البحث

التفاصيل

أطماع البُعَدَاء في القارة السمراء

الرابط المختصر :

أطماع البُعَدَاء في القارة السمراء

بقلم: د. عطية عدلان

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

"إذا كانت العلاقة بين الدول الإفريقية وفرنسا وعاءً للطبخ فاعلم أنَّهُ ملوثٌ جدًا؛ ملوثٌ باعترافات خفيَّةٍ حول جرائم مُرْتَكَبة، ملوثٌ بالفساد، بعدم الشفافية، ملوثٌ بمعجم مُهين، إنّه ملوث سيدي الرئيس، أدعوك إلى تنظيفه عبر إجراءات ملموسة، فإذا رفَضْتَ أن تغسله، وإذا أردت – على الرغم من ذلك – مواصلة الطبخ فيه؛ فلن تأكل إفريقيا بعد اليوم منه، الوجبة ستكون جاهزةً، ستكون أنت الوحيد على طاولة الطعام بشهية صعبة".. بهذه الكلمات واجهتْ الفتاةُ البوركينيةُ السمراءُ الرجلَ الإمبرياليَّ الأبيضَ في صورة “إيمانويل ماكرون”، ولعلها كلماتٌ تلخص التحول الكبير في الموقف الإفريقيّ تجاه فرنسا والغرب؛ فهل هو تحول إلى الحرية؟ أم خروج من عبودية إلى عبودية أخرى؟

خيراتٌ تُثيرُ تثير لعاب المستعمر

تحتكر القارة الأفريقية حوالي 12% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، وتتركز هذه الثروة النفطية في نيجيريا والجزائر ومصر وليبيا والسودان وغينيا وجنوب أفريقيا وأنجولا والكونغو والجابون، وتحوز الآن حوالي خمسمائة تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي، بما يمثل 10% من إجمالي احتياطي الغاز العالمي، وتختص القارة السمراء بكميات هائلة من اليورانيوم الخام، وبذلك تشارك بأكثر من 18% من إجمالي الإنتاج العالمي، ومن أبرز الدول المستخرجة لليورانيوم: النيجر وجنوب أفريقيا وناميبيا، أمّا الاحتياطيات الأفريقية من هذا المعدن الاستراتيجي فتبلغ ثلث إجمالي احتياطيات العالم، وتنطوي القارة على كميات من الذهب تقدر بحوالي نصف إجمالي احتياطيات العالم، كما تتصدر مجال إنتاج الماس “الألماس” في العالم؛ حيث تنتج 40% من إجمالي هذا المعدن في العالم، كما تحوز 80% من إجمالي البلاتين حول العالم، و27% من إجمالي الكوبالت، إضافة إلى كميات جيدة من الحديد والمنجنيز والفوسفات والقصدير، وكميات هائلة من الأخشاب الاستوائية الجيدة، وكميات ضخمة من الثروة السمكية المتركزة على شواطئها الممتدة الثرية، أمّا الكنز الأكبر فهو السوق السهلة المفتوحة على مصراعيها للرأسمالية تبيع فيها للأفارقة كل شيءٍ مُصَنَّعٍ من الإبرة إلى الصاروخ.

الماضي الأليم والحاضر والخيم

انظر إلى خاتم زواجك؛ فقد يكون مشوبًا بدماء الأولاد الذين اختطفهم القادة العسكريون في شرقيّ الكونغو واستعبدوهم!” كلمات تقطر ألَمًا، خَطَّها قلم “لوريتا نابليوني” في كتابها: “الاقتصاد العالميّ الخفيّ”، الذي أكثرت فيه من التشنيع على الاقتصادات المشبوهة، كتجارة العبيد الأفارقة، غير أنّ الكاتبة لم تقف هنا عند حدّ الاقتصاد الخفيّ ولم تحتبس في الماضي الأليم، فها هي تفضح الحاضر الدوليّ الوخيم: “لا يزال الاتحاد الأوربيّ يستعمل حقّ الفيتو فيما يتعلق ببيع البذور المعدلة وراثيًّا لأفريقيا؛ وذلك من أجل حماية مزارعيه من منافسة المنتجات الأفريقية، أصبح من الواضح لماذا تُعَدُّ المعونات الأجنبية عِلَّةً لأفريقيا، فهي الفيروس الاقتصادي الذي يضاهي الإيدز خطورةً وهلاكا … إنّ مشكلة أفريقيا لم تكن في يوم من الأيام اقتصادية، إنّما هي سياسية".

وتواصل تصوير المأساة: “كيف تنفق نخبة الساسة الإفريقيين المساعدات الأجنبية؛ إنّ مبلغ نصف تريليون دولار التي تلقتها أفريقيا منذ الستينيات ذهب معظمه لتمويل الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، وقد شهدت فترة الثمانينيات وحدها ما لا يقل عن اثنين وتسعين محاولة انقلاب عسكريّ، في الدول الواقعة إلى جنوب الصحراء الكبرى، خلَّفَتْ آثارها في تسع وعشرين دولة منها”، وتنقل عن “ريكو كاريش” قوله: “إنّ إفريقيا أشبه ما تكون بالجسد الذي غزته الطفيليات؛ وصار المحذور الأكبر هو أن يُبادَ الجسد في سبيل التخلص من الطفيليات”، لذلك فإنّ الرؤية قاتمة، ومن العسير وضع منهجية للتغيير دون مقومات كثيرة وكبيرة وخطيرة، ربما لا تتوافر لهذه القارة الواعدة إلا ببروز رؤية جماعية صاعدة، وهذه لا يمكن أن يتحقق لها مع غياب دور البلاد الإفريقية المسلمة وعلى رأسها مصر؛ لذلك فإنّ من أخطر ما تتعرض له أفريقيا الآن غياب دور مصر، بما في ذلك دور الأزهر الشريف.

التحول العقيم من عبودية إلى عبودية

انتهت قيمة التبادل التجاري بين الصين وأفريقيا إلى 187 مليار دولار في عام 2020، ثم سجل التبادل صعودًا سريعًا بعد ذلك، فارتفع ليصل إلى 139.1 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى فقط من عام 2021، أمّا حجم الاستثمار الصيني في أفريقيا فقد بلغ 2.96 مليار دولار في عام 2020، وفي الأشهر السبعة الأولى من عام 2021 بلغت الاستثمارات الصينيَّة في أفريقيا 2.07 مليار دولار. كما أُنشئت 25 منطقة صينية من أجل التعاون الاقتصادي والتجاري، وذلك في 16 دولة أفريقية، وبلغت قيمة مشاريع البنية التحتية المتعاقد عليه 67.9 مليار دولار؛ فهل ستقع أفريقيا في فخّ التنين؟

أمّا روسيا فإنّها استطاعت أن تستثمر أجواء الغضب الإفريقي ضد فرنسا والغرب؛ وعلى الرغم من نفيها للوقوف وراء الانقلابات العسكرية – ولاسيما انقلاب النيجر – لا تستطيع أنْ تجدّف طويلًا في اتجاه الإنكار، ومع توسع الوجود العسكريّ ل”فاغنر” الروسية يغدو عبْء الإنكار مكلفًا، لكنّ روسيا لم تكتف بهذا اللون من التواجد المدان، فإنّ الدبّ الروسيّ قد بدأ التبادل التجاريّ مع أفريقيا بنحو 20 مليار دولار، ودعا في القمة التي شارك فيها 34 زعيما إفريقيّا إلى مضاعفة التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا خلال خمس سنوات؛ واليوم نرى شعب النيجر يرفع علم روسيا؛ فما الخطب؟!

بين عبودية مختارة وحرية منشودة

يبدو أنّ أفريقيا متجهة إلى عبودية للشرق لا تقل ضراوة عن عبوديتها السابقة للغرب، ففخ الديون الذي تنصبه الصين لها، مع الأحابيل المكشوفة لبوتين، تشي بمستقبل لا يختلف عن الماضي إلا في خاتم العبودية، والسبب الوحيد هو النُّخَب السياسية، ولا خلاص لأفريقيا إلا بأن تَتَحرر شعوبُها من المستبدين الفاسدين أولًا، وإلا فسوف تظل أبدًا في أغلال ما أطلق عليه "لابويسي": "العبودية المختارة".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





التالي
حفل تكريم للطلاب المتفوقين من أبناء الشهداء في الثانوية العامة في قطاع غزة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع