البحث

التفاصيل

رسالتي إلى الاتحاد ورجاله!!

الرابط المختصر :

رسالتي إلى الاتحاد ورجاله!!

بقلم: التهامي مجوري

 

قرأت مقال الدكتور عطية عدلان، مدير مركز (محكمات) للبحوث والدراسات اسطنبول المعنون بـ: "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أين؟" المنشور في موقع "رسالة بوست" [https://resalapost.com]، بتاريخ 17/01/2024، بhهتمام كبير، بوصفه مقالا نقديا، يتطلع إلى معالي الأموري، في تنظيم لا يليق به النزول إلى سفاسفها، ولكن ما لاحظته على تفاصيل المقال، أنه لم يرتق إلى ما يهدف إليه، إلا في نقطة واحدة، قد أخّرها الدكتور عطية إلى آخر على أهميتها، وهي في فيما أحسب أهم نقطة في المقال وهي قوله: "مشروع بالغ الأهمية، لا يرقى للقيام به إلا الاتحاد العالمي وأمثاله من الهيئات الكبرى، وهو مشروع تحويل الدعوة لغير المسلمين من العمل الارتجالي إلى العمل المؤسسي الممنهج".

*************

مستقبل العالم ومهمة الاتحاد

وأهمية هذه النقطة، تكمن في كونها من الأمور المغفول عنها طيلة العقود الماضية، وهي فكرة الانتقال من واقعنا المحلي وقضاياه الجزئية، إلى مناقشة قضايا الفكر الإنساني، الذي كنا نتعامل معه كبعبع يخاف منه، وهو الآن في مأزق يبحث عمن يساعده في الخروج منه.

ولأهمية هذه النقطة رأيت من الضروري الإنطلاق منها، أما باقي القضايا التي أثارها المقال فيمكن تفهمها في أطرها المناسبة لها، وموقعها من قضايا الأمة ومهمة الاتحاد.

وفضلت أن لا يكون مقالي هذا مجرد تعقيب على مقال، تزكية له أو ردا عليه، وإنما رسالة مفتوحة إلى الاتحاد ورجاله عموما، للفت الانتباه إلى ما ينبغي ان يشغلنا من الأولويات فيما ينتظر منا العالم، لا سيما ونحن من صفوة الأمة التي تعلق عليها الأمة والإنسانية الكثير، ولفت للانتباه إلى الخطاب الإلهي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة 105]

إن رسالة الإسلام رسالة عالمية، والقرآن الذي جاء به الإسلام كتاب هداية للناس كافة، ومصدر معرفة أساس في هذه الرسالة (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل 89]، كما أن السنة والسيرة أيضا تطبيقات عملية لما جاءت به الرسالة الخاتمة (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل 44].

ومهمة الاتحاد في ذلك مهمة علمائية دعوية إصلاحية، على نهج النبوة، والعالم اليوم في امس الحاجة لرسالة الإسلام الهادية إلى الرشد؛ لأنه يمر بأزمة حادة على مستوى الفكر والممارسة السلوك، ويعاني من انسداد في مناهجه الفكرية والعقدية والسلوكية، وقد أعلن الكثير من المفكرين الغربيين خاصة عن ذلك، في أكثر من مناسبة، في كتب ومقالات ودراسات ومواقف سياسية واجتماعية، وهي أزمة لا مخرج منها إلا بالخطاب الإسلامي بأفقه الإنساني، وليس بالاجتهادات المذهبية الجزئية، وكما قال العلامة ابن باديس رحمه الله: "الإسلام هو دين الله الذي أرسل به جميع رسله، وهو دين البشرية الذي لا تسعد إلا به" (الاصلين 1-2، من أصول دعوة جمعية العلماء).

وأول واجبات الاتحاد في تقديري هو الانفتاح على هذا العالم المأزوم، بما فتح الله به على علمائه وإطاراته الدعوية، لعرض الإسلام الذي أراده الله لهداية البشرية، والارتقاء بالخطاب الإسلامي إلى مستوى مشكلات الإنسان؛ لأن "مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته، ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها... وما الحضارات المعاصرة، والحضارات الضاربة في ظلام الماضي، والحضارات المستقبلة إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن، فهي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم على الأرض إلى آخر وريث له فيه" [مالك بن نبي، شروط النهضة، ص19/20] 

وسواء فهمنا هذه الأهمية، في إطار الواجب الشرعي الذي على عاتق علماء الأمة، وضرورة الدعوة إلى الله "لأن يهديَ الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النَّعَم" (رواه الشيخان، عن سلمة بن الأكوع، رقم 6495، أنظر جامع الأصول)، أو في إطار المساهمة في إنقاذ الإنسانية مما هي فيه من تراجع قيمي أخلاقي كبير، وتردي تتسع دوائره يوما بعد يوم، فالأمر سيان؛ لأن مطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مهام الأمة الرئيسية الباقية إلى يوم يوم القيامة (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران 104]، "من رأى منكُم منكرًا فلْيُغَيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رقم 107، انظر جامع الأصول).

وبهذه المناسبة اقترح على الاتحاد أن يفكر في الإعداد الجاد لهذه الطاقات العلمية التي توكل إليها هذه المهمة الضخمة، وهي مهمة بلا شك ولا ريب، لها ما بعدها من الآثار الطيبة على الإنسانية جمعاء، وعلى أمتنا التي لا تزال تعيش في ظل أنظمة استبدادية لم تستطع التخلص من هينة غيرها عليها.

لا شك أن إصلاح واقع مجتمعاتنا المسلمة له أهميته أيضا، ولكن فيما أحسب، أن تدخل طروحات الفكر الإسلامي على الفكر الإنساني التدخل المباشر، أضحى أكثر من ضرورة؛ لأن الغرب الذي فقد الكثير من القيم الإنسانية، ومن مبررات البقاء والاستمرار الكثير أيضا يهدد العالم، ونحن في سفينة واحدة، إذا لم تتدخل الأيد المتوضأة فإن واقع العالم إلى زوال لا قدر الله، وكما هو مقرر في أدبياتنا وفي نصوص وحينا، أن الفساد لا سقف له، إذا لم يجد في طريقه ما يعرقله فإن يعم، ولا يوقفه صلاح الصالحين ولا تقوى التقياء (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال 25].

اما باقي النقاط التي تناولها المقال واعتبرتها أقل أهمية في رسالة الاتحاد وما ينتظر منه، فيمكن إيجازها في اربعة مواضيع: موضوع الشورى، وموضوع النشر وطباعة الكتب، وموضوع التفريق بين غزة وغيرها من قضايا الأمة، وموضوع مشروع أهل السنة.

موضوع الشورى

لقد لاحظ كاتب المقال على مؤتمر الاتحاد الأخير الذي انتخبت فيه قيادته الجديدة، غياب الشورى ومن ذلك طريقة انتخاب الرئيس الجديد الأستاذ الدكتور علي القرة داغي ونوابه، وقد سمعت شيئا من ذلك أثناء المؤتمر... ولا أدري ما الذي كان يمكن فعله في مؤتمر يتقدم فيه مرشح واحد؟

كان يمكن لكل عضو في الجمعية العمومية تتوفر فيه شروط الترشح، أن يرفع يده للترشح أو يقوم بترشيح غيره، ولكن لا شيء من ذلك وقع.

ثم موضوع الشورى، عن أي شورى نتكلم؟ كيف تتم الشورى؟ وهل إذا لم نعلم نحن بهذه الشورى أنها لم تقع؟ أم أن العيب في ترشح شخص واحد؟ أم في امتناع الناس عن الترشح؟ ام أن هناك سوء ظن في العملية برمتها؟

ومهما تكن الإجابة عن هذه التساؤلات، فإن الذي علمنا به أن المرشح لرئاسة الاتحاد حسب قواعد الاتحاد نفسه، هو واحد من ثلاثة: الشيخ الحسن ولد ددو، والدكتور عصام البشير، والدكتور علي القرة داغي، وقد انتهى الأمر إلى الدكتور القرة داغي، ولا أظن ذلك مر من غير تشاور بين رجال الاتحاد، ويستشف ذلك من أن المرشحين الآخرين هما من نواب الرئيس في القيادة الجديدة، بقطع النظر عمن هو الأولى بهذا المنصب أو ذاك.

وهذا المنحى التوافقي من الشورى ليس جديدا في تاريخ الاتحاد؛ لأن الشورى لا تنحصر في عملية الانتخاب فحسب، وإنما هي في فعل الأولى من الخيارات المتاحة، أمام قيادات الاتحادة وما تقره مواثيقه المؤسسة له والناظمة لمؤسساته. وقد لاحظنا ذلك، عندما اقترح الرئيس المنتخب ستة نواب، وهو اقتراح مخالف للقانون الأساسي الذي ينص على حد أقصىللنواب وهو أربعة، فعرض تعديل المادة برفع عدد النواب إلى أكثر من أربعة وصادقت الجمعية العمومية. 

لقد انتخب الشيخ القرضاوي من قبل لرئاسة الاتحاد، ولم يترشح معه أحد، على اعتبار أنه لا يوجد من هو أولى منه، ولكن عندما قرر الشيخ رحمه الله عدم الترشح، فقد اقترح الدكتور أحمد الريسوني، ولم يكن هناك اعتراض، ربما تقديرا لرأي الشيخ القرضاوي؛ بل زكي الدكتور الريسوني بالأغلبية.

وكل ذلك كان في إطار تشاوري قيمي لم يتجاوز الأساسيات الأخلاقية المفترضة في قيادات علمائية بهذا المستوى.

ولذلك لا اعتبر ما وقع في الاتحاد في طريقة انتخاب قيادته خارجا عن الشورى، وعن قيم الاتحاد وتقاليده المعمول بها منذ تأسيسه.

قد لا نستسيغ بعض التصرفات والإجراءات التنظيمية، ولكن عملية بهذا القدر من الأهمية، وفي تنظيم بهذا الحجم، لا يمكن أن تكون بالبساطة التي نتخيلها نحن البعيدون عن دواليب إدارة الاتحاد، هناك واقع سياسي محلي ودولي لا بد من مراعاته، وهناك قوانين ناظمة للاتحاد وفروعه، وهناك مواصفات معينة للشخصيات التي تمثل الاتحاد، وهناك مواقف معينة من الاتحاد من قبل بعض الجهات والمؤسسات والدول...إلخ؟    

موضوع طباعة ونشر الكتب

أما قضية طبع ونشر الكتب، التي عابها الدكتور على الاتحاد، فلا أراه موفقا في رأيه هذا المنكر على الاتحاد طبع وتوزيع الكتب...، قد يكون هناك قصور في التنويع المعرفي فيما يطبع ويوزع، وربما يكون هناك تركيز على مواضيع معينة دون غيرها، مما الحاجة إليها قائمة وملحة، وهذا يحتاج إلى تقديم ملاحظات وترشيد في الموضوع، وليس للدعوة إلى التخلي عن الطباعة ونشر الكتب، تمنيت لو أن الأستاذ تقدم بملاحظات حول النشر والمادة المنشورة.

ورغم الترويج المبالغ فيه في التبشير بنهاية الكتاب الورقي تحديدا، لا تزال أهمية الكتاب قائمة وطباعته ضرورة ملحة؛ بل إن أهمية الطباعة والنشر في حركات النهضة، لا تخفى على أحد؛ لأن ذلك من صميم الاهتمام الانتاج العلمي والتشجيع عليه، كما أن كثرة القراءة والقارئين من مظاهر التطور والتفوق الاجتماعي والترقي الحضاري، وكما يقول الأستاذ جودت سعيد رحمه الله "أكثر الناس قراءة أكثرهم حظا من كرم الرب" (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) [العلق 3]. والغرب الذي هو متفوق علينا بلا شك في الكثير من مظاهر الحياة، لا تزال الكتب تطبع فيه بملايين النسخ وفي جميع التخصصات المختلفة، من الرواية إلى إلى البحث العلمي الدقيق.

ولأهمية الكتاب والطباعة والنشر، يحسن بالاتحاد ورجاله التخطيط لوضع سياسة للنشر، وفق برنامج عملي تنفيذي يهدف إليه الاتحاد، في إطار الأمة وخارجها، وتنظيم مسابقات ومهرجانات للقراءة ونرويج الكتاب.

إن الكتاب هو أقرب وسيلة لعملية التثقيف التي يصل بها الاتحاد بخطابه للناس.

صحيح أننا في عالمنا الإسلامي نعاني من غياب القراءة والقراء، ولكن الموضوع ينبغي أن ننظر إليه إلى زاوية أخرى غير التي ننمظر منها الآن، وهي أن القراءة شكل من أشكال التحضر، بمعنى ان الذي يقرأ متحضر، ولإيجاد هذا المتحضر، لا بد من طريق لتحول الناس من "اللاقراءة" إلى القراءة، ليساعدونا على أنفسهم، وصناعة القارئ فن من فنون الدعوة والارتقاء بالمجتمعات إلى مصاف التثقف والتحضر، والنجاة من عقاب الله يوم القيامة.

موضوع التفريق بين غزة وقضايا الأمة

إن الاهتمام بقضايا الأمة من صميم رسالة الاتحاد، وواجب الانتصار للحق وللقضايا العادلة من مسلماتنا الإسلامية، بما في ذلك قضايانا المزمنة: الاستبداد الحرمان من الحريات غياب العدل...إلخ، ولكن وفق برنامج يحدد فيه الاولى والأهم والأجدر...إلخ. وموضوع المقاومة والموقف من الاعتداء الصهيوني على غزة في هذه الأيام، وفي مؤتمر تحضره نخبة الأمة وزبدتها، وتقديمه على غيره من الموضوعات المهمة أيضا، من مسلمات المرحلة أيضا، وواجب الوقت وفعل الأولى، لاعتبارات كثيرة منها:

-      أن قضية المقاومة ومواجهة المشروع الصهيوني محل إجماع لا يختلف فيها إثنان، ومن ثم  لا أحد يجادل في التعبئة للقضية، كاولوية للمرحلة.

-      أن طوفان الأقصى منذ 7 أكتوبر يمثل موضوع الساعة كما يقول الإعلاميون، وتجاهله لا يمكن أن يفهم إلا على انه موقف مضاد، وتحيز إلى فعل العدو.

-      تبني خطاب المقاومة، دعوة مباشرة لحضور قيادة المقاومة للتعبير عن علاقتها بدعم الأمة لها، وذلك ما وقع بالفعل، حيث حضرت شخصيات من قيادات المقاومة وأعلنت عن رسالتها إلى الأمة وإلى العالم.

اما باقي قضايا الأمة وجراحاتها الغائرة، فلها مجالاتها ومناسباتها الكثيرة، إذ لا يتسع لها لقاء معدود الأيام والليالي، مؤتمر لم يجتمع إلا لتجديد قيادته، ومع ذلك فإن مجرد اللقاء بين إطارات الاتحاد القادمين من كل العالم، قد تناقشوا فيما بينهم وتبادلوا المعلومات والرأي والموقف في الكثير مما يقع في العالم، في سوريا وفي السودان ولبنان واليمن والعراق وتونس...إلخ، وربما انبنى عن ذلك أشياء لا نعلم تفاصيلها، ولكنها مثمرة بالتأكيد، إذ لا ـأظن أن عالما وداعية يأتي ليقضي خمسة او ستة أيلم ولا يتكلم مع إخوانه القادمين من كل حدب وصوب، عن قضايا لأمة في قليل أو كثير، او يشير على إخوانه بما يساعدهم في التغلب على همومهم.

ورأيي الذي أتوجه به إلى إخواني من إطارات الاتحاد، فيما يتعلق بالقضايا الخاصة بالمجتمعات المسلمة، فيما يقع من خلافات ونزاعات وحتى حروب...، لا ينبغي على الاتحاد أن يصطف إلى طرف على حساب طرف آخر، وإنما عليه أن يسجل الموقف العام من كليات القضايا، بإدانة المنكر وتأييد المعروف، ثم يصرف كل جهوده في الوساطة والتقريب بين الفئات المتنازعة، حفاظا على قيم الأمة ومواردها المادية والمعنوية؛ لأن كل تنازع وتشتيت للجهود يصب في صالح اعداء الأمة، ويعمق الجروح والقروح، ويطيل في عمر الأزمات.

على أن اصطفاف الاتحاد في القضايا محل النزاع الدائم بين فئات الأمة، يوقعه في الحرج الذي هو في غنى عنه، ويبعده عن مهامه الرئيسية التي تؤهله لأن يكون حكما بين المتنازعين، كلما كان بعيدا عن الاصطفاف.

إن موقع الاتحاد في جسم الأمة، مثل كبير العائلة في الأسرة، لا يصطف في مواقفه من الأفراد –مع أو ضد- مهما كانت موافقة للصواب أو مجانبة له؛ لأن همه منصب على لملمة الوضع والحفاظ على الجميع وعلى مستقبل العلاقة معهم جميعا، وكل كبير عائلة يصطف يجد نفسه خارج الحلبة، لا يُسْمع لرأيه ولا يقدر موقفه مهما كان مصيبا، ما دام قد صنف نفسه بمجرد الاصطفاف.

موضوع مشروع اهل السنة

يسجل الأستاذ الكاتب موقفه من المشروع الإيراني في المنطقة، وربما أراد من الاتحاد أن يكون له نفس الموقف، وعرضه في شكل مشروع لأهل السنة في المنطقة، وهذا في تقديري ليس موقفا لسببين على الأقل:

-          السبب الأول ان إيران تتعامل مع أهل المنطقة من المخالفين لها في المذهب بمنطق طائفي، والإتحاد في تقديري ليس غافلا عما تقوم به إيران من مكائد وسقطات أخلاقية، تجاه فئات عريضة من الأمة، في العراق وفي لبنان وفي اليمن وفي غيرها من مناطق العالم؛ بل وفي محاولات كثيرة لاختراق المجتمعات السنية، ولكنه لا يسقط في نفس المنطق الطائفي الذي تنتهجه إيران في التعامل مع غيرها، وإنما اتخذ لنفسه سبيلا يرتقي بفضله إلى مستوى الإسلام، الذي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، وليس من السنة إلى الشيعة، أو من الشيعة إلى السنة!!

-          السبب الثاني أن إيران دولة قوية لها قيمها ولها طموحاتها كقوة إقليمية في المنطقة...، تتمدد في الفراغات المتاحة لها، في غياب مشروع منافس في المنطقة، ولا تلام في ذلك؛ لأن الدول لها مصالحها وغاياتها وأهدافها، ليست جمعيات خيرية، ولذلك لا نرى النجاح في مقترح مذهبي في مواجهة مشروع مذهبي، مثل مشروع السنة في مقابل مشروع الشيعة؛ وإنما يكون في وجود دولة قوية، لها اهدافها وغاياتها المختلفة منافسة لإسران ولغيرها على سطح الأرض، وذلك –بلا شك- ليس في مقدور الاتحاد وغيره من التنظيمات الشعبية الكبيرة والصغيرة...، ولذلك ينبغي أن تكون تساؤلاتنا في اتجاه: ماذا يمنع دولة مثل أندونيسيا أو السعودية او تركيا أو مصر أو باكستان، ان تكون مثل إيران؟ لها خطة ولها أهداف ولها غايات!!

وعندما نوجد تلك الدولة المفترضة، فإن الدور الإيراني لا يسعه إلا التكيف مع الواقع؛ لأنه سيجبر على التنافس والتدافع؛ بل إنني أجزم بأن الهجرة من إيران إلى دولة أخرى منافسة، سوف يكون أجدى وانفع لمئات الآلاف من الإيرانيين أنفسهم، بسبب ما في الدولة الإيرانية من انغلاق مذهبي تجاوزه الزمن.





التالي
أبو بكر الصديق الصحابي العالم والفقيه (رضي الله عنه)

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع