اهتمت وسائل إعلام عربية بزيارة وفد علماء المسلمين للرئيس أردوغان، وخرجوا بها عن سياق الزيارة الحقيقي، وما تحمله من دلالات، حيث كان المقصد الأول من الزيارة تهنئة الرئيس بعد فوزه في انتخابات كان لها طابعها الخاص وتابعها العالم كله.
سعى د. محمد جورماز رئيس شؤون الديانة السابق، والقائم على أمر الزيارة لجعلها لقاءً تاريخياً، وليس مجرد زيارة تهنئة، وأحسب أنه تحقق له ما أراد، وأن النية الطيبة كانت وراء تحقيق المراد، حيث ظهرت رغبته في أن يتحدث كل أعضاء الوفد، بما يمثلون من مدارس مختلفة، وجغرافيا متنوعة، في الوقت الذي أبدى فيه العلماء رغبتهم جميعاً في الاقتصار على الكلمات الرسمية من رؤوساء الوفد د. عصام البشير ود. علي القره داغي، أو يضاف إليهما كلمتان أو ثلاثة على الأكثر، وأظهر العلماء صورة كريمة من الحرص على الصالح العام وتقديم الأصلح.
لكن حرص د. جورماز على صورة عالمية الوفد وتنوعه، رجحت كفة أن يتحدث الجميع كلمات مختصرة بعد الكلمات الرئيسة، وكان من تواضعه الجم وإكرامه لإخوانه، أنه استقبل الوفد في مكتبه، وعقد اجتماعاً تحضيراً مطولاً قبل لقاء الرئيس، ورفض أن يذكر أية محددات أو مسارات للحديث، وقال أنتم من تعلمون الناس مراعاة المقام، ولو كان لي من نصيحة وحيدة، فهي تجنب مدح مواقف الرئيس الكريمة، فإنه لا يحب المدح، كما أنه لا يليق بمقامكم.
مع دخول الرئيس أردوغان لمكان الاجتماع ابتدر الجميع بتحية الإسلام، مع ابتسامة عريضة وبشاشة بادية، أضفت على اللقاء طابع الأخوّة والحفاوة، وأكد على هذه المشاعر ما حملته كلمات الرئيس من تقدير لمواقف العلماء تجاه #تركيا، ومساندتهم ودعاهم أثناء الانتخابات الرئاسية، وصَدَّر فواتح كلمته -المعدة بعناية- بقوله: يا ورثة "الأنبياء".
وحرص على التعقيب على كلمات بعض المشايخ والاستفسار منهم عن أحوالهم الخاصة، وأحوال بلادهم العامة، كما فعل مع فضيلة الشيخ أسامة الرفاعي مفتي سوريا، وفضيلة الدكتور علي الصلابي المؤرخ الليبي المعروف، وحمَّل د. نواف تكروري السلام لكل أهل فلسطين، وختم اللقاء بممازحة فضيلة الشيخ برهان سعيد الأمين العام لرابطة علماء إرتريا -قلب بلاد الحبشة- حيث قال له الرئيس: أسمعني آذان بلال بن رباح الحبشي. وكان الشيخ برهان بالفعل قد رفع أذان الظهر عند د. محمد جورماز، فقال له: لعله لو أدركنا وقت العصر، تسمعون الأذان بإذن الرحمن، وكنا ننتظر صورة جماعية كما يحدث في مثل هذه المناسبات، وإذا بالرئيس يقول بل صورة مع كل واحد منكم، حيث أحضرت لكم أعظم هدية "القرآن الكريم"، وأهدى أعضاء الوفد نسخاً من مصحف مذهب كبير، كتبه الخطاط العثماني حسن رضا.
لعل هذه الحفاوة، وطول وقت الزيارة، وما نوقش فيها من قضايا الأمة، كان وراء التشويه المتعمد لها من قبل قناة (العربية) وغيرها، حيث عقدت أكثر من ست حلقات تليفزيونية، بخلاف التقارير الصحفية، للشغب على الحدث، وتشويه ما طرح من مطالب عامة، كالمطالبة بجامعة إسلامية عالمية تليق بقرن تركيا الجديد، ومع النص في الطلب على جملة على "غرار الأزهر الشريف" إلا أنهم حرفوا الكلم عن مواضعه، وقالوا إنها دعوة لاستبدال الأزهر بغيره، مع أن الفكرة الأولى كانت من فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ابن الأزهر والكُتاب، وجدد الطلب وذكّر به فضيلة الشيخ علي القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والذي يفتخر في كل موطن بأنه ابن كلية الشريعة الغراء بجامعة الأزهر الشريف، وأنه التحق بالجامعة العريقة والمعهد العتيق، بتزكية من الإمام الأكبر فضيلة الشيخ عبدالحليم محمود رحمه الله.
وفي تصوري أن الذي حرك مكامن الغضب عند الشانئين، مطالبة العلماء في بيانهم الرسمي بالسعي لإطلاق العلماء المعتقلين، وتأكيدي على ذلك في كلمتي بشيء من التفصيل، وطلبت تعميم الشفاعة لتشمل سائر المظلومين والمعتقلين، الذي تصل أعدادهم في بلدي -مثلاً- إلى عشرات الآلاف.
ويبقى أهم دلالات الزيارة ورسائلها، أنه يندر أن تجد رئيساً أو زعيماً في العالم الإسلامي، يمكن أن يستقبل مثل هذا العدد من العلماء، ويفرد لهم هذه المساحة، ويقابلهم بهذه الحفاوة، كما فعل الطيب #