منع النقاب ونهضة التعليم المصري!!
بقلم: عصام تليمة
أين حزب النور من كشف العورات؟!
أصدرت وزارة التربية والتعليم قرارًا، بمنع ارتداء الفتيات النقاب في المدارس، وأن من تريد ارتداء الحجاب فلا بد من إذن ولي الأمر.
القرار تحوطه الغرابة من جهات عدة، ولا ندري ما الداعي له في هذا التوقيت: هل أمني، أم ثقافي، أم تعليمي، أم ديني؟ أم أنه لا علاقة له بذلك كله، وفي الغالب سيتجه الفكر العاقل إلى ذلك، حيث لا يوجد مبرر منطقي في القرار، ولا سياق له، ولا حادث سبقه، سواء كان مفتعلًا أو حقيقيًا.
الخلاف الفقهي في النقاب معروف، وكان منذ عهد النبوة والصحابة، وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لأنه خلاف في مسألة فقهية، ومنع الخلاف أمر مستحيل، سواء اختلاف الناس في الأصول، من حيث الإيمان بالله والكفر به، أو من حيث الفروع في داخل الدين الواحد، ففي كل دين آراء واختلافات، ومذاهب شتى، وليس الإسلام بدعًا في ذلك، بل الخلاف الفقهي علامة صحة إذا لم يكن مبنيًا على إقصاء الرأي الآخر.
والتبرير لمنع النقاب بأنه عادة أو لباس جاءنا من الخليج، تلك الحجة التي يروجها دائمًا الكارهون للإسلام السياسي وأتباعه، ويطفح من كلامهم بغض التدين نفسه، فهو كلام فارغ، فالنقاب موجود في الأديان السماوية قبل الإسلام، وموجود في الإسلام منذ دخوله بلاد العرب وغير العرب، وموجود في مصر قبل الخليج، وقبل البترول بقرون، وكتب الفقهاء المصريين مملوءة بهذا القول الفقهي.
علاقة الحكومة بالنقاب:
وانبرى بعض المشايخ يبيح ذلك للسلطة، بحكم منهج هؤلاء المشايخ، فكل ما تقوم به السلطة فهو أمر مباح، وهو للمصلحة العامة، سواء كان هدمًا لمقابر تاريخية، أو لمنع النقاب، ولو كان القرار بالعكس، لأيدوه أيضًا ونافحوا عنه، من باب المحافظة على التراث، أو تشجيع الحرية الشخصية في التمذهب والتدين، والمشايخ الذين يؤيدون الفعل دائمًا يبرزون قاعدة فقهية وهي: حكم الحاكم يرفع الخلاف، أي: أن ولي الأمر لو تبنى رأيًا فقهيًا في مسألة مختلف فيها، فرأيه يرفع الخلاف، والناس تلتزم برأيه.
وهو كلام صحيح في الجملة، لكن في التفاصيل فهناك تلاعب يتم من مشايخ السلطة بالقاعدة وتطبيقها، فالكلام عن ولي أمر يفقه في الشرع، وهو حسب شروط الفقهاء من أهل الاجتهاد الفقهي، هذا الاجتهاد الذي لا يصل إليه مجموع مشايخ السلطة كلهم، فما بالنا بحكام نحمد الله تعالى لو أحسنوا قراءة الفاتحة، أو فهم المسائل الفقهية، فهل مثل هذا إن تبنى رأيًا يلزم الأمة به؟!
ثم إن كلام الفقهاء فيما يتعلق بالمصالح العامة للأمة، وليس فيما يتعلق بالتدين الفردي، والنقاب في هذه الحالة ليس مصلحة عامة، أو ضررًا عامًا للأمة، بل متعلق بالتدين الفردي للمرأة، فيما يتعلق بعورتها، هل الوجه عورة أم لا؟
هل خلع النقاب سينهض بالتعليم؟!
والسؤال الأهم هنا: هل مشكلة التعليم في مصر هي النقاب؟ وهل العائق عن النهوض بالتعليم والمدارس والمعلم والتلميذ في قطعة القماش تلك التي توضع على وجه الطالبة أو على رأسها؟ وهل إذا تم منع النقاب أو الحجاب نفسه في المدارس ستنطلق نهضة علمية كبرى في البلاد؟
المتأمل في حال التعليم في مصر يدرك تمامًا أزمته، وما أكثر أزمات التعليم، بداية من المنهج الذي يدرسه الطلاب، ومرورًا بالمبنى التعليمي، وشكوى كل عام من تكدس الطلاب، وانتشار صور جلوس الطلاب على الأرض، وحال المعلم الذي أصبح حالًا مزريًا، وعندما قام منذ يومين في الحوار الوطني أحد المتحدثين متكلمًا عن حال المعلم والتعليم، تم اعتقاله.
وهناك أزمة في النهوض بالمعلم، وأزمة عند أولياء الأمور من الدروس الخصوصية، وحرب كل عام التي تشعلها الوزارة مع المعلمين في المراكز التعليمية، مما حوّل التعليم في مصر إلى تجارة، كل هم أصحابها إخراج ما في جيوب أولياء الأمور، والجور على المعلم وعدم تقديره، والحط من راتبه على حساب رواتب ومهام أخرى في الدولة.
إنها ذريعة تهرب بها الوزارة من مشاكلها الحقيقية لحشد عدد من الإعلاميين في ظهر الوزير ووزارته، ولغض الطرف عن الكوارث التي تكتنف العملية التعليمية من كل وجوهها، لأنه لا توجد أزمة بالأساس، فعدد المنتقبات في المدارس بل في مصر كلها، ليس عددًا يؤدي إلى أزمة، ولو أن الوزير أمين في قراره، لأخرج نسبة المنتقبات أولًا في المدارس، وبيّن المخاطر التي يتسببن فيها إن وجدت، ولبيّن الأثر الذي سيعود في العملية التعليمية.
قرار لا ينم عن أي عقلية تربوية، ولا عقلية علمية بالمرة، لأنه يصنع –شئنا أم أبينا– عداء مصطنعًا بين التعليم والطالبة، فما شعور طالبة ترى أن وجهها عورة، ولها الحق في ستره، كما لزميلتها الحق في لبس ما شاءت، ضيقًا أو واسعًا، شفافًا أو ساترًا، بينما تمنع هي من دون سبب مقنع دينيًا أو قانونيًا، فآثار القرار سلبية فقط.
استيراد مشاكل الغرب لبلادنا:
قرار منع النقاب كشف عن أمر آخر خطير، وهو أننا للأسف ابتلينا بنخب سواء ثقافية أو في السلطة، تجلب لبلادنا مشكلات الخارج الأوروبي العلماني، لبلاد لم تكن لديها مشكلة مع الدين أو التدين يومًا ما، فالغرب الذي يقف موقفًا متصلبًا من النقاب والحجاب، كما في فرنسا المشهورة بعلمانيتها المتطرفة بحسب تقسيم المختصين في العلمانية، ربما وجدوا له مبررًا بحكم نشأة هذه الدول، وموقف الكنسية من العلم في القرون الوسطى، ولذا يظل الصراع محتدمًا بينها والمؤسسات الدينية، بل والتدين والدين نفسه.
لكن العجيب أن هذا الصراع لم تعرفه مناطقنا العربية والإسلامية يومًا، ولو حدث في أحداث محددة ومحصورة تاريخيًا، فإنه لا أثر له في الواقع المعيش، فلماذا دومًا تجلب هذه النخب مشكلات لا تتعلق ببلداننا ليس فقط لتطرحها، بل لتفرضها في بلادنا رغم عدم وجود أي سياق لها.
أين حزب النور من كشف العورات؟!
الملاحظ أيضًا في هذا القرار هو الغياب التام لحزب النور السلفي في مصر، من قضية تعد بالنسبة له عورات وحرمات وشرف المرأة المسلمة، فالنقاب بالنسبة لهذا الفصيل ومن يتبنى رأيه الفقهي، هو عورة من العورات الواجب سترها، وهذا قرار يقتضي بكشفها دون ضرورة، وسر السؤال عن: أين حزب النور؟ لأن رمزه الأكبر ياسر برهامي، لمّا سئل لماذا وقفت وحزبك مع الإجراءات التي تمت في 3 يوليو 2013 ضد محمد مرسي والإخوان؟ فقال: لأن صورة الدعوة اهتزت، وصورة المتدين، لقد بلغني أن ثلاث منتقبات أشاروا لأكثر من تاكسي، ورفض أن يركبن معه لأنهن منتقبات!! فلم نسمع عن اعتراض لبرهامي، ولا لنواب النور في البرلمان المصري، ولم نر أي رد فعل يتناسب مع دعاية الحزب عن نفسه، بأنه حزب سلفي، ولا ندري متى يخوض الحزب معارك، ومتى يكون لا يسمع، ولا يرى، ولا يتكلم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عصام تليمة؛ داعية إسلامي ومحاضر. عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين