البحث

التفاصيل

ما الذي يجري في الحزام الإسلامي العظيم؟

الرابط المختصر :

ما الذي يجري في الحزام الإسلامي العظيم؟

بقلم: د. محمد الدكالي

 

يجب فهم ما يجري الآن في النيجر ضمن نظرة كلية لما يجري في الحزام الاسلامي العظيم الذي يمتد من البحر الاحمر إلى الواجهة الأطلسية من السودان إلى السنغال.

هو الخط الذي ساح عبره الاسلام تاريخيا من الشمال الافريقي حتى مشارف الغابات الاستوائية. النسبة العامة للمسلمين فيه أكثر من 90‎‎%‎.

قبائله الكبيرة أسست للحضارة الاسلامية الافريقية منذ القرن الاول الهجري، كامتداد طبيعي لحضارة الأمة الاسلامية بمعايير الدعوة والجهاد والعمران والثقافة والتنظيم الاجتماعي والسياسي. عرفت هذه المناطق الشاسعة سياقات تاريخية وثقافية مشابهة في خصائصها العامة لسياقات بلدان الشمال الافريقي خلال المرحلة الاستعمارية، وحاقت بها نفس أصناف همجية الإبادة السكانية والثقافية والاستغلال الاقتصادي إن لم تكن أفظع، وقد عرف الحزام مرحلة بشعة من الاسترقاق والاستعباد بالتهجير المليوني منذ القرن 16 للميلاد نحو الامريكتين.

انتماءات شعوب الحزام وقبائله للإسلام قوي جدا وراسخ، وفيه نخب وحركات واتجاهات إسلامية لها نفس التوجهات كالتي عندنا نحو الانعتاق وإعادة البناء بنفس ايجابياتها وسلبياتها تقريبا، لكنها تتميز عن نظيراتها في العالم العربي بغلبة الحكمة فلم تصطدم مع الانظمة ولم تحمل سلاحا.

* تقلّب الاستعمار في البلاد

تركيز القوى الكبرى في تنافسها الضاري على منطقة الحزام الاسلامي لا نظير لضراوته في أية منطقة اخرى في العالم. المعلومات عن حقيقة الثروات الضخمة جدا ومنها النادر مما يستخدم في التكنولوجيا المتطورة تبقى حبيسة معلومات الشركات الكبرى ومراكز البحوث وخارجيات الدول الكبيرة التي اشتغلت على هذه الملفات منذ عقود وما تزال.

الجميع يعرف أن فرنسا والولايات المتحدة وروسيا والصين هي أطراف هذا الصراع. لكن ما لا يظهر للعيان هو وجود نوع من التوافق بين هذه المفترسات.

فالأمريكان والروس والفرنسيين موجودون عسكريا معا في عدد من بلدان الحزام. ففي النيجر ومالي وبوركينا فاسو والسينغال والسودان وتشاد يوجد فيها تواجد عسكري لأكثر من طرف من هذه المفترسات في نفس الوقت. أذكر في سنة 2012 أنني سالت مسؤولا كبيرا في النيجر عما إذا كان الامريكان موجودين في بلده فأكد لي ذلك، ولهم فعليا وجود عسكري في 52 بلدا أفريقيا في إطار "أفريكوم" وهذه قصة كبيرة.

ومن مؤشرات هذا التوافق الضمني بين الفرنسيين والروس والامريكان ضلوعهم في تفسيخ الامن الاجتماعي في معظم بلدان الحزام من خلال نشر السلاح بين القبائل واغراء العداوات فيما بينها، وتزويد الجماعات "الجهادية" في عموم الصحراء الكبرى بالسلاح والمال (حركات انفصالية طوارقية، مشتقات داعش وهم عناوين)، وكلها تعمل لإضعاف الجيوش الوطنية وترتكب مذابح جماعية وفظاعات في حق الفلاحين والرعاة البسطاء من مختلف القبائل. فبوكو حرام مثلا تركز مذابحها واسعة النطاق في شمال نيجيريا (مسلم) وشمال الكاميرون (مسلم) وجنوب غرب تشاد وجنوب غرب النيجر. وكل بلدان الحزام بدون استثناء توجد فيها مشاريع وحركات انفصالية منذ عقود.

هذه الاستراتيجيات الجهنمية لها عدة اهداف لعل أهمها:

- استدامة الصراعات الدموية الداخلية لعقود في بلدان الحزام وتفسيخ الأمن الاجتماعي وترسيخ الدكتاتوريات العسكرية والمدنية لخنق شعوبه ودعم المشاريع الانفصالية للتفتيت وصولا الى وضعية الدول الفاشلة.

- ضرب التماسك الاجتماعي والثقافي والانتماء للإسلام في مجتمعات الحزام وهو مجال دائما وما يزال مجالا لدراسات معمقة من طرف الدوائر البحثية المتخصصة في أوروبا وامريكا.

- نهب وتقاسم الثروات الهائلة في بلدان الحزام مقابل استدامة التفقير الممنهج لشعوبه.

ماذا يعني هذا كله؟

- إغراق البلدان المغاربية بموجات هجرة كبيرة جدا من بلدان الحزام بكل مخاطرها داخل المجتمعات المغاربية وما نراه اليوم من توترات ومشكلات ناجمة عن الهجرات المأساوية سوى مرحلة أولى وهي مرشحة لتصبح أكثر اتساعا وخطورة ومن الممكن تماما أن تؤدي الى أوضاع ومشكلات لا يمكن السيطرة عليها.

- ضرب أواصر العلاقات بين بلدان الحزام والبلدان المغاربية في مقتل واستعداء طرف على الاخر وهي خسارة استراتيجية كبيرة للامة، فالأصل ان بلدان الحزام هي العمق الاستراتيجي الأهم بالنسبة للبلدان المغاربية حضاريا وثقافيا واقتصاديا وليست الضفة الشمالية للمتوسط.

- ضرب فرص التكامل الاقتصادي والثقافي بين بلدان الحزام والبلدان المغاربية وهي هائلة في مجالاتها ومدياتها وهي من أهم مكامن وفرص القوة الاقتصادية لدى المنطقتين في المستقبل.

لدينا مسؤوليات كبيرة تجاه إخواننا في بلدان الحزام الاسلامي العظيم وما تحته الذي يشكل ثلث الامة بمعايير التاريخ والجغرافيا والسكان والارث الحضاري. لقد شاهدت طوال خمسة وعشرين عاماً كيف واجه ويواجه المسلمون الأفارقة وهم عزّل، ضراوة هجمات الاستعمار والفرنكوفونية والكنيسة، سلاحهم ما أسميه "الديناميكية الذاتية للإسلام الافريقي" وهذه قصة كبيرة كذلك.

هناك الكثير مما يمكننا فعله ويجب فعله، فإخواننا في افريقيا المسلمة لم يفتروا قط في خدمة الاسلام وعن النظر إلينا في البلدان المغاربية وللعرب عامة كقادة وقدوات لكون لساننا عربي وهو لغة الوحي. فهلّا تداعينا للتفاكر حول ما يمكننا القيام به تجاه إخواننا في قارة "المعذبين في الارض" حسب تعبير فرانز فانون؟

"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" و "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 





التالي
حكم بالسجن 16 عامًا على رجل أمريكي أضرم النار في مسجد بولاية ميسوري
السابق
الإمام النووي (رحمه الله) من كبار علماء أهل السنة والجماعة لا ينكر فضله مُنصف وذو علم

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع