البحث

التفاصيل

مدونة الأسرة بين الشريعة الإسلامية السمحة والشركاء المتشاكسين

الرابط المختصر :

مدونة الأسرة بين الشريعة الإسلامية السمحة والشركاء المتشاكسين

بقلم: الأستاذ بن سالم باهشام

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

[سلسلة خطبة الجمعة]

عباد الله، في أحد الأيام، أراد المحامي “ريتشارد ميل هاوس نيكسون” المزداد في 9 يناير 1913 والمتوفى في 22 أبريل 199. والذي هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابعة والثلاثين  من الفترة (1969 إلى1974م)، والزعيم للتيار العالمي (المضاد للتيار الانغلاقي) داخل الحزب الجمهوري، أراد أن يقرأ عن الإسلام، فطلب من المخابرات الأمريكية أن تعد له بحثًا في ذلك الموضوع، وبالفعل؛ نفذوا أوامره، ولكن بحثهم كان طويلا بعض الشيء، فطلب من مستشاره ” روبرت گرين ” أن يقرأ البحث ويختصره له. ومستشاره هذا له كفاءة علمية عالية، وتقلب مناصب عديدة وعالية، إذ حصل على دكتوراه في القانون العام، ثم دكتوراه في القانون الدولي، وأصبح رئيساً لجمعية “هارفارد للقانون الدولي”، ومستشار الرئيس الأمريكي نيكسون للشؤون الخارجية، ونائب مدير مجلس الأمن القومي الأمريكي، ويعتبر أحد كبار الخبراء السياسيين في أمريكا، ومؤسس مركز الحضارة والتجديد في أمريكا، ويتقن ست لغات حية. وبالفعل؛ قرأ المستشار “روبرت” البحث، ثم ذهب يحضر ندوات ومحاضرات إسلامية، ليتعرف أكثر على الموضوع، وما هي إلا أيام، حتى دوّى خبر إسلام المستشار (روبرت كرين) أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل ..! وسمى نفسه “فاروق عبد الحق” … ويقول في سبب إسلامه: (بصفتي دارسا للقانون، فقد وجدت في الإسلام كل القوانين التي درستها، بل وأثناء دراستي في جامعة هارفارد لمدة 3 سنوات، لم أجد في قوانينهم كلمة “العدالةّ”،ولو مرة واحدة …في حين أن هذه الكلمة وجدتها في الإسلام كثيراً)..

عباد الله، لقد كان إسلام هذا الفقيه القانوني، والرجل السياسي المحنك، سنة 1981 م، وسمى نفسه (فاروق)، تأسيًا بالفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه، الذي كان إمامًا للعدل بعد النبي صلى الله عليه وسلم..

عباد الله، يقول المستشار الأمريكي”روبرت كرين” سابقا، و”فاروق عبد الحق” لاحقا: (كنا في حوار قانوني، وكان معنا أحد أساتذة القانون من اليهود، فبدأ يتكلم، ثم بدأ يخوض في الإسلام والمسلمين، فأردت أن أسكته، فسألته: هل تعلم حجم قانون المواريث في الدستور الأمريكي ؟ قال: نعم، أكثر من 8 مجلدات، قال:  إذا جئتك بقانون للمواريث؛ فيما لا يزيد على عشرة سطور، فهل تصدق أن الإسلام دين صحيح ..؟ قال: لا يمكن أن يكون هذا.  فأتيت له بآيات المواريث من القرآن الكريم، وقدمتها له، فجاءني بعد عدة أيام يقول لي: لا يمكن لعقل بشري أن يحصي كل علاقات القربى بهذا الشمول الذي لا ينسى أحدًا، ثم يوزع عليهم الميراث بهذا العدل الذي لا يظلم أحداً … ثم أسلم هذا الرجل اليهودي)

عباد الله، هذه شهادة من عالم متخصص حول عدالة الإسلام عموما، وأحكام المواريث خصوصا ، وهو الدكتور روبرت كرين (فاروق عبد الحق)،وهو ما زال حياً يرزق ، وعمره 91 سنة. [المصدر: موقع ويكيبيديا ].

عباد الله، عار على الغني أن يمد يده يتسول، ونحن أغنياء بديننا الإسلام، فعار علينا أن نمد أعيننا إلى القوانين الوضعية، ونستصغر قانون ربنا الذي شهد لعدالته وإعجازه حتى الأعداء.

عباد الله، إن مثلنا كمثل امرأة تقف لتتسول أمام باب المسجد كل يوم، وفي يوم من الأيام، رآها إمام المسجد فسألها: لماذا يا أمي وأنت سيدة فاضلة، وابنك كان من أهل المسجد، تقومين بهذا الفعل، وتمدين يدك للغير، واليد العليا خير من اليد السفلى؟ قالت: كما تعلم يا شيخنا، إن ابني هذا وحيد، وليس له إخوة؛ وزوجي مات منذ سنوات طويلة، وابني سافر منذ 8 شهور، وترك لي مبلغاً لأنفق منه، واضطررت للتقشف في معيشتي، ولما انتهى  ما عندي ،اضطررت للتسول. فسألها إمام المسجد: وابنك.؟ ألا يرسل لك أموالا؟ قالت: كل شهر يرسل لي صورة ملونة، أُقبّل هذه الصورة، وألصقها بمسامير على الحائط. قرر الإمام أن يزور بيت هذه الأرملة، فكانت المفاجأة؛ أن ابنها يرسل لها كل شهر شيكا بألف دولار، فهي تمتلك 8 آلاف دولار، وتتسول أمام الجامع، لأنها تجهل القراءة والكتابة!  أخذها الرجل هي والشيكات، وصرف لها المبلغ، ولم تعد في احتياج..

عباد الله، قصة هذه الأرملة غريبة، لكنها تشبهنا، فالكثير منا يتسولون  القوانين البشرية، والرضا، والسعادة، والفرح، وتطييب الخاطر، وكلنا نملك القرآن الكريم في منازلنا، وهي شيكات فيها أموال كثيرة، لكننا لا نحسن قراءته، ونمد يدنا إلى الغير طالبين منهم الحلول لمشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأسرية…، ونبحث عن الراحة في التسول داخل هذا العالم الكبير، رغم أننا نملك ثروة طائلة، اسمها كتاب الله، والذي هو كلام الله عزّ وجلّ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يشبع منه العلماء، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله.

عباد الله، إن الناس في أمس الحاجة إلى فهم كتاب الله سبحانه وتعالى، لأن فهم القرآن الكريم حياةُ الأرواح، وما به حياة الأرواح؛ فحاجة الناس إليه ماسّة، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: “حاجة الناس إلى العلم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب”. وبيّن ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه “مفتاح دار السعادة “، أن معنى ذلك: “أن حاجتهم إلى العلم هو لفقر أرواحهم، وحاجتهم إلى الطعام والشراب، هو لفقر أبدانهم، وما به سد حاجة الروح وفقرها، أعظم مما به سد حاجة البدن وفقره. فإن الإنسان إذا شبعت روحه ، ربما استغنى عن الطعام والشراب”.

عباد الله، لما كان القرآن كلام الله، ومن الله عز وجل، فهو صفةٌ من صفاته، لقد قرأه غيرنا بصفاء النية، وبقصد الوصول إلى الحقيقة، فاقتنعوا به واغتنوا؛ وأسلموا؛ واعتزوا به فأعزهم،  روى ابن حبان، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ) [أخرجه ابن حبان (3/49 ، رقم 772)] .ونحن رغم ذلك لم نعتبر بغيرنا، ولم نهتد بالقرآن كما اهتدى به غيرنا، بل تطاولنا عليه، وانتقصنا من أحكامه، قولوا لي بالله عليكم، أهناك حماقة أكثر من هذه، نترك الإسلام الذي هو أعظم قانون بالأرض. ونبحث عن السراب في القوانين البشرية، ومادامت الأسرة هي الخلية الأولى للمجتمع، والنواة الأولى له، إذ بصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها يفسد، فإننا نجهل توجيهات القرآن للأسر، فهو الحصن المنيع، وهو سلاحنا تجاه من يسعون بكل جهدهم لهدم الأسرة.

عباد الله، لا ننسى في إطار سنة التدافع بين الحق والباطل، أن أهل الباطل من الإنس والجن، قد أجلبوا على المسلمين بخيلهم ورجلهم؛ للقضاء على الأسرة، فهذا قائدهم إبليس لعنه الله يعلنها مدوية إذ يخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبين لنا كيف يقرب عنده؛ ويحتفي بمن يسعى لهدم كيان الأسرة، كما جاء في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ إبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى الماءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَراياهُ، فأدْناهُمْ منه مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: فَعَلْتُ كَذا وكَذا، فيَقولُ: ما صَنَعْتَ شيئًا، قالَ ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فيَقولُ: ما تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بيْنَهُ وبيْنَ امْرَأَتِهِ، قالَ: فيُدْنِيهِ منه ويقولُ: نِعْمَ أنْتَ.)[ صحيح مسلم، رقم 2813]

عباد الله، إن الشَّيطان عدُوُّ الإنسانِ، ويَسْعى في هَلاكِه وإفسادِ حَياتِه ودُنياه وآخِرتِه بكلِّ السُّبُلِ، وفي هذا الحديثِ الصحيح، يُوضِّحُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ ما يَفعَلُه الشَّيطانُ، فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ إبْلِيسَ يضَعُ عَرْشَه على الماءِ»، وهو كِنايةٌ عن تَسلُّطِه على الخَلْقِ وإضلالِهم، “ثمَّ يَبعَثُ سَراياهُ”، والسَّريَّةُ: هي القِطْعةُ من الجيشِ، وكأنَّ إبليسَ له جيشٌ من الأبالسةِ والجُنُودِ، يُرسِلُهم في نواحي الأرض؛ ليُوسوِسوا للنَّاسِ، ويُضلِّوهم عن دينهم، وعن الطريق المستقيم ، فيكون أَقْربُ الشَّياطين إلى إبليسَ، هو أَكْثرُ الشياطين إضلالًا للنَّاس، وإبعادًا لهم عَن الحقِّ، فيَجيءُ واحد من الشياطين الَّذين بعثهم إلى نواحي الأرض لفتنة بني آدم ويرجع إليه، فيَذْكُرُ له الشَّيطانُ ما فَعَلَه من أصنافِ الفِتنِ والإضلالِ، فلا يَقْنَعُ إبليس بذلك، ويعتبر ما فعله قليل، «ثمَّ يجيءُ» شيطان آخر فيقولُ: ما تركتُ الزَّوجَ حتَّى جعلته يطلق زوجته، أو تطلب الخلع منه، وهدَمتُ الأُلْفَةَ والمودَّةَ الزوجية بزرع العداوة والبغضاء بينهما، فيُقرِّبه إبليسُ منه، ويُنزِله مَنْزلةً أعلى من أقرانِه، ويَمْدحُ فِعْلَه في التَّفريقِ بيْن الزَّوجين، لإعجابه بصنعه، وبلوغه الغاية الَّتي أرادها بقوله: «نعم أنت»، وهذا المدح لِما في التَّفريقِ بين الزَّوجينِ مِن مَفاسِدِ انْقِطاعِ النَّسلِ، وانْعِدام تَربيةِ الأطفالِ، وما يُحْتَملُ مِن وقوعِ الزِّنا، الَّذي هو أَفْحشُ الكبائرِ وأَكْثرُها مَعرَّةً وفسادًا، وما في ذلك مِن التَّباغُضِ والتَّشاحُنِ وإثارةِ العَدَواتِ بين النَّاسِ. وفي الحديث: بيان تمكن إبليس من بلوغ مقصوده من إغواء بني آدم. وفيه: تعظيم أمر الطلاق وكثرة ضرره، وعظيم فتنته، وعظيم الإثم في السعي فيه. وفيه: تهويل عظيم في ذم التفريق بين الزوجين.

عباد الله، إن المغرب، كباقي المجتمعات الإنسانية خص مؤسسة الأسرة بكامل الاهتمام، حيث حرص على إحاطتها بكافة الضمانات الكفيلة بحمايتها اقتصاديا، واجتماعيا وقانونيا، ولعل خير مثال على هذا الحرص، ما نص عليه دستور المغرب لسنة 2011 في مادته 32 التي نصت على ما يلي: “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي، هي الخلية الأساسية للمجتمع. تعمل الدولة على ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، بمقتضى القانون، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. تسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية، و الاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال، بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية. التعليم الأساسي حق للطفل، وواجب على الأسرة و الدولة. يحدث مجلس استشاري للأسرة و الطفولة“. ، أما دسترة الأسرة فقد جاءت كنتاج لمدونة الأسرة المغربية، التي مرت بمسلسل تراجيدي ابتدأت حلقاته منذ 19 غشت 1957 ، منذ قانون الأحوال الشخصية، إلى غاية مدونة الأسرة، و لا زلنا نعيش حلقاته إلى حدود اليوم.

عباد الله، يعتبر قانون الأسرة من أخطر القوانين التي يجب إعطاؤها العناية الكاملة عند صياغتها، ذلك أنه قانون ينظم النواة الأساسية التي تهدف إلى الحفاظ على النوع الإنساني، وهي الأسرة. و المغرب وقت استعماره، لم يكن يعرف إطارا تشريعيا خاصا ينظم مجال الأحـوال الشخصيـة و الأسرة من قبل، حيث كانت تنظم علاقاتها وفق أحكام الشريعة الإسلامية، و الراجح من مذهب الإمام مالك، و العرف، وتبعا لذلك، كانت الأولويات عند استقلال المغرب هو إخراج قانون للأحوال الشخصية، ينهل من أحكام الشريعة الإسلامية، ومهذبا لأحكام الفقه الإسلامي فـي مجـال الأسـرة مـن التقاليـد و الأعراف، وبعد ذلك تم تعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993م، استجابة لمطالب المجتمع المدني، خاصة فعاليات الحركات النسائية، وتمت إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية، وكانت  المرة الأولى في تاريخ المغرب الذي تحال فيه مدونة تتعلق بالأسرة على البرلمان للمصادقة عليها، وتحميل المؤسسة التشريعية مسؤولياتها، وقد أثار مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية  – والذي طرح خطة العمل الإجرائية، على شكل جدول تفصيلي، فكانت بعض تلك الإجراءات مستعجلة التطبيق 1999/2000، والبعض الآخر يطبق على المدى المتوسط 1999/2003.- ردود فعل قوية من لدن المجتمع المغربي بمختلف فئاته التنظيمية و الجمعوية، بل و حتى الرسمية منها، بين مؤيد و معارض، بدءا باللجنة العلمية التي أنشأتها وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية، و مرورا بالبيانات المتكررة لرابطة علماء المغرب، ومختلف فروعها، وجمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية، إضافة إلى البيانات الصادرة عن العديد من الهيئات، و الجمعيات، والأحزاب الأخرى، وكذلك المسيرات الرافضة لها، ويتعلق الأمر أساسا بمسيرة الدار البيضاء المليونية. بالمقابل، نادت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني إلى تأسيس جبهة للدفاع عن حقوق المرأة و النهوض بها و تطبيق بنود الخطة، و لكل من الاتجاهين مبرراته التي يستند عليها في تبني الرأي و الرأي الآخر، وشكلت هذه الخطة النقطة التي أفاضت الكأس، وتسببت أساسا في ارتفاع حدة النزاع بين جميع الأطراف المهتمة بالمرأة و الأسرة، ولرأب الصدع الذي أصبح يهدد المجتمع المغربي بمختلف مكوناته، تم تعديل بنود المدونة، فدخل هذا الملف منعطفا جديدا، بعد ذلك؛ توج بحسم الخلاف مباشرة بعد الإعلان بقبة البرلمان في 10 أكتوبر 2003 عن التعديلات الجوهرية في مدونة الأسرة، وهكذا جاءت مدونة الأسرة بعدة مستجدات شكلت قطيعة مع أحكام مدونة الأحوال الشخصية، وكان يوم 10 أكتوبر 2003 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة للبرلمان، أرضية عمل و خارطة للطريق من أجل التطبيق السليم لبنود مدونة الأسرة الجديدة، ليس بإبرازه للمستجدات التي جاءت بها المدونة فقط، و إنما للتوصيات و التوجيهات والتي  منها إيجاد قضاء أسري عادل، وعصري وفعال، لا سيما وقد تبين من خلال تطبيق المدونة الحالية، أن جوانب القصور والخلل، لا ترجع فقط إلى بنودها، ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل، ماديا و بشريا و مسطريا.

عباد الله، ها نحن تابعنا التعديلات تلو التعديلات، فهل حفظت الأسرة المغربية على تماسكها؟، وهل قل الطلاق أم ازداد؟، وهل حفظت حقوق الأطفال؟ وهل كرمت المرأة، أم كان العكس؟ بما أن الواقع هو محك التجارب، فهو الشاهد المصدَّق، ومن بين الجرائد المجيبة على تساؤلاتنا، جاء تحت عنوان “المغرب يسجل أكبر عدد لحالات الطلاق منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ”، مقالا لإحدى المجلات المغربية الإلكترونية، ذكرت فيه: “أن هناك ارتفاعا جديدا في حالات الطلاق خلال سنة 2021، والتي عرفت تسجيل أكبر عدد في حالات الطلاق منذ دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ سنة 2004”. وهذه وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بالمغرب في سنة 2023، قد أقرت في قبة البرلمان بصراحة، بأن رصد وزارتها لمؤشرات الطلاق في المغرب أبان في “السنوات الأخيرة عن كون نسبة الطلاق تأخذ منحى مرتفعا”، وأن 80 في المائة تقريباً من حالات الطلاق “تأتي من التوافق بين الزوجين على إنفاذ الطلاق” (طلاق اتفاقي).

عباد الله، إن ناقوس إنذار الخطر، يعلن أنه قد انتقلت حالات الطلاق في المغرب حسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل من (7213) حكما فقط سنة 2004، إلى (40850) حكما خلال سنة 2013، وبلغت (46801) حكما إلى حدود سنة 2016. وكشفت وزارة العدل عن تسجيلها سنة 2017 لـ(100247) حالة حكم بالتطليق، ولم يكن عدد حالات التطليق يتجاوز سنة 2005، سقف العشرة آلاف حالة تطليق للشقاق.

عباد الله، إنه يبدو مما لا مجال للشك، أن عدد حالات الطلاق في المغرب تضاعف نحو ثلاث مرات بين عامي 2019 و2022، ففي 2019 وحده سجلت المحاكم 131.100 حالة طلاق.

عباد الله، إن ارتفاع حالات الطلاق في المغرب تشهد عليه أيضاً تقارير دولية؛ آخرها تقرير منشور في مجلة “إيكونوميست” البريطانية، عزا ارتفاع عدد الحالات في عدد من البلدان من قبيل المغرب …، إلى “تسهيل إجراءات حصول المرأة على الطلاق”، وأيضاً “تراجع تأثير الشخصيات الدينية، وأفراد الأسرة في قرار الانفصال”، علاوة على “مشاركة النساء في سوق العمل، الأمر الذي يمنح الاستقلال المالي لملايين النساء”. كل هذا يؤكد لنا بالحجة والدليل، أن المغرب قد أخطأ الطريق في العثور على العلاج، والذي لا يكمن في التعديلات القانونية فحسب، بقدر ما يكمن في تمكين الشباب المقبل على الزواج من دورات تدريبية مرجعيتها تعاليم الإسلام، بغية مساعدتهم على إدراك المسؤوليات المشتركة، والتعرف على أساسيات بناء أسرة مستقرة. والتأكيد على أهمية تأهيل الراغبين في الزواج نفسيا واجتماعيا، وبأن اعتماد المملكة على مراكز مختصة في هذا المجال أصبح ضروريا،حتى يحفظ لمؤسسة الزواج طابعها القدسي، ويكفل لها مكانتها الطبيعية المبنية على الود  والرحمة، والمسؤولية والاحترام المتبادل، وأن هذه المراكز مرشحة لتؤدي دورا أساسيا في تقويم الفهم الخاطئ للروابط الزوجية لدى الشباب، ومساعدتهم على فهم واستيعاب المسؤوليات المشتركة، وما يقتضيه ذلك من إدراك لما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات، بغية تدعيم الترابط بين الزوجين، وتمكينهم من اكتساب مهارات تمكنهم من تجاوز الخلافات الزوجية عبر الحوار الفعال والإيجابي. كما ينبغي التشديد على أهمية إنشاء مؤسسات للوساطة، تكمن مهمتها في التدخل لرأب الصدع بين الزوجين، وفض النزاع، دون اللجوء إلى طرق أبواب المحاكم، خصوصا عندما يتعلق الأمر بأسباب بسيطة لا تبرر الطلاق.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


: الأوسمة



التالي
أبرزها الأزهر الشريف واتحاد علماء المسلمين.. هيئات إسلامية تعلن دعمها لصمود الشعب الفلسطيني بعد إطلاق عملية 'طوفان الأقصى
السابق
المؤمن للمؤمن كالبنيان... أهمية نجدة المسلم للمسلم في وقت المحن والأزمات (المهاجرون والأنصار نموذجاً)

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع