاليات العربيّة.
الخطاب الذّي قدّمه الشيخ راشد الغنّوشي تمحور حول التعريف بالثّورة التونسية وانجازاتها وإشعاعاتها التي ألهمت ثّورات الرّبيع العربي ولاتزال ،و لم يفت الشّيخ راشد الغنّوشي خلال هذا اللّقاء أن يثني على اسهامات المناضلين في صفوف حركةالنّهضة الذيّن لعبوا دورا تاريخيا في كسر شوكة الدكتاتورية .
فقد افتتح الشيخ راشد الغنوشي كلمته بالإجلال والتقدير لحجم التضحيات التي قدّمها مناضلو الحركة ولازالوا نصرة للحق ونصرة للوطن، وفي نبرة غلب عليها الـتأثّر أثناء استحضار أسماء مناضلي الحركة قال الشيخ "يعجز اللسان أمام هذه المشاهد عن التعبير عمّا يجيش بالصّدر من مشاعر الامتنان لله سبحانه وتعالى أن توّج هذه المسيرة بالنّصر" و يضيف الشيخ قوله عن هذه المسيرة واصفا اياها "بالمباركة " خصوصا أنّها " فيها الشّهداء و أبناء الشّهداء وزوجات الشّهداء "
ثمّ ليستطرد الشّيخ بالحديث عن عزيمة المناضلين داخل الحركة واصرارهم على دحر الاستبداد والظلم والقهر فيقول " هذه الأجساد لم تبق منها إلا العظام ، لم تبق منها إلا أشباح أجسام ولكن المحرّكات التي تحرّكها ليست محرّكات لـ" خردة " وإنما في الحقيقة محرّكات للطائرات" .
ومن ثمّ يذكر الشّيخ بعض الأسماء البارزة في النّضال ضّد الطغيان فيذكر الدكتور منصف بن سالم والدكتور عبد الرّؤوف بولعابي أقدم مهاجر في صفوف حركة النهضة الاسلامية الّذي طالته يد الطغيان في تونس وهجّرته بسبب نضاله ضد أجهزة القمع والدكتاتورية في البلاد ،
ومن ثّم ليستطرد الشّيخ بالاستفهام حول المشّككين في نضالات أبناء الحركة الاسلامية ودورهم التاريخي في تتويج المسار وسقوط الدكتاتورية عبر الثّورة العظيمة فيقول
" كم نطقت ألسن وتخرّصت بالباطل و تساءلت في جهالة ماذا قدمت النهضة للثورة ؟ لماذا لا ينظر هؤلاء ، لماذا لا يرون إلى هؤلاء الرّجال و النّساء والأطفال ، عبد الرّؤوف بولعابي مهاجر منذ 1981 أقدم مهاجر من الوطن ، مهاجر من الظلم والفساد ولم يستسلم يوما .
وجاء في كلمته:
أخواتي المهاجرين ، أحيّي عبد الرّؤوف الماجري هذا المناضل الأصيل ، فأبناء النهّضة الذين توزّعوا على 27 سجنا..
التحيّة للمساجين المناضلين و اخوانهم في المهاجر الذين توزّعوا على 50 دولة في العالم ولكنّ هذا الجسم الّذي تمزّق ظلّ مرتبطا بروابط الإيمان والتّوحيد والأخوّة والوطن و العزم على نصرة هذه القضيّة رجالا ونساءً ، فهل بعد اليوم يزايد أحد على مشاركة النّهضة في هذه الثّورة المباركة ؟؟".
لقد أكد الشّيخ راشد الغنّوشي في خطابه أنّ الثّورة التّونسيّة حصّلت اشعاعا كبيرا عبر العالم وفتحت صفحة جديدة في تاريخ العرب والمسلمين و قدّمت رسالة جميلة عن الإسلام ، على أنهّ حرّية و ثورة و عدل ومساواة و أخوة وسلم وعلم وتقدّم ، ولذلك مثلما أنّ الثّورة الفرنسيّة فتحت صفحة جديدة أمام أوروبا على الدّيمقراطية وعلى العلم وعلى التّقدم ، فإن الثّورة التّونسيّة قدّمت رسالة على أنّ العرب والمسلمين هم أيضا يستحقّون الدّيمقراطيّة بعد أن كان العالم العربي مخنوقا بالدكتاتوريّة تحت أنظمة الفساد والظّلم .
خطاب الشيخ راشد الغنّوشي وحديثه كيف تسير تونس نحو مستقبل جديد انهى زمن الاستبداد و الدكتاتوريّة اثار حماسة الحضور وتفاعلهم مع مجريات الأحداث في دول الرّبيع العربي وتحيّتهم لنضالات أحرار شعبها من أجل عدم انتكاسة ثوراتهم، فتعاطف البعض من الحضور مع نضالات الثّورة المصرية المستمرّة وشعاراتها التّي تجاوزت حدود أرضها لتقول بصوت واحد لا لعودة الدكتاتورية لا للحكم العسكري ..، بدوره تفاعل الشّيخ راشد الغنّوشي مع حماسة الحضور ليردّد عبر المصدح :
التّحيّة لثورة مصر العظيمة ...الرّئيس المصري هو الشّعب المصري اليوم ،التّحيّة للرئيس مرسي أيضا ، رأينا ثورة عظيمة في ليبيا التّحيّة للثّورة اللّيبيّة العظيمة ...رأينا ثورة عظيمة في سوريا فتحيّة لشعب سوريا العظيم التحّية لثورة اليمن العظيم ... التّحيّة لثورة العراق وانتفاضة العراق ضدّ الحكم الطّائفي نحن لسنا مع الطّائفيّة نحن مع الإسلام والوطنيّة ... مع الحريّة لكلّ العراقيين ولكلّ السّوريين ولكلّ المصرييّن ولكلّ العرب والمسلمين .
تونس هذه الصّغيرة بحجمها ، الكبيرة بمعانيها فتحت العالم العربي على عصر جديد عصر الشّعوب عصر الحرّية والدّيمقراطيّة ، عصر الإسلام والحريّة إن شاء الله " ،
ومن ثمّ ليبعث الشيّخ برسائل طمأنة للحضور ولشعوب بلدان الربيع العربي التي تعاني الآن انتكاسة في ثوراتها بأنّ شراع الحرّية لن يرضى العودة والانتكاسة إلى الوراء ، مؤّكدا أنّ المسألة تقتضي من تلك الشّعوب حجما معيّنا من التضحيات.
فهل يمكن للماضي أن يعود ؟"
في أول الاسلام حصلت حركة ردّة أما اليوم فالعالم العربي أيضا وبعض بلدانه تشهد حركة ردّة و لن تنجح بإذن الله ، الماضي ماضي الفساد والاستبداد لن يعود ولذلك سنفشل كلّ حركات الانتكاس ..."
وفي معرض حديثه عن المنجز التونسي وإشعاعه يواصل الشّيخ #راشد_الغنوشي طرحه في التعريف بالثّورة وتثمينها على انّها ملك الشّعب التونسي فيقول " هذه الثّورة المباركة ليست ثورة حزب هي ثورة شعب ، ليست ثورة فئة هي ثورة وطن ، لكن اسهام حركة النّهضة في هذه المسيرة المباركة اسهام عظيم " ومن ثمّ ليستطرد الشّيخ مرّة أخرى قوله حول المشكّكين في حجم التّضحيات التي قدّمها أبناء الحركة فيقول "بعض النّاس يتصوّر بأنّ الهجرة فنادق (..) وترفيه ، من المهجّرين من ضاع في الصحرّاء ومن المهجرّين من غرق في النّيل ومن المهجّرين من مازال مفقودا يبحث عنه حتّى الآن ، فالتّحيّة لكلّ المهجّرين والمهجّرات ".
هكذا أثنى الشّيخ راشد الغنّوشي الدّور التاريخي لمناضلي الحركة في تتويج المسار بثورة أنهت الدكتاتورية و راح في سبيل تحقيقها أجيال من الشهداء أثناء عهد الدكتاتوريّتين وإلى حدّ هذا التّاريخ من ثمّ لينهي الشّيخ راشد الغنّوشي خطابه لأبناء الجالية التونسية في فرنسا بحديثه حول السّبل الكفيلة بالحفاظ على هذه الثّورة فيقول " أمام أجيال وراء أجيال لقيت الله سبحانه وتعالى (...) نحن الجيل الّذي أكرمه اللّه تعالى ، فأشرقت الشّمس في هذا العهد وتوّجت مسيرة أجيال (...) بهذا النّصر ، فالنّصر للإسلام والنّصر للحرّية والوفاء للشّهداء نحن أيّها الاخوة (...) أمامنا مسؤوليّة كبيرة (...) كيف نحافظ على دماء الشّهداء ؟، كيف نكون أوفياء لدماء الشّهداء؟ كيف نحافظ على هذه الأمانة ؟".
هي جملة من الأسئلة كانت على سبيل كيفيّة الحفاظ على الثّورة التّونسية وعدم ضياعها كما يحصل في بعض بلدان الّربيع العربي ، الشّيخ راشد الغنّوشي استطرد عبر تلك الاستفهامات ليؤّكد مقصده أنّ الحفاظ والوفاء لدماء الشّهداء هو السّبيل الوحيد للحفاظ على منجز الثّورة .