البحث

التفاصيل

من النماذج القرآنية للتمكين " تبليغ الرسالة وأداء الأمانة " من كتاب (فقه النصر والتمكين( الحلقة: الثانية

الرابط المختصر :

من النماذج القرآنية للتمكين " تبليغ الرسالة وأداء الأمانة "

من كتاب (فقه النصر والتمكين

الحلقة: الثانية

 

 

 

بقلم الدكتور علي محمد الصلابي

 

إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم، تمكين الله تعالى للدعاة، بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة، واستجابة الخلق لهم، وقد أشار القرآن إلى عدة نماذج من ذلك، وأهمها نموذج أصحاب القرية التي قال الله تعالى فيهم: (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ` إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ` قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ` قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ` وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ` قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [يس: 13- 18.

 

إن أهل هذه القرية لم يستجيبوا لدعوة المرسلين، ومضوا في كفرهم وعنادهم غير مبالين، وهددوا المرسلين بالرجم والعذاب الأليم، والمتأمل في الآيات القرآنية تظهر له بعض معاني النصر والتمكين، التي حققها المرسلون، وبذلك يكونون قد نصروا نصرًا مؤزرًا، وأن أصحاب القرية هم الخاسرون، إن معاني النصر ظهرت في الحقائق التالية:

1-    تمكين الله تعالى للمرسلين بحيث استطاعوا تبليغ رسالته، ولم يستسلموا لشبهة أهل القرية أولاً، وتهديدهم ثانيًا، وهذه هي مهمتهم: (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) [يس: 17] ومن أدى ما عليه فقد انتصر وفاز ونجح.

 

2- إن استجابة رجل من أهل القرية لهم، وتأييده لدعوة التوحيد علانية يعد نصرًا وانتصارًا له ولهم، ولذلك كان رد أهل القرية عنيفًا تجاهه، لأنهم شعروا بخذلانه لهم، وخذلانهم نصر لأولئك الرسل.

3- إن استشهاد الرجل الذي جاء من أقصى المدينة نصر له ولدعوة التوحيد حيث استطاع أن يودع في قلوب الناس من المعاني الكبيرة، ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي كتبها بدمه، فأصبحت حافزًا محركًا لأهل الإيمان على مر الدهور ومر العصور منذ نزول القرآن الكريم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها،

وإن قتله في سبيل دعوة التوحيد كان سببًا في فوزه الأبدي بدخول الجنة (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) [يس: 26.

 

لقد تمكن التوحيد في قلبه فجعله حريصًا على هداية قومه، فلم يحمل حقدًا ولا ضغينة مع تعذيب قومه له وقتله، وهذا انتصار عظيم على النفس البشرية: (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ` بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) [يس: 26، 27)

 

إن وصول دعوة التوحيد إلى أقصى المدينة دليل على المجهود العظيم الذي بذله المرسلون وتدل على المعاني العظيمة من الصدق والإخلاص التي تمكنت في نفوسهم من أجل دعوة التوحيد.

 

4- إن انتصارات هؤلاء الرسل وهذا الداعية الذي جاء من أقصى المدينة توجت بهلاك القوم الذين كذبوا بدعوة المرسلين (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُنْدٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ` إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ) [يس: 28، 29.

إن الدعاة إلى الله في أمسِّ الحاجة إلى أن يقفوا مع قصة أصحاب القرية، ويتأملوا ويتفكروا في أبعادها ونهاياتها. إنني أريد أن أقف مع الرجل المؤمن الذي تمكن الإيمان في قلبه, ماذا فعل في نفسه ذلك الإيمان العظيم، لقد وفق سيد قطب رحمه الله في تحليل نفسية هذا النموذج الطيب والرجل المؤمن المستجيب لدعوة الرسل، وحلل نفسيته الخيرة، فقال: إنها استجابة الفطرة السليمة لدعوة الحق المستقيمة، فيها الصدق والبساطة، والحرارة، واستقامة الإدراك، وتلبية الإيقاع القوي للحق المبين.

 

فهذا الرجل سمع الدعوة واستجاب لها بعد ما رأى فيها دلائل الحق والمنطق ما يتحدث عنه في مقالته لقومه، وحينما استشعر حقيقة الإيمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوتًا، ولم يقبع في داره بعقيدته، وهو يرى الضلال من حوله والجحود والفجور، ولكنّه سعى بالحق الذي استقر في ضميره، وتحرك في شعوره، سعى به إلى قومه، وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون ويتهدّدون.

 

وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق، وفي كفّهم عن البغي وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبّوه على المرسلين.

 

وظاهر أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان، ولم يكن في عزة من قومه أو منعة من عشيرته، ولكنّها العقيدة الحيّة في ضميره، تدفعه وتجئ به من أقصى المدينة إلى أقصاها (1).

 

-----------------------------------------------------------------

مراجع الحلقة الثانية:

() الظلال: (5/2962- 2963).

يمكنكم تحميل فقه النصر والتمكين

من الموقع الرسمي للدكتور علي محمد الصلابي

http://www.alsalabi.com/salabibooksOnePage/655

 

 

 

 

 

 


: الأوسمة



التالي
لقاء بين الأمين العام ونخبة من أعضاء الفرع في ماليزيا لمناقشة قضايا فقه الميزان ودور العلماء في المجتمع
السابق
12300 شهيد بينهم أكثر من 5 آلاف طفل جراء العدوان الصهيوني المتواصل على غزة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع