الفلسطينيون.. بين مطرقة القصف وسندان التجويع
مع دخول الحرب الصهيونية يومها الثامن والثلاثين ضد الفلسطينيين في غزة، تواصل القوات الصهيونية قصفها المدمر للبيوت والسكان، فتقتل البشر والشجر، وتدمر الحجر، وترتكب أبشع المجازر بحق المدنيين الآمنين من الأطفال والشيوخ والنساء، وتمارس ضدهم حرب إبادة ومحرقة لم يشهد العالم لها مثيلاً، الى جانب الموت والدمار الذي يحيط بسكان قطاع غزة بلا استثناء.
وتوازياً مع ذلك، تسير الحياة في غزة بعسر شديد، في ظل انعدام مقومات الحياة الأساسية، واضطرار الناس للوقوف في طوابير لا تنتهي، وتحت القصف والموت وأزير الطائرات للحصول على قليل من الماء والطعام، في ظل انعدامها نتيجة استهداف الطائرات الصهيونية للمخابز وآبار المياه ومصادر الطاقة البديلة، من أجل تجويع الناس لتهجيرهم.
بعدما فشلت دولة الكيان الغاصب عبر آلة حربها المدمرة من تحقيق مخططها بتهجير سكان قطاع غزة بالقوة، حاولت دفعهم لمغادرة غزة وشمالها المحاصر طلباً للحياة عبر استخدام سلاح التجويع بمشاركة أمريكية ومباركة أوروبية واضحة وعلنية.
ويتحمل سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة ويلات الحرب والقصف والدمار، ويحاولون جاهدين التغلب على ذلك أملاً في البقاء، فيتركون بيوتهم وأحلامهم وآمالهم نازحين نحو الجنوب هرباً من الموت؛ إما بالقصف والدمار أو بالجوع.
وبحسب إحصاءات المكتب الإعلامي الحكومي، فقد نزح أكثر من ثلثي غزة، والشمال البالغ عددهم مليون نسمة إلى جنوب القطاع، ويعيشون في مراكز الإيواء والمدارس التابعة لـ«الأونروا» في أماكن هي الأكثر ازدحاماً، ويعيش في الغرفة الواحدة التي لا تتجاوز الـ14 متراً ما يزيد على 50 شخصاً، ويتشارك ما يزيد على 500 شخص في حمام واحد لا يملك مقومات النظافة والطهارة، ويحصل الفرد الواحد منهم على 3 لترات من الماء للشرب، وهي مياه ملوثة آسنة غير صالحة للشرب، و10 لترات للطهي والنظافة، في حين كان يحصل كل فرد قبل الحرب على 80 لتراً من الماء، وأصبح الاستحمام رفاهية لا يمكن تصورها بالنسبة لمعظم سكان قطاع غزة في هذه الحرب المسعورة التي قضت على كل مظاهر الحياة، وتراكمت النفايات ومخلفات الطعام والصرف الصحي في ظل انعدام توفر الوقود وعدم قدرة البلديات على ممارسة مهامها في جمع النفايات، فانتشرت الأوبئة والأمراض في صفوف المواطنين وخاصة الأطفال وكبار السن.
لا يمكن وصف هذا الكابوس المرعب الذي يخنق الناس فلا يعلمون ماذا يفعلون، ينتشلون شهداءهم من تحت الأنقاض ولا يجدون وقتاً لوداعهم أو حتى التعرف عليهم بسبب الحرق والتمزيق من شدة الصواريخ والمقذوفات التي تستهدفهم وتستهدف بيوتهم، ولا يوجد مكان لدفنهم، ولا وقت للبكاء عليهم من كثرتهم، ثم يبدؤون في الكفاح بحثاً عن الماء والطعام وغيرها من الأشياء التي تبقيهم يوماً آخر على قيد الحياة.
إن هذا العقاب الجماعي الذي يفرضه الكيان الصهيوني على المدنيين الى جانب الإخلاء القسري جريمة حرب، ومخالف للقوانين الإنسانية ومواثيق الأمم المتحدة التي تشاهد وتسمع ما يحصل للفلسطينيين دون أن يرمش لها جفن، في ازدواجية ظالمة وعنصرية مقيتة تمارسها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل المظلوم، التي سلبت أرضه ويدافع عنها وهو حق كفلته له كل الشرائع والمواثيق الدولية، ولكنه يصبح إرهاباً إذا ما تعلق الأمر بدولة الكيان التي ترعاها أمريكا وتدافع عنها، بل وتدعمها بأحدث أنواع الأسلحة والطائرات، وتشارك معها في قتل الشعب الفلسطيني دون النظر لمظلمة الفلسطينيين وحقهم في العيش بحرية وكرامة كباقي الشعوب.
وضمن سياستها الإجرامية، استهدفت دولة الكيان في حربها المسعورة هذه المستشفيات ابتداء بمنع الوقود الذي يسمح بتشغيل مولداتها لإجراء العمليات والإسعافات الأولية للمصابين والجرحى في ظل انقطاع التيار الكهربائي، وتشغيل سيارات الإسعاف لنقل الشهداء والجرحى، وانتهاء باستهدافها بالقصف حيث استهدفت الطائرات الحربية الصهيونية 120 مؤسسة صحية، وخرج منها 18 مستشفى، و40 مركزاً صحياً عن الخدمة، كما حدث عندما قامت الطائرات الحربية الصهيونية باستهداف مستشفى المعمداني الأهلي، وقتلت ما يزيد على 400 شخص، واستهداف مبنى مستشفى الشفاء وبواباته وسيارات الإسعاف التي حاولت نقل المرضى إلى معبر رفح، ثم استهداف مستشفى النصر للأطفال ومستشفى الرنتيسي لمرضى السرطان وتهديدها بالإخلاء تمهيداً لقصفها، زد على ذلك استهداف الطواقم الصحية مما أدى الى استشهاد 193 كادراً صحياً ما بين طبيب وممرض ومسعف وتدمير 45 سيارة إسعاف.
لقد باتت المنظومة الصحية عاجزة تماماً أمام هذه المجازر الجماعية والأعداد الكبيرة من الشهداء والجرحى في ظل عدم توفر الأدوية والأدوات الصحية اللازمة ومنع الاحتلال من دخولها.
ليس عبثاً ما يفعله الاحتلال في غزة عبر قصفها وتدميرها، وتدمير الحياة فيها وتجويعها وتركها دون ماء وطعام وكهرباء، إنما هي سياسة عقاب جماعية لتخويف الناس وإرهابهم، من أجل تدمير أحلامهم في الحرية والاستقلال والعودة إلى وطنهم المسلوب منذ ما يزيد على 70 عاماً، والتخلص من حالة الشتات والتهجير أسوة بباقي الشعوب، ولكن دولة الكيان المحتل تحرمهم من هذا الحق وبضوء أخضر من أمريكا التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتمارس في حقهم سياسة الحصار والتجويع والقتل على مرأى ومسمع من العالم الظالم دون أن يحرك أحد ساكناً، ولا يرى في دولة الكيان أنها دولة احتلال، بل هناك من يطلب ودها ويطبّع معا وكأن الدم الفلسطيني المستباح أصبح لا يساوي في ميزان حقوقهم شيئاً.
المصدر : موقع المجتمع