البحث

التفاصيل

إكرام أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) للضُّيوف... دروس ومعاني قيّمة

الرابط المختصر :

إكرام أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) للضُّيوف... دروس ومعاني قيّمة 

بقلم: د. علي محمد الصلابي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

إكرام الضيف مَكْرُمَة من مكارم الأخلاق، وخصلة من خِصال الخير، وخُلق عظيم أكيد من أخلاق الإسلام، يَدلُّ على سماحةٍ في النَّفس، وكرم في الطبع، وإيثار للغير، وشهامة ومروءة، وإيمان بما عند الله تعالى من العِوض والفضل.

وقد حثَّ النبيُّ أُمَّتَه على إكرام الضيف، وبيَّن أنَّ ذلك من تمام الإيمان بالله تعالى واليومِ الآخر، فقال : مَن كان يُؤْمن بالله واليوم الآخر فلْيُكرم ضَيْفه. ولذلك نقرأ في شخصية أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) العظيمة ملامح وقيم كثيرة، ويمكن أن نستشف من خلالها أهم قيمة، وهي قيمة الكرم والسخاء التي تميز بها.

قال عبد الرحمن بن أبي بكرٍ (رضي الله عنهما): إِنَّ أصحاب الصُّفَّة كانوا أناساً فقراء، وأنَّ رسول الله قال مرَّةً: من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالثٍ، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامسٍ، وإنَّ أبا بكرٍ جاء بثلاثٍ وإنَّ أبا بكرٍ تعشَّى عند رسول الله ﷺ، فجاء بعد أن مضى من الليل ما شاء الله تعالى، فقالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ أو قالت: عن ضيفك، قال: وما عشَّيْتِهِمْ ؟ قالت: أبوا حتى تجيء، وقد عرضوا عليهم، فغلبوهم . قال: فذهبت أنا، فاختبأت، فقال: يا غندر! فجدع، وسبَّ، وقال: كلوا هنيئاً، وقال: والله لا أطعم أبداً! وحلف الضَّيف ألا يطعمه حتّى يطعم أبو بكر، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان، قال: فدعا بالطَّعام، فأكل، فقال: وايم الله! ما كنا نأخذ لقمةً إلا ربا من أسفلها أكثر منها، فقال: حتّى شبعوا، وصارت أكثر ممّا كانت قبل ذلك، فنظر إليها، فإذا هي كما هي، وأكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس! ما هذا ؟ قالت: لا وقرة عيني هي الآن لأكثر منها قبل ذلك بثلاث مرّات، فأكل أبو بكرٍ، وقال: إنَّما كان ذلك من الشَّيطان ـ يعني يمينه ـ ثمَّ أكل منها لقمةً، ثم حملها إلى رسول الله ﷺ، فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين القوم عقدٌ، فمضى الأجل فتفرَّقنا اثني عشر رجلاً، مع كلِّ واحدٍ منهم أناسٌ، اللهُ أعلم كم مع كلِّ رجلٍ منهم، فأكلوا منها أجمعين.

وفي هذه القصة دروسٌ، وعِبرٌ، منها:

-       حرص الصِّدِّيق على تطبيق الآيات القرآنية، والأحاديث النبويَّة التي تحثُّ على إكرام الضَّيف مثل قوله تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ *} [الذاريات: 27].

وقوله : « من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه ».

-       وفي هذه القصَّة كرامةٌ للصدِّيق حيث جعل لا يأكل لقمةً إلا رَبَا من أسفلها أكثر منها، فشبعوا، وصارت أكثر ممّا هي قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر وامرأته فإذا هي أكثر ممّا كانت، فرفعها إلى رسول الله ، وجاء إليه أقوامٌ كثيرون فأكلوا منها، وشبعوا. وهذه الكرامة حصلت ببركة اتِّباع الصِّدِّيق لرسول الله في جميع أحواله، وهي تدلُّ على مقام الولاية للصِّدِّيق، فأولياء الله هم المقتدون بمحمَّدٍ ، فيفعلون ما أمر به، وينتهون عمّا عنه زجر، ويقتدون به فيما بيَّن لهم أن يتبعوه فيه، فيؤيدهم بملائكته، وروح منه، ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتَّقين (ابن تيمية، 1997، ج11/152)

-       تقول السَّيدة عائشة (رضي الله عنها): إنَّ أبا بكرٍ لم يحنث في يمينٍ قطُّ حتى أنزل الله كفارة اليمين، فقال: لا أحلف على يمينٍ، فرأيت غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خيرٌ، وكفَّرت عن يميني (البيهقي، 1984، ج10/34). فكان إذا حلف على شيءٍ، ورأى غيره خيراً منه؛ كفَّر، وأتى الذي هو خير. وفي هذه القصَّة ما يدلُّ على ذلك حيث ترك يمينه الأولى إكراماً لضيوفه، وأكل معهم.

كان أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) مثلاً أعلى للمؤمن في إيمانه، وصدقه، وصبره، وفي كرمه وسخائه، وكان قدوة بين الصحابة من المهاجرين والأنصار، وظل في أخلاقه وقِيمه وإيمانه، عظيماً في نظر كل الأجيال المسلمة التي تؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) نبياً ورسولاً. 





التالي
دراسة السيرة النبوية ضرورة لمواجهة الفَردانية والتفاهة
السابق
رغم الحظر والقيود.. مظاهرات تجتاح شوارع إيطاليا دعمًا للشعب الفلسطيني

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع