البحث

التفاصيل

الجهاد في سبيل الله والأسئلة الستة!

الرابط المختصر :

الجهاد في سبيل الله والأسئلة الستة!

بقلم: سعد الكبيسي

 

لا خلاف بين علماء الإسلام قديما وحديثا في مشروعية الجهاد في سبيل الله من حيث الأصل، عندما تتوافر المبررات والدواعي إليه، والنصوص المؤصلة لمشروعيته كثيرة ومتنوعة لكل جوانب هذا الجهاد، فمثلا يقول سبحانه: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون﴾ (الأنفال 60).

ويقول: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير * وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير﴾ (الأنفال: 39 – 40).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله ورسوله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور». متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة مئة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض». رواه البخاري.

مشروعية الجهاد ثابتة من حيث أصل الحكم، ولكن المشروعية من حيث الفتوى ستكون مختلفة، فرب حكم مشروع من حيث الأصل، لكن حكمه سيكون مختلفا من حيث الفتوى والتنزيل

إن كل أمة من حقها أن تدافع عن نفسها وتحارب إذا ما داهمها الخطر، وهذا شيء فطري وبديهي عند أي إنسان وعند أي مجتمع وأمة، والدفاع هذا يسمى في الإسلام جهادا، وهو استثناء من أصل السلم لا الحرب، ولا تلجأ إليه الأمة إلا عند توافر أسبابه ودواعيه، مع منظومة أخلاقية عظيمة اختص بها دون بقية الأمم، شهد له بها العدو قبل الصديق.

ولقد كان موضوع الجهاد من أكثر الموضوعات التي تجاذبت الحديث فيه أطراف عدة، حتى حصل الالتباس الذي يعيشه كثير من أبناء المسلمين وغير المسلمين، ونشير هنا إلى ثلاث جهات رئيسة:

* الأولى: الجهات المعادية للإسلام التي تعتبر الجهاد -عمدا أو جهلا- صورة من صور الإرهاب الممنوع، حتى لو كان ذلك دفاعا مشروعا عن النفس!.

* الثانية: الجهات التي تنتمي للإسلام، لكنها جعلت الجهاد أداتها الوحيدة، مع مرافقة حالة من الغلو والتطرف وسفك الدماء البريئة.

* الثالثة: الجهات التي تتبنى الجهاد باعتدال كحالة مشروعة من حالات الدفاع عن النفس، بسبب احتلال غاشم، أو غير ذلك من الحالات المشروعة.

إن مشروعية الجهاد ثابتة من حيث أصل الحكم، ولكن المشروعية من حيث الفتوى ستكون مختلفة، فرب حكم مشروع من حيث الأصل، لكن حكمه سيكون مختلفا من حيث الفتوى والتنزيل، لأن الفتوى تتعامل مع الواقع، ومدى تحقق مقاصد الشريعة عند تنزيل الحكم الشرعي عليه.

إن الفتوى في مسائل الجهاد خاضعة للإجابة عن أسئلة ستة لا بد من الإجابة عليها للوصول إلى الحكم الشرعي والقرار الصائب فيها من أهل الشأن والرأي والقرار في الأمة.

ونستطيع تلخيص هذه الأسئلة الستة عن الجهاد في الآتي: لماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ ومع من؟ وضد من؟، والإجابة عن هذه الأسئلة -فيما نعتقد- ستساهم في توضيح فكرة الجهاد في الإسلام ومقاصد تشريعه، كما ستعمل على رفع اللبس الكبير والحاصل تجاه هذه الفريضةـ، وضبط الفتوى والرأي المتعلق بها، وانتشالها من الفوضى والعشوائية القاتلة.

الإجابة على هذه الأسئلة الستة في وقتنا الحاضر لن تكون من اختصاص الفقيه فحسب، بل يشترك في الإجابة عليها جمع من المتخصصين، ذلك أن الإجابة عليها ستكون إجابة معقدة ومركبة تبعا لتعقد الحياة والواقع وتركيبه، بخلاف الإجابات البسيطة التي كانت تصدر قديما من الفقيه فحسب

فأما السؤال الأول: "لماذا"، فيطلب الإجابة عن المبررات والدواعي لإعلان حالة الجهاد المشروع، فالجهاد ليس رغبة عابرة أو مجرد قناعة فكرية أو حماسة عاطفية عاجلة، بل جعله الشارع سبحانه فريضة لأجل تحقيق أهداف محددة، مثل: دفع العدو الصائل المعتدي على بلاد المسلمين، ورفع الظلم والفتنة عن المؤمنين، وإعلاء لكلمة الله تعالى، وغيرها من الأهداف المسطورة في كتبنا الفقهية والفكرية.

وأما السؤال الثاني: "كيف"، فيطلب الإجابة عن الكيفيات والأساليب والطرق الملائمة لتحقيق الأهداف المشروعة، فهل سيكون الجهاد سلميا أو قتاليا؟ وإذا كان سلميا فما هو الوسيلة المناسبة؟ هل سيكون إعلاميا أو احتجاجيا؟ أو بطريقة المقاطعة والإضراب الجماهيري وغير ذلك؟، وإذا كان قتاليا، فلأي مستوى سيكون؟ وكم هي مدته؟ وما هي فرص نجاحه؟ واحتمالات وقفه من خلال الهدنة أو الصلح أو المعاهدة؟، وغير ذلك مما يتعلق بالكيف لهذا الجهاد المشروع.

وأما السؤال الثالث: "أين"، فيطلب الإجابة عن الأماكن والساحات التي يكون فيها الجهاد، وأن لا يكون المكان والساحة مما فرضها العدو وتصب في صالحه، واختيار المكان قضية فنية يحسنها المتخصصون، وليست قضية دينية تكون من خلال رد فعل واستجابة لحدث معين طارئ.

وأما السؤال الرابع: "متى"، فيطلب الإجابة عن التوقيت الصائب لقرار المواجهة، وهو التوقيت المتعلق باكتمال الإعداد الذي أمر الله به، وعدم السماح للعدو بأن يختار هو التوقيت الذي يريده وفي صالحه، ومعها عدم السماح للمستعجلين بالمواجهة حتى لو توافرت الدواعي لها.

وأما السؤال الخامس: "مع من"، فيطلب الإجابة عن التحالفات والجهات القائمة بالجهاد فعلا، ومدى تحقق الشروط الشرعية والأخلاقية والواقعية والفنية فيها، فلا يكون الجهاد حالة من الانضمام العشوائي له، ولا الفوضى في المساندة والمناصرة دون شرط أو ضابط.

وأما السؤال السادس: "ضد من" فيطلب الإجابة عن طبيعة العدو الذي يراد إعلان الجهاد ضده، وهل هذا العدو يستحق ذلك؟ بسبب نوع الاعتداء، ودرجته، ومآلاته، وعدم وجود حلول ومعالجات مجدية أخرى معه.

الجهاد كما أنه الفريضة التي تحمي بيضة المسلمين من أي اعتداء مع صواب الحسابات ودقة الموازنات، وله دواعيه ومبرراته المشروعة، لكنه مع خطأ الحسابات وعدم الدقة في الموازنات سيكون من أخطر الأعمال التي ينعكس أثرها على الأمة بشكل عام

وبطبيعة الحال فإن الإجابة على هذه الأسئلة الستة في وقتنا الحاضر لن تكون من اختصاص الفقيه فحسب، بل يشترك في الإجابة عليها جمع من المتخصصين، ذلك أن الإجابة عليها ستكون إجابة معقدة ومركبة تبعا لتعقد الحياة والواقع وتركيبه، بخلاف الإجابات البسيطة التي كانت تصدر قديما من الفقيه فحسب، تبعا لبساطة الحياة والواقع، فالمناورات السياسية والعلاقات الدولية والقدرات العسكرية والأمنية والرسائل الإعلامية والإمكانات الاقتصادية والمقومات البشرية والمادية والصحية، وغيرها من العناصر لم تعد بسيطة كما كانت من قبل.

إن هذه الأسئلة هي أمهات الأسئلة المفترضة قبل أي قرار، ولا يعني ذلك عدم وجود أسئلة أخرى في الموضع، لكنا نعتقد أن هذه الأسئلة هي أسئلة أم، وأسئلة مرجعية ورئيسة، ترجع كل الأسئلة الفرعية إليها.

إن الجهاد كما أنه الفريضة التي تحمي بيضة المسلمين من أي اعتداء مع صواب الحسابات ودقة الموازنات، وله دواعيه ومبرراته المشروعة، لكنه مع خطأ الحسابات وعدم الدقة في الموازنات سيكون من أخطر الأعمال التي ينعكس أثرها على الأمة بشكل عام، سواء صدر من دولة أو فصيل، بسبب تعلقه بأنفس وأموال وأعراض ومصائر، ينبغي أن تكون الحسابات فيها في أعلى درجات الدقة، وأقصى بذل الوسع والاجتهاد الجماعي الذي ليس بعده وسع ولا اجتهاد، ولا يكون مجرد استجابة ظرفية عاجلة لحدث معين، أو لمطالبات جماهيرية عارمة دون حسابات من أهل الرأي والتخصص والقرار.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* سعد الكبيسي: أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





السابق
عوامل الابتعاد عن المنهج القرآني والهدي النبوي

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع