البحث

التفاصيل

من غزوة بدر الكبرى إلى طوفان الأقصى المجيدة

الرابط المختصر :

من غزوة بدر الكبرى إلى طوفان الأقصى المجيدة

بقلم: عبد الكبير حميدي

عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

السابع عشر من شهر رمضان الفضيل، يوافق ذكرى عظيمة من ذكريات الإسلام، ويوما مشهودا من أيام الله، وملحمة خالدة من ملاحم الجهاد لإعلاء كلمة الله، إنها ذكرى غزوة بدر الكبرى، يوم النصر الأكبر والفرقان الأعظم، التي سطرها تاريخ البشر بماء الذهب، وخلدها تاريخ الإسلام بماء العيون، وبدماء شهداء الصحابة الأخيار الأبرار، والتي شاء الله لها أن تكون زادا للمستضعفين، ومددا للمجاهدين، ونبراسا لحملة الحق أجمعين.   

            هذا، وإن المتابع ليوميات معركة طوفان الأقصى المباركة، الراصد لأحداثها وتطوراتها، المتأمل في تداعياتها وآثارها، يكتشف بينها وبين غزوة بدر شبها كبيرا، يكاد يجعل من طوفان الأقصى بدرا معاصرة، كما يظهر في القواسم المشتركة وأوجه الشبه الآتية:

           الوجه الأول: على مستوى طبيعة العدو: إذ تشترك المعركتان في كونهما ضد عدوين وجوديين لدودين للإسلام، بل ضد ألد وأكبر عدويين للإسلام في عصرهما، فقد كانت قريش قوة قبلية متنفذة شديدة العداوة للمسلمين، وكانت عقبة كأداء في طريق الدعوة الإسلامية، تصد عن سبيل الله، وتعادي الإسلام عداء وجوديا شاملا، وتضطهد المسلمين في مكة وخارجها، وتتزعم حلف العداء للإسلام بين قبائل العرب، بل سعت لأن تكون مركز عداء دولي للإسلام بين قوى زمانها، مثل الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، ومملكة الحبشة. الأمر نفسه ينطبق على الكيان الصهيوني الغاشم، الذي يمثل عدو الإسلام والمسلمين الأول في هذا العصر، ويمثل رأس حربة وقاعدة متقدمة للمشروع الاستعماري الغربي المعادي للأمة، المشاكس لطموحاتها في التحرر والانعتاق والنهوض. وليس عبثا أن ذكر القرآن اليهود والمشركين في مقدمة أعداء المسلمين:  ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا   ]المائدة:82 [.

          الوجه الثاني: على مستوى طبيعة المعركة: كلتا المعركتين تمثلان الصراع بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر، وإن اختلف شكل الكفر بين الحالتين، فقد كان كفر بدر كفرا قبليا لادينيا، تحمله قوة قبلية مشركة معتدة بنفسها، فخورة بتاريخها وتراثها وآبائها، تدين بالشرك وتعادي التوحيد، وترى في الإسلام خطرا وجوديا يهدد مركزها الديني ونفوذها الاقتصادي، ويفوت عليها مصالحها وامتيازاتها. بينما كفر طوفان الأقصى كفر قومي ديني تحريفي، يخلط بين الدين والقومية، بين اليهودية التلموذية والصهيونية القومية، ويكفر بكل ما ليس يهوديا، ويعادي كل القيم والقوانين والأديان، ويدين بأساطير دينية تلموذية وأكاذيب قومية، مثل أسطورة  "شعب الله المختار"، و أسطورة "أرض الميعاد"، ومثيلاتها.

         الوجه الثالث:  على مستوى استراتيجية العدو: تشترك قريش والصهاينة في كونهما كفارا محاربين وليسا كفارا محايدين، فقد كانت الأولى قوة كفر وصد عن سبيل الله، بينما الثانية هي قوة كفر واحتلال، وتوسع واستيطان، ولذلك تشتركان في استعمال أساليب الحصار والاضطهاد والتجويع والتنكيل، فقد مارست قريش ذلك في حق المسلمين في مكة، فحاصرت بني هاشم – قبيلة الرسول صلى الله عليه وسلم – ثلاث سنين في شعب أبي طالب، ومنعت عنهم الطعام والشراب، وسامت ضعفاء المسلمين صنوف العذاب، وقتلت النساء والأطفال، وصادرت الأموال والممتلكات، ونالت من الأعراض. نفس الجرائم والفظاعات يرتكبها الصهاينة اليوم أضعافا مضاعفة، على مرأى ومسمع العالم اليوم، فيحاصرون ويجوعون، ويقتلون ويبيدون، ويعربدون ولا يبالون. مع فارق مهم أن قريشا كانت عندها بقية من نخوة وشهامة، وقدر من غيرة على الصورة والسمعة بين العرب، بينما أهدر الصاينة نصيبهم من ذلك، وارتكسوا – كعادتهم – في حمأة الوحشية والهمجية، وسفكوا أنهارا من دماء النساء والأطفال، وارتكبوا من الجرائم والمجازر ما سبقوا به كبار قتلة العصر، وما يندى له جبين الإنسانية، غير مبالين بسمعة أو صورة، ولا وجلين من متابعة أو محاسبة.

        الوجه الرابع: على مستوى موازين القوى: موازين القوة في المعركتين ليست في صالح المسلمين، لا في بدر ولا في طوفان الأقصى، فهم في كلتيهما قلة، على مستوى العدد والعدة، وعلى مستوى الدعم والإسناد، وعلى مستوى الوزن والنفوذ العسكري، وإنما هو  في صالح قريش القوة العسكرية والاقتصادية الكبرى في زمانها، وفي صالح الصهاينة اليوم، بما يملكون من قوة عسكرية، وإمكانيات مادية، ودعم أمريكي وغربي سخي وغير محدود. فكلتا المعركتين غير متكافئتين لا كثيرا ولا قليلا.

        الوجه الخامس والأخير:  على مستوى نتائج المعركتين: وقد رأينا شطره الأول في بدر، وننتظر الشطر الثاني في طوفان الأقصى بحول الله وقوته، وهو أن النصر المؤزر كان حليف المسلمين في بدر، وأنه قد تحقق لهم وعد الله في كتابه:   ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ]البقرة: 249 [. وننتظر الشطر الثاني بإذن الله، عند انجلاء غبار المعركة، سائلين الله سبحانه وتعالى، أن يمن على إخواننا المظلومين المستضعفين في غزة بنصر عظيم مؤزر، يسر المسلمين ويشفي صدور المؤمنين، ويذل الصهاينة الظالمين وحلفاءهم المتصهينين، وما ذلك على الله بعزيز.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 * ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.





التالي
تفكيك منظومات الاستبداد (٣٠): أسطورة البقرة الحمراء ومخطط هدم الأقصى
السابق
الذكرى المئوية لسقوط الخلافة: نهاية مرحلة، أم نهاية مهمة؟

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع