البحث

التفاصيل

المسلمون في الغرب.. وتداعيات الحرب على غزة

الرابط المختصر :

المسلمون في الغرب.. وتداعيات الحرب على غزة

 

يعيش مسلمو أوروبا والغرب عموماً ظروفاً استثنائية بسبب تداعيات الحرب على غزة، فهم بين مطرقة الانحياز الغربي للمحتل، وسندان العقوبات أو الضغوط لمنعهم من التعبير بحريّة عن الواجب التضامني مع الشعب الفلسطيني المحتل منذ 75 سنة.

سيناريو ما بعد حرب 1973 يتكرر

تذكّر التحديات الحالية بالظروف التي عاشها المسلمون المقيمون في الغرب بعد حرب أكتوبر 1973م، عندما قررت الدول العربية معاقبة الدول المؤيدة للكيان المحتل بقطع إمدادات النفط عنها، ووافق القرار فصل الشتاء حيث البرد القارس في الغرب والحاجة الماسة إلى الطاقة النفطية للتدفئة ولضمان سير الحياة الطبيعية في العديد من المجالات (النقل، عمل المؤسسات..)؛ ونتيجة لذلك، دفع العرب الثمن غالياً من حيث السب والشتم والاستهزاء والعنصرية ضدهم.

أما اليوم، فإن الأمر أشد وأعتى؛ وذلك لأسباب عدة، منها أن الحضور الإسلامي في الغرب تطور نحو الاستقرار والتجذّر، إذ نشأت أجيال جديدة حصلت على المواطنة، ولكنها مواطنة ناقصة لعدم التمتع بنفس الحقوق مقارنة بأصيلي هذه البلاد.

في المقابل، نشأت أحزاب من أقصى اليمين، ذات نزعة شعبوية متطرفة ومتعصبة لنظرية تفوق الجنس الأبيض، وتصاعدت موجة «الإسلاموفوبيا»، بحيث لم تعد الكراهية ضد العنصر العربي فحسب، بل تجاوزته إلى الدين الإسلامي باعتباره منافساً للهوية المسيحية اليهودية للمجتمعات الغربية، كما تزعم هذه التنظيمات والأحزاب الشوفينية.

ومما زاد الطين بلة، تحول الآلة الإعلامية الغربية في عمومها إلى مؤجج للنعرات الدينية والتشويه الممنهج للفكرة الإسلامية عبر استغلال بعض السلوكيات المنحرفة لحالات معزولة من الشباب المسلم الذي وجد في العنف وسيلة للتعبير عن نقمته من الظلم المسلط على المسلمين.

تحيز مطلق للمحتل

وفي هذا السياق، تتنزل تداعيات التطورات الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والحرب المدمرة على غزة وأهلها، التي أفرزت أجواء من التوتر البالغ على المستوى العالمي؛ لما للقضية الفلسطينية من خصوصيات وأهمية في الضمير العالمي.

اللافت للنظر، بروز مواقف جد متحيزة للمحتل من طرف حكومات غربية، مع تسجيل تحيز مطلق من طرف حكومات 4 دول غربية كبرى، وهي: فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، حيث تتواجد «لوبيات» صهيونية ضاغطة على مواقع صنع القرار، ضاربة بذلك عرض الحائط بقيم حقوق الإنسان والعدل والمساواة والديمقراطية التي تتباهى بها صباح مساء.

وبحكم تأييدها للمحتل، عملت جل الحكومات الغربية على قلب الحقائق؛ حيث أرجعت سبب الحرب على غزة إلى المقاومة التي تصفها بالإرهاب إلى حد تحويل الضحية إلى مجرم، وفرضت بالتالي تعتيماً إعلامياً وسياسياً على حقيقة الوضع، مقابل فرض قراءة مشوهة مليئة بالمغالطات للرأي العام حتى لا يتبين حقيقة جرائم المحتل، بل الضغط إلى حد تجريم كل من يتجرأ على الدفاع عن الحق الفلسطيني في المقاومة بقوانين صارمة، تستهدف في الواقع المكوّن الإسلامي أساساً.

ضغوط على حرية التعبير

في مثل هذه الظروف، يجد مسلمو الغرب أنفسهم بين مطرقة التحيز الغربي الواضح للمحتل، وسندان القوانين الصارمة والمجحفة، أو الضغوط التي تمنعهم من التعبير بحرية عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني في محنته غير المسبوقة من حيث كمّ المظالم المسلطة عليه.

ففي فرنسا، تم في مرحلة أولى منع المظاهرات المؤيدة لأهل غزة، مقابل حضور رسمي في مظاهرات تأييد للكيان المحتل وإنارة برج إيفل بعلم الاحتلال، تماماً كما حصل في كل من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة التي زينت أكبر معالمها بالعلم «الإسرائيلي».

مثل هذه الأجواء المشحونة جعلت أئمة المساجد في فرنسا، على سبيل المثال، قلقين وفي حيرة من أمرهم من حيث الخطاب الموجه للمسلمين خاصة في خطب الجمعة، حيث أنهم معرّضون للمحاكمة إذا صدر أي تأييد لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل، بل إن المساجد مهددة بالغلق، إذا ظهر مثل هذا التأييد.

وأصبح الأئمة متخوفين من تأويل كلامهم حتى في حال التلميح وليس التصريح بالموقف، ونفس الأمر ينطبق على المؤسسات والجمعيات الإسلامية التي كانت جد حذرة في مواقفها عند إصدار بياناتها ومواقفها مما يشهده الشعب الفلسطيني، ووصل الأمر في ألمانيا إلى محاولة إلزام الأئمة ورؤساء الجمعيات الإسلامية بالتوقيع على التنديد بالمقاومة.

مواقف متحدّية

إلا أن تحيز الموقف الرسمي للمحتل لم يمنع من قيام مشاهير في الإعلام والرياضة من أصول عربية وإسلامية من التعبير عن تعاطفهم مع أهل غزة ضد المجازر «الإسرائيلية»، ولم يسلموا بالطبع أمام هذا التحدي من أنواع النقد والتشويه.

في هذا السياق، قدم إعلاميون من أصول عربية وإسلامية استقالتهم من وسائل إعلامية بسبب تحيزها الواضح للمحتل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.

من جانبه، أعرب لاعب الكرة المشهور كريم بنزيما عن تعاطفه مع أهل غزة؛ فصرّح وزير الداخلية الفرنسي بأن بنزيما له ولاء للإخوان المسلمين، بل إن أحد مسؤولي الحزب الشعبوي الفرنسي طالب وزير الداخلية بأن يعاقب هذا اللاعب الذي «خان وطنه»، وذلك بسحب الجنسية الفرنسية منه، إلا أن الوزير اضطر إلى مراجعة موقفه بعد موجة التعاطف مع هذا اللاعب الفرنسي من أصل جزائري.

كما سجلت مواقف شجاعة لبعض النواب والنخب الغربية في الصدع بالحقيقة ونشر ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، كما يسجل الموقف الشجاع والمتميز للحكومة الإسبانية التي نددت بوضوح بالمجازر ضد المدنيين الفلسطينيين، بل طالبت وزيرة الخارجية الإسبانية بقطع العلاقة مع «إسرائيل».

بداية تحول في الرأي العام الغربي

لكن الملاحظ أن الوضع بدأ يتغير إثر سلسلة المجازر ضد الأبرياء العزل، ومشاهد قصف الأبراج على ساكنيها، ومجزرة مستشفى المعمداني التي نقلت مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، متجاوزة في ذلك بعض وسائل الإعلام الغربية الكبرى والمشهورة التي أظهرت تحيزاً واضحاً للمحتل، متماهية مع التحيز الرسمي الغربي في عمومه للمحتل.

كل هذه المظالم أيقظت ضمائر حية داخل المجتمعات الغربية، وبدأت ترتفع أصوات من سياسيين ونواب وغيرهم وكذلك من النخبة، وحتى من عامة الشعب للمطالبة بإيقاف هذه المجازر.

فهناك بداية انكسار حدة الهجوم المعادي، وبداية تحول في المواقف على مستوى المجتمع المدني وثلة من السياسيين خارج الدائرة الرسمية، وبروز البعد الإنساني والحقوقي في الخطاب والمواقف، حيث قام أكثر من 600 من الفنانين السويديين بالتوقيع على عريضة عنوانها «أوقفوا العنف الوحشي» على أهل غزة.

 كما بدأ يخف الضغط على المسلمين، وسرعان ما خرجت جماهير المسلمين ومعهم نسبة من غير المسلمين إلى الشوارع للتظاهر ضد هذه المظالم، وعلى سبيل المثال، تم رصد الإعلان عن 54 مظاهرة في مدن أوروبا خلال يوم واحد (‏السبت 21 أكتوبر)؛ تضامناً مع الشعب الفلسطيني واستنكاراً للإبادة الجماعية والتهجير والتدمير الذي يحدث ضد غزة.

كما سُجل -وهو أمر غير مسبوق- إضراب تجاري لمحلات يوم الجمعة 20 أكتوبر، حيث شارك 120 متجراً من فلسطينيين وعرب ومسلمي ألمانيا في العاصمة الألمانية في هذا الإضراب، معلنين ما سموه «قائمة الشرف» لأصحاب المتاجر الذين يعبرون بإضرابهم عن استنكارهم لجرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد أهل غزة وتضامنهم الكامل معهم.

كما تحرر الخطاب في المساجد إلى حد أن ‏‏تطرق عدد من خطباء الجمعة في أوروبا للظلم الواقع على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مع التزامهم بالمعايير القانونية في ضبط المضامين والألفاظ لخطبهم، وتم تأدية صلاة الغائب في العديد من المساجد على أرواح الشهداء والضحايا.

وكذلك جرى التأكيد على ضرورة الحفاظ على التعايش السلمي بين مكونات المجتمعات الغربية وضمنها المكون الإسلامي لتجنب السلوكيات الخطرة الناجمة عن تأجيج مشاعر الكراهية للمسلمين، حيث سجلت تصفيات جسدية لطفل وشاب في الولايات المتحدة لمجرد أنهما مسلمان، فليس من مصلحة أي طرف الانجرار إلى مثل هذه الجرائم التي ستعصف بالسلم الاجتماعي.

وعموما، فإن الحرب على غزة أيقظت الضمير الإنساني في الشرق والغرب، ورسخت لدى المكون الإسلامي في الغرب انتماءه للأمة وقضاياها وعلى رأسها فلسطين والأقصى، وأشعرت المسلمين في ديار الغرب بالمسؤولية الكبرى في إبراز عدالة القضية وفي الانتصار للحق، والدفاع عن المظلومين من أهل غزة، ومن َورائهم كل المظلومين جراء السياسة الغربية القائمة على  الكيل بمكيالين.

 

 

المصدر : موقع المجتمع





التالي
"صحة غزة": 48 ساعة وتتوقف كل مولدات الكهرباء في المستشفيات
السابق
انقطاع التيار الكهربائي عن مستشفى الأندونيسي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع