سقوط المشروع الغربي في اختبار حقوق الإنسان
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد
لعلنا نتذكر ما جرى أيام الحرب الروسية الأوكرانية، وردود فعل العالم الغربي التي صدرت عن بلاد أوربا وأمريكا من هرولة نحو نجدة الأوكران؛ لأنهم كما قالوا: "يشبهوننا؛ عيونهم خضر، وشعرهم أصفر"!! بينما وقف هذا "العالم" نفسه متفرجا وصامتا على ما جرى من مجازر في سوريا، ومذابح في العراق، وجرائم حرب في مصر واليمن، ومن قبل ذلك ما حدث من جراح وآلام في البوسنة والهرسك لم تزل ممتدة في وجدان المسلمين حتى اليوم.
"العالم" الغربي وقف مؤازرا ومساندا، وداعما لهذه الدويلة اللقيطة "إسرائيل"، بكل ما أوتي من قوة، وقدمت "أمريكا" الدعم الكامل لهذا المحتل المجرم
جرائم على أرض غزة!
والآن -ونحن في معركة طوفان الأقصى- نرى على نوافذ الإعلام، ونشاهد على شاشات التلفاز المجازر التي يقوم بها جيش الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وجرائم الحرب المتكاملة التي يمارسها، والقتل الجماعي للنساء والأطفال والشيوخ، وتدمير بنية المجتمع التحتية، بتهديم أبنيته ومساجده وكنائسه ومستشفياته، وتدنيس بيوت الله عمدا، وإطلاق الكلاب البوليسية على المرضى والجرحى في المستشفيات! نرى كل هذا ونشاهده، وهذا "العالم" لا يقدم نفعا ولا يؤخر ضرا، ولا يستنكر هذه الجرائم غير المسبوقة في تاريخ قضية فلسطين!
بل إن هذا "العالم" الغربي وقف مؤازرا ومساندا، وداعما لهذه الدويلة اللقيطة "إسرائيل"، بكل ما أوتي من قوة، وقدمت "أمريكا" -الدولة الكبرى في العالم- الدعم الكامل لهذا المحتل المجرم، بالزيارات المباشرة من أكبر رأس في الدولة "بايدن"، وبتزويد جيش الاحتلال بالطائرات الحربية، والذخائر والأسلحة، بل الجنود المقاتلة والمرتزقة من العالم.
أي إهدار في القيم والأخلاق، وفي القلب منها حقوق الإنسان، فإنه مؤذن بانهيار هذا "المشروع"، وبداية إمضاء سنة الاستبدال فيه، كما أنه إيذان بميلاد جديد للإسلام على يد من يصطفيهم الله لهذه المهمة التي يبعث لها من صنعهم لأجلها.
أين الغرب مما أسماه "حقوق الإنسان؟!
ساءلت نفسي: أين حديث هذا "العالم" بمشروعه "الحضاري" من "حقوق الإنسان" التي جعل لها ميثاقا أسماه: "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" تضمن حقوقا ثلاثين شملت الحق في عدم التعرض للتمييز، والحق في حرية التعبير، والحق في التعليم، والحق في طلب اللجوء، كما تشمل الحقوق المدنية والسياسية، من قبيل الحق في الحياة والحرية والخصوصية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من قبيل الحق في الضمان الاجتماعي والصحة والسكن اللائق، وغير ذلك.. فكيف بجرائم الحرب التي تقع والإبادات الجماعية التي تجري والغرب لا أقول في صمت، ولكن في تأييد وعون وتقديم المدد الكامل والدعم الشامل!
وقد قرر هذا الميثاق أن جميع حقوق الإنسان تكتسي أهمية متساوية، ويتعين على جميع الحكومات أن تتعامل مع حقوق الإنسان على نحو عادل ومتساو، وعلى قدم المساواة وبالتركيز نفسه، ويقع على عاتق جميع الدول، بغض النظر عن أنظمتها السياسية والاقتصادية والثقافية، واجب تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها للجميع بدون تمييز! فأين ممارسات أمريكا وكثير من دول أوربا من هذا "الإعلان" أو "الميثاق" بموقفها الداعم والمؤيد لجرائم إسرائيل؟!.
مركزية الأخلاق في المشاريع الحضارية
والحق أن هذا سقوط مدو للمشروع الغربي من ناحيته الحضارية الشاملة؛ إذ إن المشروعات الحضارية لا تبقى بالتقدم المادي فقط، ولا تستمر بالاكتشافات والاختراعات فحسب، وإنما برعاية الأخلاق والكيل بمكيالها الواضح، وطرد هذا المكيال على كافة المواقف والإجراءات والاختيارات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وليس الكيل بألف كيل، بحيث إذا كانت فيه مصلحتهم أمضوه، وإذا كان ضد مصلحتهم انتهكوه، بل أكلوا صنمه الذي أقاموه.
وإن أي إهدار في القيم والأخلاق، وفي القلب منها حقوق الإنسان، فإنه مؤذن بانهيار هذا "المشروع"، وبداية إمضاء سنة الاستبدال فيه، كما أنه إيذان بميلاد جديد للإسلام على يد من يصطفيهم الله لهذه المهمة التي يبعث لها من صنعهم لأجلها.
لم يحقق الإسلام بوصفه رسالة عالمية حسن الخلق على مستواه الداخلي بين أفراده فقط، وبين علاقاته المتنوعة، وإنما كانت الأخلاق هي المعيار الحاكم والملمح الأبرز في تعامل المسلمين مع غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية
الفخر لنا بحقوق الإنسان في الإسلام
وأمام هذا السقوط الأخلاقي المترتب عليه انهيار حضاري للمشروع الغربي، نقف بكل فخار واعتزاز بالإسلام الحنيف: عقيدة وشريعة وتاريخا وحضارة؛ إذ الركن الأخلاقي فيه هو الحاكم، وهو الموجه الأساس لأي نشاط إنساني، على المستوى الفردي والأسري والجماعي والمجتمعي، واقرءوا إن شئتم كتاب: "دستور الأخلاق في الإسلام" للعلامة محمد عبد الله دراز، الذي قدم رؤية القرآن عن الأخلاق، وجعل فيه فصلا بديعا بعنوان: "أخلاق الدولة".
لم يحقق الإسلام بوصفه رسالة عالمية حسن الخلق على مستواه الداخلي بين أفراده فقط، وبين علاقاته المتنوعة، وإنما كانت الأخلاق هي المعيار الحاكم والملمح الأبرز في تعامل المسلمين مع غير المسلمين في ظل الدولة الإسلامية، فحفظت دولة الإسلام على مر التاريخ حقوق الطوائف والمذاهب التي لا تدين بالإسلام، ومكنتها من العيش الآمن والحياة الكريمة، وأفسحت لها المجال لتمارس الحياة، وتقدم إضافتها وكسبها في بناء حضارة إنسانية عظيمة.
هذا هو "مشروع" الإسلام، حين يحكم، وهذه "مشروعات" غيره حين تحكم، فما أحراهم بقول الشاعر الأيوبي الحيص بيص، حين عبر عن هذا المشهد بقوله:
ملكنا فكان العفو منا سجية ** فلما ملكتم سال بالدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما ** غدونا عن الأسرى نعف ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا ** وكل إناء بالذي فيه ينضح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وصفي عاشور أبو زيد: أكاديمي مصري، وأستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، وعضو عدد من المؤسسات العلمية العالمية.
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.