المسلمون: الغائب الأكبر فى الانتخابات الهندية
بقلم: د. ظفر الإسلام خان
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
نيو دلهى: المسلمون (200 مليون، يمثلون 15 فى المائة من سكان الهند) هم الغائب الأكبر فى الانتخابات الهندية الجارية الآن. فلا حديث عن طموحاتهم ومصالحهم وآلامهم. وكل الأحزاب تريد أصواتهم لكن القليل رشّح مسلمين فى هذه الانتخابات حتى بالدوائر التى توجد بها غالبية إسلامية. هذا رغم أن حزب الشعب الهندي يطرح بطرق ذكية أمورا تمس المسلمين وتنالهم سلبا.
فالرسالة السرية التى يرسلها مودى من خلال تلميحاته ويتحدث بها آخرون من زعماء حزبه جهارا هى أنه قد تمكن من تدجين وتهميش المسلمين. فهو يقول للناخب الهندوسي بلسان الحال: انظر! لقد تمكننا من بناء معبد راما الضخم على أرض المسجد البابرى، وقمنا بإلغاء الاستقلال الذاتي لكشمير، ونحن ماضون قدما لتنفيذ قوانين مدنية لكل الهنود بإلغاء قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية، ونحن نسمح للهندوس بالاستيلاء على المزيد من المساجد بادعاء أنها أقيمت بعد هدم معابد هندوسية، ونحن نغلق المدارس الإسلامية، ونحن نحارب المسلمين باسم محاربة المأكولات "الحلال" وتحريم "الحجاب"، ونحن نسمح بهدم المساجد ومقابر ومزارات المسلمين، ونحن قد وضعنا الأساس القانوني لانتزاع جنسية ملايين المسلمين من خلال تعديل قانون الجنسية ، ونحن قد همّشنا المسلمين سياسيا فلا يوجد وزير فى الوزارة المركزية أو فى حكومات الولايات التى يحكمها حزب الشعب الهندى، ولا يوجد نائب عن الحزب الحاكم فى البرلمان المركزى أو المجالس التشريعية بالولايات التى يحكمها حزب الشعب ، ونحن الآن نحتفل بالمناسبات الهندوسية بكل صخب فى كل مكان حتى على المطارات وفى القطارات والطائرات ولكن نعاقب المسلمين لو تجرأوا على أداء صلوات الجمعة والعيدين فى الميادين العامة أو فى الطرقات لو ضاقت بهم مساجدهم، فهذا بلدنا نفعل فيه ما نشاء..
تهميش مستمر حتى منذ قبل الاستقلال
قد بدأ تهميش مسلمى الهند وتغييبهم حتى قبل الاستقلال ، فقد حدث خلال فترة الحكم الذاتي قبل الاستقلال أن رفض حزب المؤتمر مطالب بسيطة لحزب الرابطة الإسلامية كأن يفسحوا المجال فى الوزارة لوزيرَين مسلمَين بدلا من وزير مسلم واحد... وكانت هذه المواقف من دواعى المطالبة بتقسيم الهند.
وبعد الاستقلال جرى تهميش اللغة الأردية باعتبارها "لغة المسلمين" لأنها تكتب بالحروف العربية الفارسية ، وأغلقت المدارس التى كانت تتخذ من الأردية وسيلة للتعليم، وصودرت أملاك ملايين المسلمين لو هاجر حتى فرد واحد من الأسرة إلى باكستان ولو أراد هذا الفرد أن يعود إلى موطنه لزم له أن يحصل على تصريح مسبق صعب الحصول بينما كانت الهند ترحب بغير المسلمين المهاجرين من باكستان ، وألغيت حصص المسلمين فى الوظائف الحكومية بل وحتى تم حرمان المسلمين والمسيحيين من أصول المنبوذين التمتع بمزايا أعطيت للمنبوذين من الهندوس، وجرى تقليص وجود المسلمين فى الكادر البيروقراطى والشرطة والجيش بصورة منظمة تدريجية حتى وصل الآن إلى نحو 3-4 فى المائة عموما أى نحو ربع نسبتهم بين السكان. وقد وجد تقرير لجنة القاضى ساتْشَر Sachar سنة 2006 أن وضع مسلمى الهند أسوأ حتى من أوضاع المنبوذين فى بعض المجالات.
تدنى تمثيل المسلمين سياسيا
قد تدنى تمثيل المسلمين تدريجيا فى البرلمان المركزى والمجالس التشريعية للولايات، فبيما ينبغى أن يكون لهم على الأقل نحو 80 مقعد فى البرلمان المركزي لم تصل أعدادهم حتى إلى نصف هذا العدد فى أي وقت من الأوقات منذ الاستقلال كما يظهر من هذا الجدول لتمثيل المسلمين فى البرلمانات الهندية المتعاقبة:
|
انتخابات سنة
|
عدد النواب المسلمين
|
النسبة المئوية بين النواب
|
1
|
1952
|
11
|
2
|
2
|
1957
|
19
|
4
|
3
|
1962
|
20
|
4
|
4
|
1967
|
25
|
5
|
5
|
1971
|
28
|
6
|
6
|
1977
|
34
|
7
|
7
|
1980
|
49
|
10
|
8
|
1984
|
42
|
8
|
9
|
1989
|
27
|
6
|
10
|
1991
|
25
|
5
|
11
|
1996
|
29
|
6
|
12
|
1998
|
28
|
6
|
13
|
1999
|
31
|
6
|
14
|
2004
|
34
|
7
|
15
|
2009
|
30
|
6
|
16
|
2014
|
23+1 (أنتخب أحد الأعضاء سنة 2018)
|
4.4%
|
17
|
2019
|
27
|
4.42%
|
(المعلومات مستقاة من مفوضية الانتخابات الهندية)
وقد لجأت الحكومات المتعاقبة إلى تقليل أعداد النواب المسلمين بطرق ذكية مثل تخصيص الدوائر ذات الغالبية المسلمة للمنبوذين أو توزيع الدوائر ذات الغالبية المسلمة على دوائر هندوسية متأخمة وذلك لتقل نسبة المسلمين فى الدائرة وهو ما يعرف فى علم السياسة الانتخابية بــgerrymandering وتقوم بها مفوضية لايمكن طعن قراراتها فى المحاكم.
ومع هذا ظل حزب المؤتمر والأحزاب العلمانية الأخرى تحرص على ترشيح المسلمين فى الانتخابات وإشراكهم فى المجالس الوزارية وتعيين مسلمين فى مناصب شرفية عالية مثل رئيس الجمهورية ونائب رئيس الجمهورية وحكام الولايات.
إلا أن كل هذا قد تغير بصورة جذرية مع مجىء حزب الشعب الهندى بقيادة ناريندار مودى المعروف بعدائه للمسلمين وتدبيره لمذابح كوجرات فى فبراير 2002.… ومودى وحزبه يؤمنان بأن أية بادرة حسنة تجاه المسلمين تندرج تحت سياسة التملق للأقليات على حساب الهندوس. وحزبه يؤمن بأيديولوجية الهيندوتوا (الحركة الهندوسية السياسية) التى ترى أنه لابد من تهميش المسلمين والمسيحيين وتحويلهم إلى مواطنين من الدرجة الثانية واعتباره كضيوف فى البلد بدون أية امتيازات.
تغييب المسلمين سياسيا فى عهد مودى
إلى حانب اتخاذ إجراءات لاتعد ولاتحصى على كل الأصعدة لتهميش المسلمين وحرمانهم من الحقوق والخدمات، نفذ مودى سياسة تهميش المسلمين سياسيا وذلك بتغييب المسلمين من البرلمان والمجالس التشريعية . وكان مودى قد أتقن هذا الفن خلال حكمه لولاية كوجرات خلال سنوات 2001-2014 فلا يوجد منذئذ نائب مسلم بمجلس كوجرات التشريعى من المسلمين رغم أن المسلمين يمثلون 10 فى المائة من سكان الولاية. واليوم لا يوجد نائب مسلم عن الحزب الحاكم بكل هذه المجالس فى الولايات التى يحكمها الحزب كما لا يوجد الآن - ولأول مرة منذ الاستقلال - أي وزير مسلم فى الحكومة المركزية .
وأخذ مودى أيضا يلغى المشاريع التى بدأتها حكومات سابقة للنهوض بالمسلمين فى المجال التعليمي بصورة خاصة. وأخذت حكومات حزب الشعب تغلق أو على الأقل تضايق المدارس الأهلية الإسلامية فى مختلف الولايات التى تحكمها مثل آسام وأوتارخاند وأوتاربراديش. وبدأ هدم المساجد والمدارس الإسلامية الأهلية والمزارات والمقابر فى الولايات التى يحكمها حزب الشعب الهندى كما بدأ هدم بيوت ومتاجر المسلمين فى الولايات الى يحكمها الحزب بواسطة البولدوزرات وبدون إجراءات قضائية لأتفه الأسباب مثل تهمة إلقاء أحجار على مسيرة هندوسية… ويستمر اعتقال الشباب المسلم لأتفه الأسباب وبعد الاعتقال تضاف تهمة الإرهاب الى قائمة التهم الموجهة اليهم لكى يقضوا فى السجون سنوات طويلة تكفى لتدميرهم وأسرهم. وقد جرى خلال عهد مودى قتل المسلمين على الهوية بالمئات بتهم واهية مثل أكل لحم البقر أو ذبح الأبقار أو الزواج بهندوسيات ولم يتم معاقبة الجناة إلا نادرا…
ومن وسائل التغييب أيضا شطب أسماء ملايين من المسلمين والمنبوذين من السجلات الانتخابية. وقد أكتشف هذا سنة 2019 ولابد أن الأمر أسوأ بكثير الآن. ولايمكن أن يتم هذا إلا بتخطيط وتدبير على اعلى المستويات لتغييب ملايين ممن تعتبرهم حكومة مودى أعداء لها. وفى ولاية آسام شطبت أسماء 1,9 مليون شخص (سبعمائة ألف منهم مسلمون) من سجلات الجنسية وهؤلاء لن يسمح لهم بالاشتراك فى الانتخابات كمرشحين أو ناخبين إلى جانب مائة ألف آخرين فى الولاية - جلهم مسلمون - ممن تم تصنيفهم كناخبين "مشبوهين" (D-voter) وهؤلاء أيضا لن يسمح لهم بالإدلاء بأصواتهم.
قانون الجنسية المعدَّل
فى ديسمبر سنة 2019 مررت حكومة مودى قانون الجنسية المعدّل الذى أجاز لغير المسلمين القادمين من دول مجاورة بالحصول على الجنسية الهندية ولكنها تمنع عن المهاجر لو كان مسلما. وتريد حكومة مودى استكمال هذه الخطة بإجراء إحصاء فى كل أنحاء الهند لمعرفة من ليست لديه أوراق معينة تثبت جنسيته الهندية والمسلم وحده سيحرم من الجنسية بينما سيسمح للهندوس الفاقدين لهذه الأوراق بأن يدّعوا بأنهم جاءوا من إحدى الدول المجاورة وبالتالى يحصلون على الجنسية!…
حزب المؤتمر وعد بإزالة بعد التعديات
حزب المؤتمر وعد بإزالة بعد التعديات لحكومة حزب الشعب وخصوصا فى حق المسلمين . وأعلنت كتلة حزب المؤتمر أنها ستمنع هدم البيوت بالبولدوزرات (وهى سياسة يتبعها حزب الشعب فى حق من يعتبرهم مجرمين ومشاغبين – جلهم مسلمون - ولكن بدون اتباع إجراءات قانونية). وأعلنت الكتلة أنها لو فازت فى الانتخابات بالأكثرية فلن تتحكم فيما يأكله الناس ومن يتزوجون فى إشارة الى حملات زعماء حزب الشعب ضد اللحوم وزواج الهندوسيات مع الآخرين وخصوصا المسلمين. وعلق مودى على هذا قائلا أن الكتلة التى يتزعمها حزب المؤتمر معادية للهندوس.وقد زعم أيضا أن فوز حزب المؤتمر سيؤدى إلى تقسيم الهند مرة أخرى!
وقد توجهت كتلة حزب الشعب الهندي إلى الناخبين طالبا أن تعطى لها الأغلبية فى 400 دائرة على الأقل لتتمكن من تنفيذ برامجها المستعصية مثل تغيير الدستور لإخراج العلمانية والاشتراكية وإعلان الهند دولة هندوسية وتنفيذ قانون الجنسية المعدَّل لسحب الجنسية من "المتسللين" (فى رأي حزب الشعب هم كلهم مسلمون)... وبدلا من التركيز على القضايا الحقيقية يتحدث مودى عن أكل زعماء المعارضة اللحوم والسمك ويتهم أن برنامج حزب المؤتمر هو برنامج الرابطة الإسلامية!
وقد تأثرت كل الأحزاب بسياسات حكومة مودى فى السنوات العشرة الماضية، فلا يهتم الآن أي حزب بالمسلمين ولا ترشحهم فى الانتخابات إلا فى أقل الحدود ولا يحب أي حزب ظهور المسلمين بملابسهم التى تدل على شخصيتهم فى مهرجانات الحزب ولا يسمح لهم بأن يلقوا خطابات فى المهرجانات الحزبية. وهذا نجاح باهر لمودى ولأيديولوجيته. فلو لم يفز حزب مودى فى الانتخابات القادمة، فسيظل المسلمون مهمشين بسبب تأثير سياسات مودى فى الخطاب السياسى الهندى...
(انتهى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.