البحث

التفاصيل

الدعوة إلى المثلية سبيل إلى تغيير الفطرة (4)

الرابط المختصر :

بسم الله الرحمن الرحيم

(سلسلة؛ أنقذوا مكـارم الأخلاق)

الدعوة إلى المثلية سبيل إلى تغيير الفطرة (4)

بقلم: الدكتور أحمد الادريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

(اقرأ: سلسلة؛ أنقذوا مكـارم الأخلاق| السعي إلى تهديم الأسرة (3))

 

كانت المثلية والشذوذ الجنسي يعتبران في الماضي مرضا، وكان الناس يحاربونهما بالفطرة، لكن وُجد في هذا الزمان من يدافع عنه ويدافع عن حقوق الشواذ، فبعد إعلان الحرب على الأسرة من خلال تمييع مفهومها، والترويج لمفهوم "الجندر"[1]، حيث تم نشر الشذوذ الجنسي في العالم، وتغيير الأدوار بين الذكر والأنثى، والأكثر من ذلك أنهم اعتبروا هذه الأدوار الجديدة مفاهيم اجتماعية مكتسبة وليست لها علاقة بالطبيعة العضوية والفيزيولوجية لكلا الجنسين.

أولا: لماذا يدافعون عن الشذوذ؟

       لقد تم التمهيد لإباحة الشذوذ الجنسي عبر الحملات التي رفعت شعارات تحرير المرأة ومساواتها بالرجل في جميع الحقوق، ومنها الحقوق الجنسية.

       وفي سياق الدفاع عن المثليين وعن حقوقهم المزعومة، نشرت وكالات الأنباء خبرا مفاده أن؛ شركة "نايكي" للمنتجات الرياضية فسخت التعاقد مع المُـلاكم المحترف ماني باكويو، لأنه هاجم الشواذ، والمثليين بشكل عنيف في الفترة الأخيرة، وكان باكويو وصف المثليين بأنهم أسوأ من "الحيوانات"، وهو ما أثار غضب الشركة وغضب مناصري المثلية. وأشارت شركة نايكي في بيان لها إلى أنها تجد عبارات باكويو مشمئزة وتخالف مبادئ الشركة، وبالتالي قررت فسخ التعاقد معه".

       وانتقل الشذوذ الجنسي من مرحلة الدفاع عن المثلية الجنسية إلى مرحلة الاعتراف به، وتقنينه؛ "فقد أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة شهر يونيو 2015 حكما يقضي بمنح الحق للمثليين جنسيًا بالزواج في كافة الولايات الأميركية، والأدهى والأمرّ أن الرئيس الأمريكي – السابق - باراك أوباما وصف هذا الحكم بأنه؛ "انتصار لأميركا وانتصار للحب".

ثانيا: البعد الفلسفي للشذوذ والمثلية.

       إن الدافع وراء ذلك ليس مجرد الشهوة الجنسية، بل البعد الفلسفي لمبدأ اللذة. وقد تنبأ المختصون في علم النفس منذ التسعينيات من القرن العشرين إلى أن المجتمع الغربي يتوجه نحو الشذوذ الجنسي، يقول المسيري رحمه الله: ّأعتقد أن الشذوذ هو النتيجة المنطقية والترجمة الوحيدة الأمينة لمبدأ اللذة النفعي.
      والإنسان الشاذ يمكنه أن ينشئ علاقة مع شخص آخر من جنسه فيتغلب على اغترابه بشكل مؤقت ثم يعود مرة أخرى لحياته الاستهلاكية البسيطة. وهو يتغلب على اغترابه دون أن يدخل في علاقات ذات آثار اجتماعية تضطره للدخول في علاقة حقيقية مع الآخرين ومع الواقع"، فالعلاقة مع شخص من نفس الجنس هي أقل العلاقات الإنسانية جدلية.

        فالمثلية الجنسية هي محاولة أخرى لإلغاء ثنائية إنسانية أساسية، هي ثنائية "الذكر والأنثى" التي تستند إليها المعيارية الإنساني، قال الله تعالى خالق الكون، والعليم الخبير بما يُسر وما يُعلن هذا الإنسان: "ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْانْثَىٰ" (القيامة:38-39).

       إن الدفاع عن المثلية الجنسية والدعوة إلى تطبيعها[2] والانسجام معها، لا يعتبر دعوةً إلى التسامح أو تفهم وضع المثليين، -برؤية فلسفية أيضا- بل هو في أصله هجوم على المعيارية البشرية، وعلى الطبيعة البشرية كمرجعية نهائية ومعيارًا ثابتًا يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام وتحديد ما هو إنساني.

ثالثا: من أسباب الخروج عن الفطرة.

        يمكن للفطرة أن تمرض وتنتكس فيصبح الإنسان في أسفل السافلين و يتبلد حسه فينسى آيات الإعجاز في الكون و الحياة و ينسى القدرة المعجزة التي تجري الرزق و تجري الأحداث فالإنسان حين يمر بتجربة جديدة يكون متفتحا لها بكل حواسه يريد أن يتعرف على تفضيلات الشيء الجديد و لكنه حي يألف المشهد فان حواسه تمر عليها بغير انتباه وكذلك يفعل الإنسان أحيانا مع الله ينسى أنه الخالق وأنه المدبر والرازق والمحي والمميت فيتلبد حسه و تمرض نفسه بسبب ما يتلبسها من انتكاسات وانحرافات فتنسى الله ووتنسى معية الله وحفظه، وحينها لا يعود الإنسان كما خلقه على الفطرة السوية و في أحسن تقويم وغنما يصبح في أسفل السافلين. ومن أسباب من أسباب الخروج عن الفطرة، أذكر ما يلي:

- التمسك بالعادات السيئة: فالتقاليد الاجتماعية لها أثر في تحويل هذه الفطرة من التمسك بالدين الى التمسك بالعادات التي تتنافى مع الاسلام.

- الغفلة عن الدين وعن القيم: فما من انسان غفل عن الله تعالى وعن إنسانيته في وقت من الأوقات إلا وجاءت عليه أوقات سمع فيها نداء الفطرة وصراخ ذاته الباطنية وهتاف وجدانه.

- اتباع الهوى: فاتباع شهوات النفس وأهوائها يصد الإنسان عن الدين وهو يعلم أنه يسير في غير الطريق الصحيح.

ومن وسائل الحفاظ على الفطرة وإصلاحها:

-  حمل النفس على الالتزام بالقيم وبشرع الله عز وجل في المعاملات وذلك بالتمسك بالأخلاق الفاضلة التي تقرب بين الناس وتزرع المحبة بينهم.

- ذكر الله تعالى، التأمل في الكون والتفكر فيه.

- تزكية النفس، وإصلاحها بطاعة الله سبحانه وتعالى وتطهيرها من الرذائل.

- إبعاد النفس عن كل ما يخالف الفطرة السليمة والذوق السلم.

رابعا: مخاطر المثلية والشذوذ الجنسي.

1- من مخاطر الشذوذ الجنسي:

        الشذوذ الجنسي ليس من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وإنما هو أمر مستحدث، ونتاج سلوكيات شاذة وغريبة على فطرة الإنسان. وقد يجهل كثير من الناس مخاطر وعواقب المثلية الجنسية، من مخاطر الشذوذ الجنسي، نسجل ما يلي:

- الاضطرابات النفسية: أظهرت عدة دراسات علاقةً مباشرةً بين ممارسة المثلية الجنسية والإصابة باضطرابات نفسية، منها دراسة نشرت عام 2001 قام بها فريقٌ هولندي حيث وجد أن المثليين يصابون بالاضطرابات المزاجية بمعدل 2.5 مرة عن غيرهم من الأسوياء وهذا ينفي مزاعم المثليين بأن الاضطرابات النفسية التي يصابون بها هي بسبب نظرة المجتمع إليهم، كما أظهرت دراسة اخرى ارتفاع معدلات الانتحار بينهم بالمقارنة بأقرانهم الاسوياء.

- الشذوذ هو السبب الأساس للإصابة بالعديد من الأمراض الجنسية الفتاكة.

- الشذوذ الجنسي فيه تعطيل للمهمة التي خُلق الإنسان من أجلها؛ وهي عبادة الله عز وجل وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وعمارة الأرض بالتزاوج والتكاثر، وفيه أيضا مخالفة صريحة للفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها، يقول الله عز وجل "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَة اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون" (الروم:30).

- أغلبُ المثليين لا يتذكرون متى أصبحوا مثليين، وهذا يجعلهم يعتقدون دائماً أنهم ولدوا مثليين. واثبتت الابحاث أن الطريق الذي نسلكه في الحياة تحدده السنوات الاولى من حياتنا. - خلال الفترة من سنة ونصف الى 3 سنوات يتم تحديد الهوية الجنسية للطفل ومن الصعب جداً تغييرها بعد ذلك الوقت، لذلك ليس من العجيب أن لا يتذكر أي من المثليين متى كانوا أشخاص طبيعيين.

- الشواذ جنسياً معرّضون بصفةٍ دائمة للإصابة بمجموعة من الأمراض أبرزها خلل بالجهاز المناعي ومشاكل جراحية بمنطقة الشرج وأمراض القولون والمستقيم والإيدز، ولذلك فالإصابات بهذه الامراض بين الشاذين جنسياً هي 8 أضعاف الاصابات بين الافراد العاديين في الدول الفقيرة و23 ضعفاً في الدول الغنية.

2- أرقام خطيرة ومخيفة:

- سنة 2015 تزوّج رئيس وزراء لوكسمبورغ “كرافيه بيتيل” من صديقه “غوتيه دستيناي” لتكون أول واقعة لزواج مثلي لسياسي بارز في العالم.

- الدانمارك أول دولة تضفي الشرعية على علاقات المثليين جنسياً، وذلك عام 1989، كما كانت هولندا أول دولة تسمح بزواج المثليين جنسياً بشكلٍ قانوني عام 2001، تلتها بلجيكا عام 2003 ثم توالت الكثير من الدول الاوروبية في ذلك.

- في دراسة ميدانية اتضح أن نحو 80% من الرجال المثليين الذين شملتهم الدراسة تعرّضوا للانتهاك الجنسي على يد شخصٍ بالغٍ قبل وصولهم لسنّ العاشرة.

- تعتبر "تل ابيب" في الكيان المحتل قِبلةً للمثليين في العالم، إذ تصدّرت قائمة المدن الأكثر جاذبية للسياح المثليين عن عام 2011، حيث تستضيف المدينة سنوياً مسيرةً لهؤلاء يطلقون عليها اسم مسيرة "الفخر" بلغ عدد المشاركين فيها العام الماضي 5000 شخص.

- تعد المثلية الجنسية جريمة في 76 دولةً حول العالم منها 5 دول تعاقب على هذه العلاقات بعقوبة الاعدام. وهذا غير كاف، فلابد لجميع الدول أن تعتبر المثلية الجنسية جريمة، وأن تعاقب عليها بأشد العقوبات.

خاتمة:

       لابد من التفكير في العودة إلى الفطرة السليمة، ثم بعد ذلك نتحمل مسؤوليتنا في إنقاذ العالم من المثلية والشذوذ، ومن التفاهة والكراهية والأنانية والفوضى والانحلال والظلم. مع استحضار أن طريق الإصلاح والتغيير طويل، لكن قطع المسافات الطويلة يبدأ بخطوة تتلوها خطوات.

       والإسلام هو طريق النجاة للبشرية، وهو خط الدفاع الأخير في مواجهة الإباحية والشذوذ الجنسي اللذين يحاولون فرضهما على العالم بشتى الوسائل، قال الله تعالى: "وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ، فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ، فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ، وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ" (النمل:54-58). والحمد لله رب العالمين.

 

[1] - يقصد به؛ النظرة إلى الأنوثة والذكورة بالمعنى العضوي، منفصلة عن البنية النفسية والأدوار الاجتماعية للأفراد.

[2]- تطبيعها تعني: أن تصبح طبيعية ومألوفة في المجتمع.





التالي
التعليم والاقتصاد.. التأثير والتأثر
السابق
معالم النصر والتمكين في سيرة الخلفاء الراشدين (4)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع