الرابط المختصر :
أنهى مجموعة من الأكاديميين بجامعة لانكستر البريطانية إعدادهم لمشروع بحثي بعنوان "صورة المسلمين في الصحافة البريطانية 1998- 2009" تناولوا فيه تحليل 200.000 مقالة تناولت قضايا متعلقة بالإسلام والمسلمين عبر أحد عشر عاما.
ويمثل هذا المشروع ملخصا لدراسة مفصلة تحمل عنوان "تحليل الخطاب والتحيز الإعلامي: صورة الإسلام في الصحافة البريطانية"، والمزمع نشرها في العام القادم 2012 عن مطابع جامعة كمبريدج.
ويُعد البحث الذي موله مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية ببريطانيا أكبر دراسة تفصيلية تم إصدارها حتى يومنا هذا في هذا المبحث، برغم اقتفائها نفس المنهج العلمي الذي سارت عليه العديد من الدراسات السابقة من شاكلة "صورة الإسلام في المملكة المتحدة: صورة المسلمين البريطانيين في الميديا الإخبارية الوطنية 2000- 2008" والصادرة عن جامعة كارديف الويلزية عام 2008، والمشروع البحثي الذي حمل عنوان "تصوير الميديا للدين والمقدس العلماني" الصادر عام 2010 تحت إشراف البروفيسور "كيم نوت" وبتمويل من مركز الأبحاث الاقتصادية والاجتماعية ومركز الأبحاث الفنية والإنسانية البريطانيًين.
ونشر ملخص الدراسة موقع (iengage.org.uk) المتخصص في تعزيز وعي وسائل الإعلام في المشاركة السياسية والمدنية بين أوساط المسلمين البريطانيين 15 نوفمبر 2011.
وقد أكدت الدراسة التي أجراها كل من د. "بول بيكر" والبروفيسور "توني ماكينري" ود. "كوستاس جابريلاتوس" على النتائج التي توصلت إليها الدراسات السابقة عليها والمتعلقة بعدم موضوعية الميديا البريطانية وتحيزها للمجموعات المهمشة على حساب التيار الإسلامي العام، فضلا عن ربط مصطلحات بعينها بالإسلام والمسلمين لتصدير صورة مغلوطة وتشويه المضمون الحقيقي للإسلام.
وقد بلغت أعداد الكلمات التي قامت الدراسة بالتعاطي معها عبر مائتين ألف مقالة تناولت الإسلام والمسلمين 143 مليون كلمة تم تحليلها عبر أحد برامج الحاسوب للبحث وتحديد النماذج اللغوية المختلفة التي تم استخدامها في هذه المقالات للوقوف على الطريقة التي يتم من خلالها رسم ملامح الإسلام والمسلمين في الصحافة البريطانية.
وأكد الفريق البحثي الذي اضطلع بالدراسة أن التنميطات التي اعتمدتها العناوين الصحفية قد روجت لصورة سلبية عن الإسلام بوجه عام والجالية المسلمة ببريطانيا بوجه خاص.
وفي هذا السياق أوردت الدراسة بعض العناوين من شاكلة: "المسلمون يقولون للبريطانيين: فلتذهبوا إلى الجحيم" (صحيفة Daily Express، عدد 4 نوفمبر 2010) و"إذاعة بي بي سي تفضل المسلمين عليكم" (صحيفة The Star، عدد 18 أكتوبر 2006) و"المدارس الإسلامية تحظر ثقافتنا" (صحيفة Daily Express، عدد 20 فبراير 2009).
أما الجزء الأكثر تشويها للصورة الإسلامية والذي لم يتورع عن استخدام عبارات ذم وقذف صريحة، فقد جاء على يد كتاب الأعمدة بصفة عامة، وفي صحيفة The Sun بصفة خاصة؛ وتمثل الدراسة لهذا النوع من الكتابات بالكاتب "جولي بورشل" والذي كتب في مقالة له عن المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب بصحيفة The Sun، عدد 24 يونيو 2009 "لقد أعطينا الفرصة لأموات متكفنات أن يهزأن بحريتنا وتسامحنا كل يوم".
وفي السياق ذاته تورد الدراسة ما كتبه "جيرمي كلاريكسون" بنفس الصحيفة، عدد 30 يونيو 2007: "لقد سمحنا للمسلمين أن يسيروا في شوارع لندن ليحثوا المارة على تدمير ناطحات السحاب وقتل الكفار".
وكتب "جون جونت" بنفس الصحيفة، عدد 20 يونيو 2008، "لقد بددنا آلاف الجنيهات لتقديم الدعم القانوني لحفنة من الفتيات المسلمات اللاتي يتصفن بالسخف لرفع الدعاوى ضد مدارسهن للحصول على حقهن في ارتداء غطاء للوجه داخل المدرسة".
وتشير الدراسة إلى أن ثمة العديد من الشكاوى التي قدمت ضد هؤلاء الكُتًاب الإسلاموفوبيين إلى لجنة الشكاوى الصحفية، إلا أن رد الأخيرة لم يتمخض عن جديد، حيث أكدت أن "العمود الصحفي لا يعبر إلا عن راي كاتبه"، تلك العبارة التي لم تأل هذه الصحف، ومعها هؤلاء الكُتًاب، جهدا في استغلالها للاسترسال والسدر في تقديم هذه الصورة التميطية.
وتشير الدراسة إلى منهجية صحفية أكثر تطرفا وأشد وطأة من هذه الإساءات الصريحة والمباشرة ضد المسلمين، وهي تلك المنهجية التي تعتمد على التلميح وتقديم معان وصور ضمنية يبرز فيها المسلمون وكأنهم فصيل بشري من نوع خاص ومستقل عن بقية المنظومة الإنسانية.
وتمثل الدراسة لهذا النهج الاستخفائي بعبارات واصطلاحات مثل "العالم الإسلامي" والتي غالبا ما تستخدم في سياقات تتعاطى مع قضايا الإرهاب والتطرف والصراعات الإنسانية والحضارية إلى غير ذلك من خلفيات تصدر عن ترميز سلبي ضد الإسلام والمسلمين.
فالصحف البريطانية -وفقاً للدراسة- عادة ما تورد لفظة "مسلم" أو "مسلمون" إلا وتتبعها بصفات مثل "متطرف" أو "متعصب؛ وتُعد جريدة The Guardian الأقل بين الصحف البريطانية في استخدام هذه الطريقة إذ لا يتعدى وقوع هذ التلازم اللفظي (بين "مسلم" و "متطرف") إلا في حالة واحدة من بين كل ست وثلاثين حالة؛ بينما تأتي صحيفة The People على قمة الهرم الاستعمالي لهذا التلازم في الأسلوب، وما يتبعه من ترادف في المعنى، بمعدل حالة من بين كل ثماني حالالت.
ومن الطريف أن الصحافة البريطانية قد عانت فترة من التعثر في تحديد كنه من يمكن أن يُطلق عليهم "المتطرفون المسلمون" وتناوبت عليها ألفاظ متعددة تحمل دلالات مختلفة تدل على ارتباك واضح في فهم دلالة هذا الاصطلاح.
ففي عام 1998، استخدمت الصحافة البريطانية لفظة hardliners (المتشددون)، ثم عادت لتعدل عن هذا اللفظ عام 2001 إلى fanatics (المتعصبون).
أما الفترة بين عامي 2002 إلى 2006 فقد اتسمت بشيوع لفظ militants (المسلحون) لتتحول في الفترة من 2004- 2008 إلى radicals (الراديكاليون)، إلا أن هذا الوصف الأخير لم يشهد الشيوع الذي شهدته التوصيفات السابقة واللاحقة، حيث درجت الصحف بداية من عام 2005 إلى إيراد كلمة extremists (متطرفون) للإشارة إلى "المتطرفون المسلمون".
وتؤكد الدراسة أن الإشارة إلى "المتطرفون المسلمون" بوجه عام قد استوعبت مساحات في الفضاء الصحفي البريطاني أكبر بكثير من تلك التي تعاملت مع "المعتدلين المسلمين"؛ وفي هذا السياق تورد الدراسة إحصائية (مرعبة) حيث تؤكد أن الاستخدام الواحد للفظة "مسلم معتدل" يقابلها إحدى وعشرين استخداما لكلمة ""مسلم متطرف"، بل تمضي الدراسة ابعد من ذلك لتؤكد أن كلمة "مسلم معتدل"في الصحافة البريطانية كانت دائما ما تأتي في سياق مدح ينضوي على أن "المسلمون المعتدلون أفراد طيبون لأنهم غير مكتملي الإسلام".
وتخلص الدراسة في هذا الباب إلى أن الصحافة البريطانية اتسمت دائماً بعدم الموضوعية في استخدامها لفظة "إسلامي" وأنها أصرت دائما على إيراد هذا التوصيف في سياقات تنضوي على تضمينات سلبية.
كذلك تشير الدراسة إلى تعمد صحيفتي The Daily Mail و The Express إهانة المسلمين وذلك باستخدامها كلمة Moslem بدلا من Muslim (لاحظ الفرق بين الهجاء في الكلمتين) حتى وقت قريب، حيث يصير منطوق الكلمة الأولى قريب من لفظة "مظلم" في اللغة العربية.
ولم تعدل الصحيفتان عن الهجاء الأول إلى الثاني إلا بعد مخاطبة المجلس الإسلامي لهما في هذا الشأن، حيث استجابت صحيفة The Express لهذا المطلب عام 2002، بينما تأخرت استجابة صحيفة The Daily Mail إلى عام 2003.
فيما تشير الدراسة إلى أن لفظة Muslim لم ترد بصحيفة The Mail في سياق إيجابي إلا عند الإشارة إلى الدور الذي يقوم به مجموعة من المسلمين للانفصال عن مجموعة أخرى، مثلما حدث عندما أٌجبر أحد المسلمين على ترك جمعية خيرية اعتراضا على دوره في دعم القيم العائلية التقليدية (صحيفة The Daily Mail، عدد 15 يونيو 2006).
المصدر: إسلام أون لاين