الفتوى (5) الصادرة عن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد بخصوص مشروعية الإضراب والاحتجاج نصرة لأهل فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
الفتوى (5) الصادرة عن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
السبت بتاريخ 10 جماد الثاني 1445 الموافق 23/12/2023 بخصوص مشروعية الإضراب والاحتجاج نصرة لأهل فلسطين
الحمد لله ناصر المجاهدين، ومغيث المستضعفين، ومذل المحتلين المعتدين، ونصلي ونسلم على خاتم رسل الله إلى العالمين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تتابع – عن كثب- ما يجري في أرض غزة وما يقوم به العدو المحتل من إبادة جماعية بتأييد غربي وتقصير عربي. وقد سبق للجنة أن أصدرت عددا من الفتاوى فيما يخص المقاطعة الشاملة، وواجب الحكومات تجاه حرب الإبادة الجماعية لأهل غزة، وحكم مناصرة الكيان الصهيوني، وفتوى حول العدوان الصهيوني على أهل غزة.
واستكمالا لدور لجنة الاجتهاد والفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لنصرة أهلنا في غزة وفلسطين، فقد نظرت في قضية الدعوة إلى الإضراب الشعبي في العالم الإسلامي بهدف الضغط على الحكام والمسئولين لاتخاذ مواقف لنصرة أهل غزة، ووقف الإبادة الجماعية التي يمارسها جيش الاحتلال؛ ورأت اللجنة أن هذا الإضراب نوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصرة للمظلومين ، وقد مارسته الشعوب المسلمة وغيرها عبر التاريخ، وأقرته العديد من المواثيق الدولية والدساتير، من أجل الوصول إلى حقٍ أو دفع ظلم، وهو من الأمور المشروعة في حق الأفراد و المجتمعات، وإن كان يأخذ الأحكام الخمسة ، فقد يكون حراما أو مكروها أو واجبا أو مستحبا أو جائزا، والإضراب والاحتجاج من أجل نصرة أهل غزة فلسطين من الأمور المشروعة، وذلك بالنظر في الأمور الآتية : -
أولا : الإضراب للأمور المشروعة من وسائل النهي عن المنكر في هذا العصر، وهو ضرب من ضروب الجهاد السلمي، وإغاظة العدو والنيل منه؛ لقوله تعالى :" ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}[التوبة: 120]. كما أنه وسيلة من وسائل النهي عن المنكر السياسي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم قوله: " سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَام إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ" رواه الحاكم. وفي الحديث مشروعية النهي عن المنكر للحكام بالحديث أو بغيره من الوسائل.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري أن رجلا أسلم ثم تهود، فأتى معاذ بن جبل وهو عند أبي موسى فقال: ما لهذا؟ قال: أسلم ثم تهود، قال: لا أجلس حتى أقتله، قضاء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ففي الحديث دليل على الاعتراض على الإمام حتى ينزل على الحق وحكم الله.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يهلك الناس هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا قال لو أن الناس اعتزلوهم». والاعتزال أحد أدوات الإضراب.
كما أن الإضراب والاحتجاج لدفع الحكومات لاتخاذ موقف جاد لنصرة أهل غزة وفلسطين هو من باب التعاون بين المضربين بالترك؛ والأصل في الأفعال التركية نفى الحرج حتى يدل الدليل على خلافه.
ثانيا- الإضراب يقوم مقام الوسائل من المقاصد، فهو وسيلة للتعبير عن نصرة أهل غزة وفلسطين المظلومين، المحتلين المحاصرين، فهو من باب الوسائل التي تأخذ حكم المقاصد، ولما كان مقصده نصرة المظلوم، كان مشروعا؛ لأن الأصل في الوسائل التعدد والتنوع لا الحصر والتأقيت، إلا ما دل الشرع على تعيينه. وهذا اللون من النشاط السياسي في شريعتنا من جنس الوسائل المباحة التي تتوقف مشروعيتها على معرفة أهدافها وأنواعها وضوابطها، فما كان منها مشروعا في ذاته، مأمونا في مآلاته، ومحققا لمقاصد الشرع ؛ فهو مشروع، بل قد يكون واجبا ..
ثالثا : أن الإضراب والاحتجاج من وسائل النصرة لأهلنا في غزة، وهو من حقوق الأخوة في الإسلام، لقوله تعالى: "وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ" {الأنفال:72}. وقوله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر" وهذه الإضرابات من أنجع الوسائل في النصرة، وأصدق مظاهر الإخاء والولاء .
رابعا- الإضراب والاحتجاج لدفع الحكام لنصرة أهل فلسطين من الوسائل المشروعة التي تتأخر رتبتها عند استنفاذ الوسائل الأخرى، حتى يتم الضغط عليهم لاتخاذ مواقف للنصرة، وهي من باب النصرة بالشكوى، كما في قصة الرجل الذي جاء يشكو جاره ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهَبْ فاصبِرْ فأتاه مرَّتَيْن أو ثلاثًا فقال اذهَبْ فاطرَحْ متاعَك في الطَّريقِ ففعل فجعل النَّاسُ يمرُّون ويسألونه فيُخبرُهم خبرَ جارِه فجعلوا يلعنونه فعل اللهُ به وفعل وبعضُهم يدعو عليه فجاء إليه جارُه فقال ارجِعْ لن ترَى منِّي شيئًا تكرهُه
خامسا : إن الإضرابات السلمية الهادفة من الوسائل التي توافقت عليها الشريعة مع القوانين والمواثيق الدولية، حيث أقرته اتفاقية منظمة العمل العربية عام 1977م في المادة الثانية عشرة، و استخدمته كثير من الشعوب المسلمة في جهادها ضد المحتل، من ذلك إضراب أهل فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني في عام 1963، وإضراب أهلنا في مصر ضد الاحتلال البريطاني عام 1926م .
سادساً: إن الأصل في تعطيل مصالح الناس والمؤسسات، دون وجود ما يبرر ذلك شرعا هو المنع، ولهذا كانت مشروعية الإضراب والاحتجاجات مشروعة بشروط، من أهمها: عدم تعطيل المصالح العامة التي لا يستغنى عنها مثل المستشفيات والأمن وغيرها ، وعدم المساس بالممتلكات العامة والخاصة، وأن يستنفذ المضربون كل الوسائل الإدارية والقانونية والإعلامية اللازمة، كالتدرج في مراتب الإضراب العام أو الفئوي، والإعلام المسبق للجهات المعنية، وتخصيص المجالات والدول، وتحديد الآجال، ... ونحو ذلك.
وتأسيسا على ما مضى فإن اللجنة ترى أن الإضراب لأجل نصرة غزة في هذه الحالة التي نعيشها مطلوب شرعا على المجتمعات الإسلامية وفق الشروط والضوابط السابقة وتناشد كل أحرار العالم للتضامن مع هذه الوسائل، وممارسة الضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية من أجل وقف الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال الصهيوني على أهل فلسطين بجميع طوائفهم.
والحمد لله رب العالمين
صادر عن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.