البحث

التفاصيل

كيف نقرأ السيرة النبوية؟ ومن أيّ كتبها؟

الرابط المختصر :

كيف نقرأ السيرة النبوية؟ ومن أيّ كتبها؟

بقلم: محمد خير موسى

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

(اقرأ مقال: كيف يجد المرء الغذاء الشافي لروحه في السيرة النبوية؟)

 

دومًا يتردد الحديث حول أهمية قراءة السيرة النبوية ومكانتها في العلوم الشرعية وأهميتها في بناء هوية المسلم المعاصر، وكونها التجسيد العملي لتعاليم القرآن الكريم وأحكام الإسلام، وكل هذا مهمّ وضروري، ولكن السؤال الذي يتغاضى عنه كثيرون هو منهجية التعامل مع كتب السيرة النبوية وآليّات قراءة كتب السيرة النبوية، فإن أراد المرء قراءة السيرة النبوية فكيف يقرؤها؟ ومن أين يقرؤها؟

البداية مع القراءة الاستكشافيّة التعرُّفيّة

إن نقطة الانطلاق في قراءة كتب السيرة النبوية تكون مع معرفة تفاصيل أحداث السيرة النبوية معرفةً استكشافية عامة قبل الولوج إلى عمليات الاستنباط والتحليل.

فمعرفة أحداث السيرة النبوية من مبتدئها إلى منتهاها من الأهمية بمكان لتشكيل رؤيةٍ شاملةٍ للمنهج النبوي، والتعامل مع أحداث السيرة النبوية ينبغي أن يكون من منطلق معرفي شمولي ابتداءً، فالتحليلات المجزوءة القائمة على معرفةٍ ببعض أحداث السيرة النبوية وجهلٍ ببعضها الآخر قد توقع صاحبها في تناقضات منهجية، وإشكالات في استنباط الأحكام، وإشكالات في تنزيلها على الوقائع المعاصرة.

ومن أهمّ الكتب التي يمكن قراءتها في هذا المجال كتاب “السيرة النبوية لابن هشام”، وإن كنت لا أنصح به لغير المتخصصين، أما الكتاب الذي أنصح به فهو “الرحيق المختوم” لصفيّ الرحمن المباركفوري، وكذلك “نور اليقين في سيرة سيد المرسلين” للشيخ محمد الخضري.

ومن الكتب القيّمة في هذا النوع من القراءة كتاب “السيرة النبوية”، من تأليف العلّامة أبو الحسن الندوي، وهو إضافةً إلى سرده أحداث السيرة النبوية فإنه يقدمها بروح عاطفية وتربوية عالية. ومن الكتب النافعة في هذا الإطار أيضًا كتاب “مختصر الجامع في السيرة النبوية” لسميرة الزايد، وهو من مجلدين اختصرت فيهما كتابها القيم “الجامع في السيرة النبوية” المكون من ستّة مجلدات.

القراءة التحليلية الاستنباطية

بعد تحصيل الجرعة المعرفية اللازمة من القراءة الاستكشافية لكتب السيرة النبوية، ينبغي على القارئ أن ينتقل إلى القراءة التي تقوم على تحليل أحداث السيرة النبوية واستنباط الدروس والعِبَر، واستخراج الأحكام الشرعية والفقهية منها، فمن أهم الغايات من قراءة كتب السيرة النبوية إسقاطها على الواقع للتعامل معه في ضوئها؛ واستنباط الدروس والعبر هو من أهمّ السبل لتحويل السيرة النبويّة منهجًا حيًّا متحرّكًا في الفضاء العام.

وقد لاقت السيرة النبوية عناية كبيرة في هذا المجال وأُلّف فيها الكثير من الكتب، من أهمها كتاب “الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام”، من تأليف عبد الرحمن السهيلي، وهو كتاب بالغ الأهمية وهو يشرح سيرة ابن هشام شرحًا تفصيليًّا راقيًا ورائقًا في ما يتعلق بالأحداث والأماكن والأنساب واللغة والأشعار، غير أنني أنصح به المتخصصين فقط ولا أنصح به غيرهم.

وأما الكتب التي تندرج تحت عنوان الكتب التحليلية لأحداث السيرة النبوية – ومن الضروري أن يقرأها من يريد فهم السيرة النبوية والعيش مع أحداثها بعقله وروحه- فهي كثيرة، ومنها على سبيل التمثيل لا الحصر؛ كتاب “فقه السيرة” للشيخ محمّد الغزالي، وهو من أوائل الكتب التي أُلّفت في هذا الإطار، بل لعلّ الشيخ الغزالي هو صاحب السبق في مجال التأليف المعاصر في تحليل السيرة النبوية، وأسس لهذه الطريقة التحليلية إذ صدر كتابه في بداية خمسينيات القرن الماضي، وما يزال من أهم الكتب في هذا الإطار وأمتعها.

ويأتي في هذا الإطار أيضًا كتاب “السيرة النبوية دروس وعبر” تأليف الدكتور مصطفى السّباعي، الذي صدر في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ويأتي بعده كتاب “فقه السيرة النبوية” للدّكتور محمّد سعيد رمضان البوطي، وقد ألّفه في نهاية ستينيات القرن الماضي على طريقة التأليف الجامعي، وهو كتاب قيّم في مجال استنباط الأحكام الفقهيّة والدروس الإيمانية من السيرة النبويّة.

ومن الكتب النافعة أيضًا كتاب “السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث” للدكتور علي بن محمد الصّلابي، الذي سار على منهج المؤلفين السابقين، وضمّن عموم ما قيل في الكتب الثلاثة في كتابه وأضاف إليه. ومن الكتب النوعية في هذا المجال أيضًا كتاب “محمد رسول الله.. منهج ورسالة” للدكتور محمد الصادق عرجون، وهو موسوعة في أربعة مجلدات، فيه تحقيقات وتحليلات ماتعة وقيّمة، وكذلك كتاب “السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة”، تأليف الدكتور محمد بن محمد أبو شهبة، وكذلك كتاب “السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية دراسة تحليلية”، من تأليف الدكتور مهدي رزق الله أحمد، وكتاب “السيرة مستمرّة” للدكتور أحمد خيري العمري.

القراءة السُّنَنيّة

وهذا النوع من القراءة في غاية الأهمية والتقدم، وهو يقوم على التعامل مع السيرة النبوية على وفق المنهج السّنَني وليس الاستنباطيّ فحسب، ممّا يجعل السيرة النبوية جزءًا من القوانين التاريخية التي قال الله تعالى فيها {ولن تجد لسُنَّة اللَّه تبديلًا}، وقال تعالى: {ولن تجد لسُنَّة اللَّه تحويلا}.

ومن أهمّ ما تفيده القراءة السننية للسيرة النبوية إدراك حركة التاريخ وقوانينه، ورسم السيناريوهات في التعامل مع الأحداث القائمة وتشابكاتها، وكذلك استشراف المستقبل في ضوء فهم السُّنن والقوانين الإلهيّة في السيرة النبوية، وتوقُّع حدوثها والتحضُّر والتجهُّز لها.

وللأسف، إنّ هذا النّوع لم يحظَ بمؤلّفات تخصّصيّة كثيرة في بابه، ولكنه منثور في كتب الاستنباط والتحليل، ويعتمد استخراج السنن والقوانين في السيرة النبوية على وعي القارئ وتفكُّره وتدبُّره، ومن الكتب التي أسّست لهذا النوع من القراءة – إضافة إلى كتاب فقه السيرة للبوطي ونظيره للغزالي- كتاب “دراسة في السيرة للدكتور عماد الدّين خليل”.

أما عن الكتب التي ألّفت خصيصًا في هذا الإطار، فلم أقف إلا على كتابين هما؛ “السّنن الإلهيّة في السيرة النبوية” لمؤلّفة الدكتور أبو اليسر رشيد كهّوس، وكتاب “سنن العمران البشري في السيرة النبوية” للدكتور عزيز البطيوي، وهما من الكتب الهامّة من حيث الموضوع والطرح.

القراءة الموضوعيّة

ونقصد بها أن ينتقي الباحث أو المؤلف موضوعًا معينًا ويبحث فيه من خلال السيرة النبوية وأحداثها، وهذا النوع من القراءة والتآليف يفيد في التركيز على موضوع محدد ومنهجيّة معالجته من خلال أحداث السيرة النبوية.

وقد تعدّدت المؤلفات في هذا المجال، منها “المنهج الحركي للسيرة النبوية” للدكتور منير الغضبان، وهو “تبصرة للحركة الإسلامية في خطّها السياسي، للوصول إلى أهدافها في إقامة حكم الله في الأرض”، كما قال مؤلفه في مقدمته؛ وكذلك “المنهج التربوي للسيرة النبوية” للدكتور منير الغضبان أيضًا، وهو موسوعة من أحد عشر مجلّدًا، تحدث فيها عن التربية الجهادية في ثلاثة مجلدات، والتربية القيادية في أربعة مجلدات، والتربية الجماعيّة في مجلدين، وفي مجلدين أيضًا كان الحديث عن التربية السياسيّة.

ومن الكتب في هذا المجال أيضًا كتاب “قراءة سياسية للسيرة النبوية”، للدكتور محمد رواس قلعه جي، وكتاب “فكر السيرة.. قراءة ثقافيّة معاصرة للسيرة النبويّة” للدكتور مهنّا الحبيل، وكتاب “في السيرة النبوية.. قراءة لجوانب الحذر والحماية”، للدكتور إبراهيم علي محمّد، وكتاب “الربيع الأول؛ قراءة إستراتيجية وسياسية في السيرة النبوية” لوضّاح خنفر، وكتاب “مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، لمحمد حميد الله.

إنّ التدرّج في أنواع القراءة الأربعة لكتب السيرة النبوية، ابتداءً من القراءة الاستكشافية التعرّفية، فالتحليلية الاستنباطية، وصولًا إلى القراءة السنَنية، وتجوالًا في القراءة الموضوعيّة؛ يتيح للقارئ الإفادة من السيرة النبوية، وتحويلها من مجرّد قصص تُحفظ وتروى إلى منهج حياة متحرّك في الواقع، ويحوّل المسلم إلى طاقةٍ متحرّكة في هذه الدنيا على خُطا الحبيب صلى الله عليه وسلّم في التعامل مع الوقائع والأحداث القائمة والمتوقّعة في المستقبل، ويكون هذا التحرّك على بصيرةٍ ورشادٍ من الأمر.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين


: الأوسمة



التالي
الأسرى الفلسطينيون: من ينصرهم؟ بل من يذكرهم؟
السابق
أطفال غزة يطالبون بوقف العدوان وضمان حقوقهم في الحياة الكريمة

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع