البحث

التفاصيل

هل أخطأت حماس يوم 7 أكتوبر؟

الرابط المختصر :

هل أخطأت حماس يوم 7 أكتوبر؟

بقلم: د. محمد الدكالي

 

جرى حديث مع صديق عزيز صاحب ثقافة عالية واطلاع واسع حول هذا الموضوع قبل، ففاجأني بآراء بعضها يبدو منطقيا وأخرى أفزعتني فعلا.

نبه في البداية إلى عدم جدوى الانجرار العاطفي وراء فكرة تحرير فلسطين في أجواء الحماس الذي ساد لدى كثيرين بعد العملية المبهرة في 7 أكتوبر، فهو هدف لن يمكن تحقيقه إلا بتحول الأوضاع في البلدان العربية المحيطة بفلسطين بشكل يجعلها قادرة على جعل وجود إسرائيل غير قابل للاستمرار، وأن تكون المقاومة الفلسطينية والبلدان العربية والإسلامية الداعمة قادرة على استثمار تحولات معينة في العلاقات الدولية مع الصين وروسيا مثلا في هذا الاتجاه. آمنا بالله سبحانه. هذا سيناريو مستقبلي معقول وإن لم يكن الوحيد الذي يمكن توقعه.

ما فاجأني به صاحبي أنه رأى في عملية طوفان الأقصى مجرد إنجاز تكتيكي حسب تعبيره، وتكاليفها باهظة جدا في أرواح وممتلكات أهل غزة. كما اعتبر أن أهدافها المعلنة، أي وقف اقتحامات المسجد الأقصى وتحرير الأسرى وردع إسرائيل، فهي إما غير واقعية كوقف الاقتحامات لأنها لن تتوقف، وتحرير الأسرى سيكون مؤقتا وسيعيد الاحتلال الإسرائيلي الاعتقالات. ولكن ما لم أتوقعه من صاحبي كان تقليله من درجة وعي وكفاءة قيادة القسام وحماس في تقييم الأوضاع والسياقات الإقليمية والدولية وفي تبعات قرار عملية 7 أكتوبر الذي لم يكن مدروسا بشكل صحيح حسب رأيه.

لن أقف عند تفاصيل نتائج العملية على الدولة والمجتمع الصهيونيين وعلى الشارع العربي الذي كاد أن ينسى قضية فلسطين، ولا على مستوى التحولات في الرأي العام العالمي كظاهرة غير مسبوقة وأهميتها التراكمية مستقبلا. وفي جميع الحالات من السابق لأوانه إصدار أية أحكام على ما يجري والحرب ما تزال مستعرة.

واضح أن صاحبي قفز في تقييمه للأحداث الجارية على السياقات العامة التي سبقتها، وهي التي أدت إلى اتخاذ قرار تحضير وتنفيذ عملية طوفان الأقصى.

لنعد إلى سياقات ما قبل 7 أكتوبر:

* انحسر الاهتمام بشكل كبير جدا لدى الشعوب العربية بما كان يجري في فلسطين من أحداث خطيرة متعاقبة، فالناس انشغلوا بكرة القدم والمسلسلات والفنانين وباهتماماتهم اليومية، وصارت الأوضاع في فلسطين روتينا لا يكاد يؤبه لها.

* المثقفون يتجادلون حول عناوين فكرية أو إيديولوجية لا تمس الواقع في شيء.

* النخب المتعلمة والكوادر وهم قاعدة كبيرة أهمّتها التطلعات للمكاسب الاستهلاكية من متع الحياة الدنيا والبحث عن مواقع أفضل.

* العلماء والدعاة غارقون في قضايا خلافية قديمة جديدة من كل نوع لا تنتهي مع غيبوبة شبه كاملة عن الموضوعات الكبيرة الراهنة.

* الإسلاميون اختلطت عليهم الأمور حائرين لا يدرون ماذا يفعلون حتى بأنفسهم بعد انتكاسات متوالية.

كل هذا يتم ضمن سياسات داخلية رسمية في البلدان العربية وهي على قدر عال من التجانس، عبر أطر إعلامية وسياسية واجتماعية ضابطة وموجهة لصرف اهتمام الرأي العام الداخلي عما يجري في فلسطين باعتبارها "أحداثا خارجية" لا تهم المواطن العربي بشكل أساسي.

في المقابل

* كسب التطبيع رسميا مواقع ومستويات غير مسبوقة، ونشطت الأوساط الموالية لإسرائيل وتوسعت في العمل بالأدوات المناسبة في المجالات الإعلامية والسياسية والاقتصادية و"الثقافية" والفنية بشكل كبير.

* تشكلت بالفعل تحالف وتنسيق قوي جدا بين الأنظمة العربية وإسرائيل وظهرت سياسات واضحة لخدمة الأجندات الإسرائيلية في البلدان العربية خاصة بعد الربيع العربي ووصل هذا التحالف إلى مرحلة جد متقدمة عندما تمت تهيئة الأجواء لتطبيع السعودية مع إسرائيل عبر عدة مراحل وكان وشيكا جدا لولا عملية طوفان الأقصى، ولو تم التوقيع على التطبيع لكان نصرا استراتيجيا لإسرائيل بحكم موقع السعودية في العالمين العربي والإسلامي.

* وجد مشروع الديانة الإبراهيمية طريقه كذلك، وهو برنامج طويل الأمد، إلى أوساط معينة وبدأ يحفر فيها، ولم تظهر أوساط العلماء والمثقفين القدر المطلوب من الاهتمام بالمخاطر المستقبلية لهذا البرنامج واكتفت بإصدار بيانات ومع أهمية مثل هذه البيانات، ولم تهتم ببناء أية جهود مؤسساتية للرصد والتوعوية والضغط بهذا البرنامج وربطه بمجمل برامج الاختراق الصهيوني متعدد المجالات والمستويات.

* الأخطر من هذا كله المديات التي وصلت إليها مخططات التهويد الشامل في فلسطين، وأخطرها مخططات تفريغ غزة والضفة ثم فلسطين 48. هذا ليس خيالا، بل هي سياسات ثابتة ومعلنة في إسرائيل، بدعم غربي لا لبس فيه. واهم من يظن أن مخطط تفريغ غزة الآن هو مجرد رد فعل من إسرائيل بعد عملية 7 أكتوبر. هذا الهدف حاضر لدى القيادة الإسرائيلية منذ وقت طويل، وحصار غزة الخانق لعشرين عاما وخمسة حروب تدميرية هي مراحل تمهيدية فقط، وكانت تنتظر الوقت المناسب لتنفيذ مخطط التهجير ولن تفتقد التبريرات بالنسبة للضفة، رأينا توسعا لا يتوقف للمستوطنات الصهيونية يستوعب الآن مليون يهودي، ومصادرات للأراضي لا تتوقف، وتصاعدا كبيرا ومتواصلا لجرائم القتل اليومي للأطفال والنساء وللرجال من كل الأعمار وهدم واسع النطاق للبيوت، والاعتداءات الوحشية على الأهالي والمزارعين والاقتحامات للأقصى والمدن والأحياء واعتقال الآلاف وتجريف كل شيء. كل هذا لإجبار أهل الضفة على ترك وطنهم، وقد ذكر د. مصطفى البرغوثي مؤخرا في إحدى المقابلات أن حوالي %35% من سكان الضفة غادروها ما بين 1967-2023 بتأثير هذه السياسات الثابتة.

هذه هي أهم المعطيات التي وجدت المقاومة الفلسطينية نفسها أمامها، وسط غيبوبة حقيقية من طرف الشعوب العربية وسلبية قاتلة وعجز مزمن من "القوى الحية" عن النصرة الحقة.

كان لزاما العمل للخروج بقضية فلسطين برمتها من هذا الوضع الخطير الشبيه بمرحلة ما قبل 1948، فقرار طوفان الأقصى لم يأت من فراغ.

أما عن الثمن الباهظ جدا الذي تدفعه غزة ومعها الضفة، فيجب أن ننتبه إلى أن هذه النقطة بالذات هي إحدى أهم ما تركز عليه الدعاية الإسرائيلية الموجهة للفلسطينيين وللعرب الآن، في حربها النفسية للتأليب على المقاومة الفلسطينية وتحميلها مسؤولية الجرائم المرعبة التي ينفذها العدو النازي. وفي واقع الحال لا يوجد سبب أخلاقي أو سياسي يبرر لنا تبني هذه التهمة.

لا يمكن لنا أن نكو ملكيين أكثر من الملك، فأهل غزة يقفون بصبر عجيب مع المقاومة ويؤيدونها رغم الأهوال التي يعيشونها، وفي الضفة والشعوب العربية، والملايين التي تخرج عبر العالم تعلن تبنيها لحق الفلسطينيين في المقاومة لنيل حقوقهم الطبيعية، والجميع يشير بأصبع الاتهام إلى النازية الإسرائيلية وليس إلى المقاومة والشهداء هم أمهات وآباء وأبناء وبنات وإخوان وأخوات المجاهدين، والبيوت المدمرة هي بيوتهم. يجب أن نقف مطأطئين رؤوسنا أمام هذا الشعب العظيم، والأولى أن نسأل أنفسنا عما ساهمنا به للوقوف معه.

أما قيادة حماس والقسام فهي ليست قيادة فردية أو مجموعة مغامرة، يجب أن نحترم هذه العقول والإرادات التي تقود المقاومة في القطاع والضفة في ظروف وتحديات لا يعرف مثلها أي شعب آخر في العالم، فهي قيادة حقيقية تحظى بدعم غالبية الفلسطينيين والصفوة الفلسطينية من المفكرين والخبراء وأساتذة الجامعات ومنظمات المجتمع المدني في داخل فلسطين وفي الخارج، وهي قيادة متمرّسة، اكتسبت وراكمت خبرات استثنائية سياسية وتنظيمية لأربعين عاما، قدمت تضحيات غير عادية، سجنا وتعذيبا وملاحقة، استشهد لهم أبناء في المقاومة وفقدوا من عائلاتهم في الحروب السابقة. هذه القيادة تفهم العوامل والسياقات الداخلية والإقليمية والدولية جيدا جدا. رأينا منها تطويرا كبيرا لقدرات وأداء المقاومة سياسيا وعسكريا في ظروف يصعب تخيل خطورتها، ورأينا منها وعيا وحكمة وصبرا غير عادي في التعامل مع سياسات ومواقف الأنظمة العربية الطافحة غدرا وخيانة.

أما تحرير الأسرى، فيتعين النظر إليه من منظور أهمية الحفاظ على أعلى مستوى ممكن من مناسيب الشعور بالوحدة الوطنية بين مكوّنات الشعب الفلسطيني الموزع بين الدولة اليهودية والضفة الغربية وقطاع غزة والشتات عبر العالم، وتحرير الأسري هو عامل مهم جدا من الناحية النفسية والشعورية، حتى ولو كانت نسبة من المحررين سيعاد اعتقالهم. من المذهل أن يلاحظ المرء الغياب شبه التام لقضية فلسطين قبل طوفان الأقصى من دوائر اهتمام المثقفين العرب رغم أنها تكثف بشكل مفجع كل قضايا السطح والعمق ومن غير المنطقي الاستمرار في الجدل حول هذه القضايا مهما كان مهما دون تخصيص قدر ما من الجهود للاهتمام ببناء الفهم الصحيح للقضية لدى الناس، وإخراجها من دائرة الانفعال والعاطفة إلى دائرة الوعي وهذا أمر أساسي، والتوعية بمهددات برامج الاختراقات الصهيونية العمودية والأفقية، ومن عناوينها التطبيع السياسي والثقافي والاقتصادي والإعلامي الذي يحفر بدون توقف، وبمخاطر “الإيمان الإبراهيمي المشترك" الذي يشتغل عليه أصحابه بدهاء، والعمل لبناء القدرات في الأوساط الشبابية المتاحة وما أكثرها حتى لا تتكرر حالة الغيبوبة عن قضية الشعب الفلسطيني التي لا نستفيق منها مؤقتا إلا بعد أن يبدأ الذبح الهمجي كما يحدث الآن ثم تعود حليمة لعادتها القديمة.

* "الاشتباك مع ذرائع "الإبادة Media Awareness 4 Palestine

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


: الأوسمة



التالي
الأمم المتحدة تصادق على قرار إنساني لوقف إطلاق النار في غزة
السابق
قس فلسطيني "عند تدمير المساجد في غزة أتعهد برفع الأذان تضامنًا مع إخوتي المسلمين"

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع