البحث

التفاصيل

(2) الكشف عن زيف حقوق الإنسان

الرابط المختصر :

سلسلة: الحرب على غزة تكشف عن المستور؛

(2) الكشف عن زيف حقوق الإنسان

بقـلم: الدكتور أحمد الإدريسي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

(اقرأ: حقائق تاريخية (1) الحرب على غزة تكشف عن المستور)

 

يُعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1948، أول وثيقة قانونية تحدد حقوق الإنسان الأساسية التي يجب حمايتها عالميا[1]. وورد في هذا الإعلان عدم التمييز، وهو مبدأ شامل في القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتنصّ عليه جميع المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان، وهو أيضا محور اتفاقيتين هما؛ الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

وحقوق الإنسان يتمتّع بها كل البشر، وهي ليست منحةً أية دولة، وهذه الحقوق العالميّة متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو نوعهم الاجتماعي، أو أصلهم الوطني أو العرقي أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر.

1- كثرة الوثائق تقابلها انتهاكات حقوق الإنسان.

يشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أساس جميع قوانين حقوق الإنسان الدولية، ويُعطي الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتوفر مواده الثلاثون مبادئ اتفاقيات ومعاهدات حقوق الإنسان الحالية والمستقبلية وغيرها من الصكوك القانونية الأخرى، وركائزها.

وكثيرة هي الوثائق المتعلقة بحقوق الإنسان، لكن ومع كثرة هذه الوثائق، يلاحظ الجميع زيادة مضطردة في انتهاكات حقوق الإنسان، والتي تُـعد من الأسباب الأساسية للنزاعات وانعدام الأمن، لأن مقاربات السلام والأمن القائمة على حقوق الإنسان تساهم بشكل كبير في تحقيق السلم والسلام، والتعاون المنشود بين الشعوب والأمم وبين الدول.

ومن جهة أخرى نجد موقف الغرب وجل الأنظمة العربية من قضية فلسطين ومن الحرب المعلنة على قطاع غزة، يُظهر عداء تلك الأنظمة للإسلام، وهذا يكشف ما كان مستورا؛ يكشف أن هذه الأنظمة تابعة للغرب ولا تعبر عن شعوبها.

لذلك فقد كشفت الحرب على غزة عن معايير مزدوجة في التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان، حيث نجد الكثير من الدول والمنظمات الدولية تغض الطرف عن جرائم إسرائيل في غزة وفي كل فلسطين، كما نلاحظ جليا الفروق الصارخة بين ردود الفعل الدولية تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وبين الصمت إزاء ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق الشعب الفلسطيني منذ عقود.

2- الكشف عن زيف حقوق الإنسان.

عندما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تلاه عدد من المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان كالعهدين الدوليين، ومواثيق تتعلق بحقوق المرأة والطفل واللاجئين وغيرها من الوثائق الأممية، لكن الغرب الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان هو أول من ينتهك هذه المواثيق الدولية.

إن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة وفي كل فلسطين ومنذ عقود، فضحت الغرب الذي يتشدق بحقوق الإنسان والحرية والحق في تقرير المصير، ولكنه يتجاهلها عندما يتعلق الأمر بحقوق العرب والمسلمين. ونجد الغرب يساند الأنظمة الاستبدادية في العالم ويدعمها في قمع شعوبها، ويقتل الآخرين باسم الديمقراطية، وتحت شعار الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب، كما تقول الروايات الغربية عن الأحداث الحالية في غزة.

ويظهر كذلك التباين والانتقائية والمعايير المزدوجة في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، حينما نجدها تسرع لحماية بعض الدول، بينما تترك أخرى فريسة للظلم والاضطهاد، رغم أنه يجب ألا يكون هناك تمييز بين دماء الإنسان وكرامته بناء على التبعية أو الدين أو الموقع الجغرافي، أو المصالح الاقتصادية، فالكل متساوون في الحقوق والكرامة وفقًا للمواثيق الدولية.

وانكشفت أيضا عدم عدالة حقوق الإنسان؛ إذ لا يمكن أن يدعي أحد بأن الطفل في أفغانستان والعراق، والصومال والملاوي، وفلسطين وسورية يتمتع بنفس الحقوق والمزايا التي يتمتع بها الطفل في واشنطن، أو لندن أو جنيف، أو باريس.

3- الحرب على غزة تفضح المنظمات الحقوقية:

إن الحرب على غزة فضحت المنظمات الحقوقية غير المنصفة، والتي تتعامل بمعايير مزدوجة، وفضحت الدول التي تساند الصهاينة وتدعمهم ماديا وسياسيا وإعلاميا، خاصة أثناء ارتكاب أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين.

والغرب نفسه الذي يدّعـي حقوق الإنسان ويدافع عنها، قتل الملايين أثناء فترات احتلاله للكثير من الدول (في الجزائر وحدها أكثر من مليون شهيد)، وقتل الملايين في حروبه الظالمة في أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، والغرب يبارك قتل الأنظمة المستبدة لشعوبها التي تطالب بالحرية والكرامة الإنسانية، والغرب يتحمل المسؤولية عن تشريد الملايين من البشر وتحويلهم إلى نازحين ولاجئين.

ومن الأمثلة الواحة الفاضحة؛ أثناء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تحركت كل الآليات الدولية لتقديم الدعم العسكري والإنساني لأوكرانيا، ثم تحركت لفرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا، أما في فلسطين فقد اكتفت ببيانات إدانة خجولة لا ترقى لوقف معاناة شعب بأكمله يتعرض للقتل اليومي على مرأى ومسمع من العالم.

إن من يزعم أن منظمات حقوق الإنسان تتعامل مع الجميع على قدر واحد من المساواة فهو كاذب أو مضلل، ومناقض للواقع الأخلاقي والإنساني إذ كيف يُعقل أن يقسّم الغرب الإنسانية إلى ثلاث فئات أو طبقات؛ “طبقة الصفوة” أو النخبة الإنسانية المثالية الراقية والمتمثلة في الغرب، و”الطبقة الوسطى”، ثم الطبقات المنحطة أو ما يسمى ب”دول العالم الثالث”.

خـاتمــة:

لقد أدرك العالم أن الإنسان المعني في قضايا حقوق الإنسان هو الإنسان الغربي، والدليل هو ما يحدث في غزة من تقتيل للأبرياء وتهجير للمدنيين، وتدمير شامل للبنية التحتية، ومحاصرة أهل غزة، وحرمانهم من الاحتياجات الضرورية، فانتهاكات حقوق الإنسان مع غير الغربي لا تدخل تحت المواثيق المنمقة التي تقر بالحقوق والحريات للإنسان.

 ولا شك أن المسلمين يقع على عاتقهم -باعتبارهم خير أمة أخرجت للناس- إنقاذ أنفسهم من هذا الاستكبار العالمي، ثم إنقاذ البشرية ومن ظلم الغرب وغطرسته، وقيادته البشرية نحو التهلكة، وفضح المنظمات الحقوقية غير المنصفة، والمعايير المزدوجة في تنزيل مبادئ وبنود حقوق الإنسان، والمطالبة بالحقوق والحريات، وتحميل الغرب الجزء الأكبر من المسؤولية عن الخراب والدمار في العالمين العربي والإسلامي.

وفي المقال الموالي، بإذن الله، سنناقش كيف كشفت الحرب على غزة أنها حرب عقدية واقتصادية بامتياز.

 

ــــــــــــــــــ

[1] – صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى جانب العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين





السابق
الاتحاد يدين بشدة العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن ويستنكر الازدواجية الأمريكية والبريطانية في التعامل مع دولة الاحتلال والمسلمين

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع