أيسرُ طريق للتخلُّص من القلق والحيرة
بقلم: د. محمد وثيق الندوي
أرى كثيرًا من الفتيان والشباب، في هذه الأيام، يعانون من الشرود الذهني، والقلق النفسي، والتشتت الفكري، ويشكون أمراضًا، سلبتهم الراحة، وهدوء البال، وطمأنينة القلب، وأقضت مضاجعهم ، وأطارت النوم من عيونهم، وتساورهم الظنون السيئة، وتراودهم الأفكار المتشتتة، وتخدعهم الأماني الحلوة، والأحلام المعسولة، وتجذبهم المغريات والشهوات إلى هنا وهناك، فيبحثون عن ملجأ يويهم، وينقذهم من الهلاك، وعن أشجار تظللهم بظلالها الوارفة، وعن دوحة تحنو عليهم حنو المرضعات على الفطيم، وواد يقيهم لفحة الرمضاء، ويسقيهم مضاعف الغيث العميم، ويرشفهم على ظمأ زلالاً ألذ من المداومة للنديم، ولكن سرعان ما تخيب آمالهم، ويذهب بحثهم سدى، فيصابون بصدمة عنيفة، حتى تلجئهم الظروف في بعض الأحيان إلى الشرود والتيه حتى الانتحار، فما هو السبب وراء هذه الحيرة المردية؟ وما هو الحل؟.
ولهذه الحيرة المهلكة أسباب؛ منها عدم اللجوء إلى خالق الكون رب العالمين، وعدم الاتصال بشخصية دينية صالحة ذات ربانية صادقة، والولوغ في المحرمات والمنهيات، وارتكاب المعاصي والآثام، ونقص التربية الدينية والخلقية، والانسياق وراء الحضارة المادية الداجلة، والانجرار وراء الموضات الملحدة، والاشتغال بالكتابات الماجنة، ومشاهدة القنوات الهابطة، والمواقع الساقطة، والاشتغال الكثير بالجولات، ومشاهدة البرامج الخليعة، وهلم جراً....
وأما الحل فهو يكمن في التوبة الصادقة إلى الله تعالى، والإكثار من ذكر الله، وتلاوة كتابه العزيز القرآن الجايد" قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ، الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "(الرعد: 27-28) ويحلو لي أن أذكر ما كتبه الشيخ محمود القلعاوي في مجلة "الوعي الإسلامي" الكويتية بتغيير يسير، وفيه حل للقلق والحيرة المردية، فيقول:.
" كان جالسًا أمامي في قطاري العائد من جامعتي إلى قريتي التي تربيت فيها، وشهدت أجمل أيام حياتي، شيخ بلحيته البيضاء، ووجهه المشع بالنور من طاعته لربه، فأردت أن أحدثه بحالي وبأمري وبما أعاني، فوجدت بسمة على وجهه لم أر لها مثيلاً من قبل.. رأيت فيها حنان الأب، ورقة الحبيب.. قال: يا ولدي أشعر بقلبك ينبض بالإيمان، يريد رضا ربه فزعاً خائفاً من غضبه، نعم أشعر بكل هذا.. أشعر بك وأنت كاره لما تصل إليه وما تقع فيه.
ثم أكمل شيخي الحبيب كلامه: يا ولدي الحبيب أرى أنه لا ينقصك علم، فكلماتك تدل على أنك ممن يعلمون الكثير.. ولست محتاجًا لأن أذكرك بأمر الله بغض أبصارنا: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ".
ولكن يا حبيب القلب تنقصك الإرادة.. نعم الإرادة القوية التي تخرجك من الدائرة التي تعيش فيها.. الإرادة التي تأخذ بيدك فتخرج من دائرة الوقوع و السقوط،إلى التوبة، ثم البكاء، ثم الصلاة، ثم صيام فترة معينة، نعم الإرادة .
قلت له: ولكني أريد أمورًا عملية وخطوات أسير عليها نحو العلاج، فقال لي: لك هذا لنتكلم في خطوات عملية لمشكلتك:
أولها: أن تلجأ لخالقك فتنصب قدمك بين يدي الرحمن ليرحمك.. أطل سجودك.. بلل وجهك بالدموع.. يا ولدي قل يا رب، ليس من فمك؛ ولكن من قلبك. وثانيها: أن تبتعد عن الأماكن التي تكثر فيها النساء.. وتجنب الخلوة؛ فالشيطان هو الثالث.. في كل مكان ابتعد.. بل فرّ كما تفر من المرض المعدي، ففي هذا النجاة. وثالث هذه الخطوات: أن تجتنب القنوات الهابطة والمواقع الساقطة والمجلات الخليعة. وأما رابعها: فابتعد عن رفقة السوء. وخامسها يا ولدي فتجنب أن تجلس منفرداً مهما كان الأمر.. فالشيطان من الواحد أقرب ومن الاثنين أبعد ومن الثلاثة أبعد وأبعد، وهكذا، فألق بنفسك في أحضان الصالحين ولا تفارقهم .
ومن المهم بمكان أن تشغل نفسك بالخير، وما أكثر هذه السبل.. زر مريضاً.. صل رحمك.. اقرأ شيئاً نافعاً.. اجلس مع أصحابك.. اعتكف في المسجد.. المهم ألا تجلس فارغاً ولو دقيقة.. فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.. .
وهنا كانت محطة نزولي فاستأذنته ووجهه البشوش لا يفرق ذهني عازماً ألا أعود إلى معصيتي مهما كانت المغريات ".
فلابد من العناية بنفسه قبل غيره، وإننا نشاهد في هذا العصر الذي نعيشه أن الإنسان لا يهمه أمر نفسه، كما يهمه أمر غيره، فكل منا يحاسب عيوب غيره، ويتتبعها ويعدِّدها، ويعيب على كل منظمة ومؤسسة وحركة ما صنعته، و ما أنجزته، ولا يدعه ذلك أن يلتفت إلى نفسه، فينهاها عن غيها، ويحاسبها على نقائصها، ومعايبها، فيستخدم الوسائل لإزالتها،فعلى أولياء الأمور أن يعتنوا بتربية الشباب عناية كاملة، لأنها-كما كتب الإمام الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي- " كالدم في الجسم الإسلامي أو الإيماني للحياة، وأول وأهم ما ينقص اليوم حركاتنا الدينية والإسلامية هو هذا العنصر الهام، ومن هنا يسقط الشباب في وسط الطريق، وتنهار أعصابهم، وتخور قواهم، ولو تمت تربية السيرة والسلوك فيهم على الكتاب والسنة لثبتوا إلى آخر الطريق ثبوت الجبال الراسيات".
وعلى الشباب أن يكونوا على صلة دائمة بمصدر الهداية والإرشاد، ويتلقوا الزاد الإيماني عن طريق التأسي بأسوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته البررة، وأتباعهم بإحسان، والجلوس عند العلماء الربانيين والصالحين، وقضاء ساعات في صحبتهم، فيشحنوا قلوبهم بحرارة إيمانية وشحنة إيمانية كما تشحن البطارية عند الفراغ.