البحث

التفاصيل

إسلام الغربيات.. نماذج ودلالات

الرابط المختصر :

إسلام الغربيات.. نماذج ودلالات

بقلم: د. محمد العوضي

 

لا يمكن لأي باحث أو مفكر، يرصد السجال القديم المتجدد حول سؤال "نحن والآخر" وجدل "التأثير والتأثر" أن يغفل عن ظاهرة مضاعفة أعداد معتنقات الإسلام من النساء على معتنقيه من الرجال، في مجتمعات غربية، استقرت على نظام علماني مدني حداثي، يستعرض متعاليا على غيره من المجتمعات، تطبيق مبادئ حقوق الإنسان والتنوير والمساواة وقداسة الحريات الفردية.

وتأتي المفارقة ضمن محورين، أحدهما: أن صورة المرأة في الإسلام هي الموضوع الأكثر تشوها في الذهنية الغربية.!

وثانيهما: قلب قانون افتتان المغلوب بالغالب وتقمص المهزوم قيم المنتصر.

فالمشهد الجديد يكشف بشكل جلي أن نخبة نسائية مرموقة، من أوروبا الغربية بالذات، هي التي أحدث تحولها صدمة معرفية جديرة بالتأمل.  وهنا نستعرض بعضا من قصص المشهد.

تقول الشقراء الانكليزية "إيفون رايلي": بعد إطلاق سراحي اجتمع مئات الصحافيين، ينتظرون قنبلة تصريحاتي ضد الطالبان، فكان جوابي: لقد أحسنوا معاملتي.. فصدموا، وخيم عليهم الصمت!

* القصة الأولى: "شقراء وسط الملتحين"

بإمكان هذا العنوان أن يلخص المشهد.!

في عام 2008، وبدعوة من مركز "الوعي" للعلاقات العربية الغربية، الذي يهدف إلى فتح الحوار مع الغرب، حلت الصحافية الإنكليزية "إيفون رايلي" ضيفة على الكويت..

إيفون رايلي هي تلك المرأة التي خطفت الأضواء، أيام الحرب الأميركية على إمارة طالبان الأولى في أفغانستان عام 2001.

ألقت محاضرة ماتعة في المركز تحكي فيها قصة اعتقالها من البداية إلى النهاية، وبماذا خرجت من هذه التجربة من مفاهيم وانطباعات عن أشياء كثيرة، بما فيها مهمة الإعلام والإعلاميين، ما أحدث في نفسها انقلابا على كثير مما يجري في عالم السياسة والاقتصاد، والدين وحقوق الإنسان، والدعاية المسيسة للجماهير، وتضليل الشعوب.

أطالت "رايلي" الحديث عن المعاملة الغريبة والحسنة والمبهرة لحركة طالبان تجاهها، مدة الأيام العشرة التي اعتقلت فيها؛ لقد ذكرت جرأتها عليهم وشتمها لهم، وسخريتها منهم وتحديها لهم، وأخيرا البصقة القوية التي قذفتها في وجه أحد محاوريها؛ كل هذا وغيره من الإهانات والتحدي، لم يكن له أثر على رجال الطالبان الذين استمروا في حسن معاملتها.

قالت: "حتى عندما اكتشفوا من أول لحظة أنني إنكليزية متخفية في لباس أفغانية، بعد أن سقطت مني الكاميرا وفضحتني على الحدود، لم يفتشوني شخصيا، بل استدعوا امرأة قامت بتفتيشي بعيدا عن أعين الرجال".. وعندما عرفوا من التحقيق معها أنها ليست عدوا مقاتلا، منحوها وعدا بإطلاق سراحها، ووعدتهم بدورها أن تقرأ القرآن، مصدر الأخلاق الإسلامية.

تقول الشقراء الانكليزية "إيفون رايلي": بعد إطلاق سراحي اجتمع مئات الصحافيين، ينتظرون قنبلة تصريحاتي ضد الطالبان، فكان جوابي: لقد أحسنوا معاملتي.. فصدموا، وخيم عليهم الصمت!. وأوفيت بوعدي وقرأت ترجمة القرآن، وتعرفت على الإسلام، ثم أسلمت" وختمت محاضرتها بخاتمة، تقولها في كل بلد وفي كل لقاء.. قالت:

"إنني ألقي محاضرتي عليكم باللبس الشرعي الإسلامي، الذي أعطاني إياه نظام طالبان في السجن هناك.. وأحمد الله أنني سجنت في نظام طالبان الذي يصفونه بالشرير، ولم أسجن في معتقل غوانتانامو أو أبوغريب للنظام الأميركي الديمقراطيي، كيلا يغطوا رأسي بكيس ويلبسوني مريولا برتقاليا، ويربطوا رقبتي بحزام ويجروني على الأرض بعد أن يعروني من ثيابي".

ألفت رايلي كتابها "في أيدي طالبان"، ولها أيضا كتاب "تذكرة إلى الجنة" وكتاب عن "التعذيب أثناء التحقيقات هل يأتي بنتيجة".. وهي تناصر القضية الفلسطينية بقوة، وتتوشح بالعلم الفلسطيني في أسفارها.

قضت 18 شهرا بالصومال، واعتنقت الإسلام. وتقول: أقرأ القرآن، واسمي عائشة الآن.

* القصة الثانية: صوفي بترونين

احتجزت 3 سنوات و9 أشهر في مالي كرهينة وعادت مسلمة، وأسمت نفسها "مريم بترونين" وقالت لماكرون بمجرد وصولها المطار: أنا مسلمة، واسمي مريم.

* القصة الثالثة: الرهينة الإيطالية الشابة سيليفا رومانو

قضت 18 شهرا بالصومال، واعتنقت الإسلام. وتقول: أقرأ القرآن، واسمي عائشة الآن.

* القصة الرابعة: رابعة كريستين برودبيك

راقصة الباليه السويسرية، وصاحبة كتاب "من المسرح إلى سجادة الصلاة".. تروي كيف وقعت راقصة مشهورة عالميا في حب الإسلام ونبيه، وما الذي حصل معها. وفي حديث مثير، تشرح رحلتها الإيمانية من مدينة نيويورك إلى إسطنبول، حيث اعتنقت الإسلام.

* القصة الخامسة: ومثلها يانينيا السويسرية

أيضا كانت راقصة باليه شابة، وهي الآن الناطق باسم اللجنة النسائية في مجلس شورى مسلمي سويسرا.

* القصة السادسة: لورين بووث

وهي أخت زوجة توني بلير، رئيس الوزراء السابق لبريطانيا. أسلمت بسبب احتكاكها بالفلسطينيات في غزة، حيث حطم نضال المرأة الفلسطينية الصورة النمطية لدى الغربيات، عن سلبية وضع المرأة في الإسلام، إذ ثبتت الفلسطينية بحجابها وصلاتها وتمسكها بحقها، ضد ترسانة الأسلحة الإسرائيلية؛ وهي في الوقت ذاته حققت فاعليتها الاجتماعية كمدرسة وطبيبة وسياسية وإعلامية وحقوقية.

لماذا تسلم لورين بووث وتترك دينها؟!. سؤال يلح على الذهن، لا سيما وأنها من طبقة عالية في بريطانيا، مؤثرة في السياسة البريطانية، ولها علاقات كبيرة جدا مع أصحاب القرار.. إنها مع ذلك تسلم، وتواجه جميع التحديات والمغريات مقابل إسلامها.

ما سر الإقبال المتزايد من نساء الغرب أكثر من رجاله على الإسلام، رغم واقعنا الإسلامي التائه والمهزوم والمتراجع، والذي يعج بالمشاكل؟..

* القصة السابعة: كريستيانا باكر

الألمانية التي أسلمت في العام 95، هي مذيعة شهيرة في ألمانيا، في القنوات الفنية والموسيقية، فكانت مع النجوم والمشاهير من الفنانين والموسيقيين. وعلى الرغم من أنها لم ترتدِ الحجاب، تم فصلها من وظيفتها من القناة رغم العقد الجديد. وقفت ضد الإسلاموفوبيا والعنصرية الغربية المتصاعدة ضد المسلمين، وألفت كتابها "من MTV  إلى مكة ..كيف غير الإسلام حياتي؟".

* القصة الثامنة: الممثلة من أصول فرنسية إيرلندية إيميلي فرانكوس

أصبح اسمها "مريم".. تركت التمثيل وأسلمت عام 2003 بعد بحث واسع عن الأديان، ودرست اللغة العربية في كيمبردج، ثم واجهت الأفكار المهاجمة للإسلام وأصبحت داعية في الغرب. وهي الآن بروفيسور في هارفارد حيث تقوم بعمل بحوث تخدم الإسلام والمسلمين.

والآن، ما سر الإقبال المتزايد من نساء الغرب أكثر من رجاله على الإسلام، رغم واقعنا الإسلامي التائه والمهزوم والمتراجع، والذي يعج بالمشاكل؟.

مع ملاحظة أني قصدت اختيار غربيات ذوات تجارب مليئة بالمفارقات، بعضهن وقعن رهائن عند مجموعات جهادية مسلحة، وأخريات كن راقصات باليه، وغيرهن، من مستويات سياسية رفيعة.!

لن أسرد الأسباب والدوافع لأنها كثيرة. وممكن لأي باحث أن يستعين بالشهادات المباشرة لهن، أو بالدراسات الخاصة بهذه الظاهرة المربكة والصادمة للعقل الغربي!. ومنها دراسة لـ (أودري وجفري بيورك - جامعة كاليفورنيا اللوثرانية - أسباب اعتناق الإسلام - المفاهيم السيكولوجية والروحية للدين الإسلامي).

بقي أن نتساءل هنا في منطقتنا العربية والإسلامية: لماذا مسلمات الغرب الجديدات، من شتى المستويات الثقافية والبيئات الاجتماعية، لم يقعن أسرى المغالطات التي ترددها بعض الشرقيات المفتونات بالغرب ومنظومته الثقافية، من تشكيك وتجريح في أحكام الإسلام، وتصوراته تجاه المرأة والأسرة؟!. وما الذي حرر الغربيات وحصنهن، من التأثر السلبي بواقع المسلمين المتراجع والمهزوم، والمترع بالمشاكل الضخمة على كل الأصعدة؟.

أعتقد أن لب الجواب يكمن في أنهن لم ينطلقن من واقع المسلمين في الحكم على الإسلام، وإنما انطلقن من المبادئ المحضة، في القرآن والسنة والسيرة النبوية، واتخذن منها معيارا لتقييم مدى التزام المسلمين بدينهم من عدمه؛ أي أن الواقع محل للحكم وليس مصدرا للأحكام؛ فالمبادئ هي الميزان الذي نزن به الواقع.

وثمة محور جوهري، لايمكن التغاضي عنه في سياق حديثنا عن إسلام مغربيات، في بلادهن ذات الأنظمة الديمقراطية المدنية الحداثي.. لماذا هذا الرفض الغربي المتزايد والمتوتر، وما يصحبه من التنمر والإيذاء الذي تلقاه المسلمات الجديدات هناك من أصول غربية؟. فأين حرية الاختيار؟ وأين احترام الرأي الآخر؟ وأين دعاوى التعايش والتسامح؟ وماذا عن مركزية مبدأ الحرية الفردية؟

لقد زرت أوروبا ولاسيما سويسرا، البلد الذي احتضن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وطفت بالمساكن الخاصة، التي تبرع بها محسنون مسلمون، والتي تأوي إليها المسلمات الجديدات، المطرودات من بيوتهن ومن وظائفهن بسبب إسلامهن؟.!

لكن المنبهرين بالغرب لا يميزون لأنهم متحيزون؛ ولهذا تكون رؤيتهم معطوبة جراء الانبهار، الذي أسدل سُترا غليظة على أبصارهم وبصائرهم.!

وأخير، نذكر بقول الله تبارك وتعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أَمثالكم).

ويبقى السؤال المُلِح: ما الذي وجدته النساء الغربيات في الإسلام، وافتقدنه في منظومة الحضارة الغربية الحديثة؟!.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. محمد العوضي؛ الرئيس التنفيذي لمركز رواسخ للقضايا الفكرية المعاصرة

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 





السابق
كيف يخفف الإيمان بالقدر من وقع المصائب على المؤمن؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع