فتاوى من أجل غزة (1)
بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
إن واقع فلسطين عامة، وغزة خاصة، قد دفع بعدد كبير من الأسئلة والاستفتاءات الواجب تلبيتها وبيان حكم الشرع فيها؛ إذ إن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ومن حق المسلمين أن يعرفوا أحكام ما ينزل بهم؛ طلبا للاستقامة على شرع الله، ودخولا تحت سلطان أحكام الشريعة.
وفي السطور الآتية في هذا المقال، ومقالات لاحقة، نورد السؤال والجواب عليه؛ مع تحري أن يكون الجواب مفيدا مختصرا بين الاختصار المخل والتأصيل البحثي الأكاديمي، ومع رعاية مقاصد الشرع وتحقيق مصالح الناس، على النحو الآتي:
إذا توفر لمن يتلقى زكاة الفطر هذا المقدار فائضا عن حاجته المذكورة وجبت عليه صدقة الفطر؛ فيخرجها؛ نزولا على رغبة الإسلام في أن تكون يد المسلم هي العليا ولو مرة واحدة في العام.
زكاة الفطر بحق أهل غزة والمجاهدين والأسرى
بشأن زكاة الفطر وردت أسئلة كثيرة، منها: هل تجب الزكاة على أهل غزة في ظل الظروف التي يحيونها؟ هل تجب على المجاهد في سبيل الله في غزة صدقة الفطر؟ مع النظر والاعتبار لصعوبة القيام بإخراجها في هذه الظروف الأمنية للمجاهدين تحديدا، هل على الأسير في سجون الاحتلال الصهيوني صدقة الفطر؟ و هل مستحب أن يخرج أهله عنهم؟.
وللإجابة عن هذه الاستفتاءات نورد أولا ما اتفق عليه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: "فرض رسول الله ﷺ صدقة الفطر صاعا من شعير، أو صاعا من تمر على الصغير والكبير، والحر والمملوك". [صحيح البخاري (١٥١٢)، وصحيح مسلم (٩٨٤)].
فهذا الحديث يحدد المعيار الذي نخرج به زكاة الفطر، وهو صاع من شعير أو صاع من تمر، كما يحدد على من تجب، وهم: الصغير والكبير، الذكر والأنثى (كما ورد في روايات أخرى)، والحر والمملوك، وهم المسلمون لزاما، ويخرج المزكي عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم، فائضا عن قوته وقوتهم ليلة العيد ويومه، وعن نفقاته الأصلية وحاجاته الأساسية.
وإذا توفر لمن يتلقى زكاة الفطر هذا المقدار فائضا عن حاجته المذكورة وجبت عليه صدقة الفطر؛ فيخرجها؛ نزولا على رغبة الإسلام في أن تكون يد المسلم هي العليا ولو مرة واحدة في العام.
وبناء على هذا نقول: إن زكاة الفطر واجبة على المسلمين في فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة فيمن توفر لهم هذا الحد من وجود قوته ومن يعول، فائضا عن نفقته ونفقة من يعول وعن حاجاته الأساسية، ليلة العيد ويومه، فهذا هو المعيار الذي نقيس عليه ونعول عليه في وجوب إخراج زكاة الفطر، وليس التعويل على الحرب وآثارها، أو وجود مأوى من عدمه، وغير ذلك من اعتبارات.
أما المجاهد فهل تجب عليه زكاة الفطر في ظل صعوبة الظرف الحالي؟ والجواب نعم تجب على المجاهد زكاة الفطر، رغم الظروف القائمة، ولكن الوسيلة أو الطريقة هي التي ييسر فيها الشرع، وقد أجاز الإسلام الوكالة في إخراج الزكاة عامة، وهو ما ينسحب على زكاة الفطر.
قال النووي رحمه الله في "المجموع" (6/138): "له أن يوكل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه.. وإنما جاز التوكيل في ذلك مع أنها عبادة؛ لأنها تشبه قضاء الديون؛ ولأنه قد تدعو الحاجة إلى الوكالة لغيبة المال وغير ذلك.. وتفريقه بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف؛ لأنه يكون على ثقة من تفريقه بخلاف الوكيل " انتهى.
وجاء في "الإنصاف" (3/197) : "يجوز التوكيل في دفع الزكاة، وهو صحيح، لكن يشترط فيه أن يكون ثقة، نص عليه – يعني الإمام أحمد – وأن يكون مسلما، على الصحيح من المذهب " انتهى.
وعليه يتم تخريج عمل الجمعيات الخيرية اليوم التي تتلقى الزكوات من الناس وتخرجها في مصرفها الشرعية، وتقوم بتوزيعها على مستحقيها في الوقت المحدد شرعا.
أما الأسرى فزكاة الفطر واجبة عليهم، يوكلون فيها من أموالهم خارج السجون من يقوم بإخراجها، أو يخرج عنهم أهلهم من عصباتهم الآباء والإخوة والأبناء.
وإذا كانت الوكالة مباحة مطلقا بشرط الأمانة والثقة فلأن تباح للمجاهدين في غزة أولى، وهم على ثغر عظيم من ثغور الإسلام يدافعون عن مقدسات المسلمين في ظل تآمر وخذلان لم تشهد الأمة له مثيلا في تاريخها الطويل، وكذلك الحال في الأسرى وقد حُبسوا في سبيل قضيتهم العادلة المقدسة.
إن كان هناك مكان آمن يمكن التلاقي عنده، والصلاة فيه، فهنا ينبغي أن تقام الصلاة، ويلتقي المسلمون، ويقيمون شعائر دينهم، بحسب المتاح لهم: "فاتقوا الله ما استطعتم".
صلاة عيد الفطر
ومما جاء استفتاءات عن صلاة عيد الفطر المبارك، هل يلزم أن يصلي المسلمون في غزة صلاة العيد ويقيمونها في ظل هذه الظروف العصيبة التي يحياها أهل القطاع؟
والجواب: أن الفقهاء اختلفوا في حكم صلاة العيد على ثلاثة أقوال [كما جاء في المجموع (5/5)، والمغني (3/253)]: القول الأول: أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي. القول الثاني: أنها فرض على الكفاية، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله. والقول الثالث: أن صلاة العيدين واجبة على كل مسلم، فتجب على كل رجل، ويأثم من تركها من غير عذر. وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد، واختارهالإمامان ابن تيمية والشوكاني.
والذي أميل إليه أن صلاة العيد سنة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فحكم إقامتها وأدائها في حق الأفراد مندوب، وفي حق عموم المحلة واجب، وللحاكم أن يقاتلهم إذا لم يقيموها عموما، كما هو مقرر في الفقه الإسلامي.
وفي هذه الظروف التي يحياها أهل غزة لابد من التفصيل.
فإذا كانت الظروف ظروف حرب وقتل وتقتيل واستهداف لأي تجمع من التجمعات فلا يجوز لهم الاجتماع لصلاة العيد إيثارا لحفظ المهج والأرواح؛ وتقديما للفرض على السنة، كيف لا والفرائض يتسامح فيها عند العذر فلا تؤدى، والمحرمات يتسامح فيها عند الضرورة فيقارفها المسلم بقدر يزيل وصف الضرورة "الضرر يزال"، "الضرورات تبيح المحظورات"، ويسع كل مسلم أن يصلي في بيته.
وإن كان هناك مكان آمن يمكن التلاقي عنده، والصلاة فيه، فهنا ينبغي أن تقام الصلاة، ويلتقي المسلمون، ويقيمون شعائر دينهم، بحسب المتاح لهم: "فاتقوا الله ما استطعتم".
أما إذا انقشعت الحرب، وتوقف الرصاص والقتل، وأمن المسلمون جانب الصهاينة لهدنة أو اتفاق أو نحو ذلك، فهنا يشرع أن يتجمع المسلمون بأعداد ضخمة في كل محلة؛ إغاظة للعدو، وإظهارا للبهحة، وإقامة للشعيرة، وقياما بحق الله وحمده وشكره، وعرفانا لفضله، وانتصارا بما حققه المجاهدون، في الوقت الذي لم يحقق فيه العدو أي هدف من أهدافه!
والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وصفي عاشور أبو زيد؛ أكاديمي مصري، وأستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، وعضو عدد من المؤسسات العلمية العالمية.
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.