المسلمون في الغرب ونصرة غزة!
بقلم: د. خالد حنفي
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
لم تتوقف آلة الحرب والقتل للنساء والأطفال والمدنيين في غزة منذ أكثر من 200 يوم، وجاء رمضان والعيد والحرب مستمرة، وقد ماتت إنسانية العالم الغربي المتحضر، وغاب تحضره وتحرره واختفت قيمه ومثله التي لطالما نادى بها ودعا إليها، وعجز الجيران العرب عن أدنى صور الدعم والنصرة لإخوانهم في غزة والمتمثلة في الإغاثة الإنسانية بتقديم الغذاء والدواء، وقد قام المسلمون في الغرب بدور كبير وفعال في نصرة قضية فلسطين، لكنه ضعف كثيرا نتيجة طول أمد الحرب.
أحداث غزة أثبتت ظهور إنسانية الشعوب غير المسلمة ودعمهم للقضايا العادلة خلافا لمواقف الحكومات والساسة، ولابد من التأكيد هنا على ضرورة أن تكون كل صور ومظاهر النصرة لفلسطين قانونية وسلمية وحضارية وتراعي الخصوصية الخاصة بكل بلد
غير أن الطلاب في الجامعات الأميركية قاموا بإحيائه وتفعيله حيث تتابعت الاعتصامات والاحتجاجات الطلابية في كبرى الجامعات الأميركية رفضا وتنديدا ومطالبة بإيقاف الحرب، وهو ما لم تشهد الجامعات العربية مثله أو أقل منه بسبب سياسة القمع ومصادرة الحريات التي انتقلت عدواها إلى أميركا حيث رأينا مشاهد اعتقال الشرطة لرؤساء أقسام وأساتذة جامعات وطلاب كل ما فعلوه أنهم طالبوا بإيقاف الحرب واستعملوا حقهم القانوني في حرية التعبير، ومن المفارقات أن تقف الشرطة في أوروبا لحماية من يحرق نسخة من القرآن، أو يسئ لمقدسات المسلمين بالرسم باسم الحق في حرية التعبير ثم يختفي هذا الحق وذاك القانون عندما يتعلق الأمر بفلسطين!
واحتجاجات الطلاب في أميركا تؤكد أن دور المسلمين في الغرب في نصرة غزة أكبر من غيرهم في ظل القمع ومصادرة الحريات في العالم العربي مقارنة بمساحة الحريات في الغرب، وإن تراجعت هذه المساحة كثيرا في الأحداث الجارية، وهذه الانتفاضة الطلابية تعيدنا إلى تجديد سؤال النصرة قياما بالواجب الشرعي امتثالا لقوله تعالى: ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: 72]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر".
وأحداث غزة أثبتت ظهور إنسانية الشعوب غير المسلمة ودعمهم للقضايا العادلة خلافا لمواقف الحكومات والساسة، ولابد من التأكيد هنا على ضرورة أن تكون كل صور ومظاهر النصرة لفلسطين قانونية وسلمية وحضارية وتراعي الخصوصية الخاصة بكل بلد وتلتفت إلى المآلات والعواقب المترتبة على كل فعل باعتدال وتوازن، فلا نحاصر أنفسنا ونمتنع عن كل أشكال النصرة للمظلومين ولا نندفع بأفعال ومواقف تضر أكثر مما تنفع وتفسد أكثر مما تصلح، ومن صور ومظاهر النصرة المقدور عليها والمؤثرة في الغرب ما يلي:
الاحتجاجات السلمية:
التظاهرات والاعتصامات السلمية القانونية لا شك أنها مشروعة؛ لأنها داخلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا ريب أن القتل والظلم منكر يجب إيقافه، والعدل معروف تجب الدعوة إليه، والاحتجاجات تعاون على البر والتقوى، وقد قرر العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد أثبتت هذه الأحداث وغيرها أهمية هذه التظاهرات في تعريف الرأي العام بحقيقة البغي والظلم الواقع على أهل غزة، ولو لم تكن وسيلة مجدية ومؤثرة لما عارضوها ورفضوها، لكن يجب أن تستمر ما استمرت الحرب، وأن تكون بلغة وثقافة ومشاركة أوروبية.
أصبح بمقدر كل شخص أن يمتلك قناة إعلامية وحده وبوسع الجيل الجديد من أولاد المسلمين في الغرب أن يستثمروا هذه الوسائل في التعريف بحقيقة ما يجري من عدوان على الأطفال والنساء والمدنيين في غزة
الإغاثة المالية والطبية:
قدم القرآن الكريم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في تسعة مواضع ولم يتقدم الجهاد بالنفس على المال إلا في موضع واحد وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة: 111] للتأكيد على أهمية وضرورة الدعم المالي واستمراره، شريطة أن يتم بطريق قانوني وأن يقتصر على دعم وإغاثة الأطفال والمدنيين، ونحن على مقربة من عيد الأضحى ويجب على المسلمين في الغرب أن يجعلوا أضحيتهم هذا العام في غزة فليس هناك أحق وأولى منهم بها، ويتم ذلك بتوكيل المؤسسات الإغاثية في الذبح عنهم أيام التشريق حتى وإن تأخر وصول الأضاحي إليهم بعد العيد فلا حرج في ذلك. كما يجب على الأطباء في الغرب أن يقوموا بدورهم في إرسال المساعدات الطبية والتطوع لعلاج الجرحى والمصابين متى سمح به وكان ممكنا.
الدعم الإعلامي:
تطورت وسائل الإعلام والتواصل تطورا هائلا وأصبح بمقدر كل شخص أن يمتلك قناة إعلامية وحده وبوسع الجيل الجديد من أولاد المسلمين في الغرب أن يستثمروا هذه الوسائل في التعريف بحقيقة ما يجري من عدوان على الأطفال والنساء والمدنيين في غزة، وكشف ازدواجية المعايير الغربية والكيل بألف مكيال في قضية فلسطين العادلة، وقد رأينا كيف أن كثيرا من الأوروبيين اعتنقوا الإسلام بسبب تلك المشاهد بل وجد بعضهم في تلك الصور القاسية القادمة من غزة جوابا عن أسئلتهم وتصوراتهم الخاطئة عن تناقضات الإسلام والقرآن وقسوته حسب زعمهم كما في قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ [الحج: 21] وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56] فقالوا بعد أحداث غزة: هناك أناس حقا يستحقون هذه الدرجة من العذاب في الآخرة، وصدق الله العظيم، وأسلموا وصاروا من الموحدين.
لا يليق أبدا أن ينتفض الطلاب في الجامعات الأميركية نصرة لغزة وتصمت بعض المنابر في الغرب عن مجرد الدعاء لهم وتذكير المسلمين بواجبهم نحوه إخوانهم!
النصرة الروحية:
بالاستقامة على أمر الله والاستمرار في الإلحاح على الله بالدعاء أن يرفع الظلم ويوقف الحرب على أهلنا في غزة وأن يؤيدهم بروح ومدد من عنده، وأن لا نستجيب للمثبطين والمخذلين، فالله سبحانه وتعالى ضمن لنا الإجابة عند الدعاء، وقال العارفون متى أطلق لسانك بالدعاء فأعلم أنه يريد أن يعطيك، والدعاء تعبير عن أعلى رتب العبودية لله تبارك وتعالى، وقد تتمثل الإجابة في منع الضر وتقليل أثر الحرب، وقد تكون في صورة الثبت والصمود الأسطوري الذي نراه، فهل يتصور عقلا أن تثبت فئة قليلة مستضعفة أمام أقوى وأعتى جيوش العالم لسبعة أشهر إلا بمدد من السماء؟! ورحم الله الإمام الشافعي حين قال:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ** وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ** ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي ** ويرسلها إذا نفذ القضاء
ولا يليق أبدا أن ينتفض الطلاب في الجامعات الأميركية نصرة لغزة وتصمت بعض المنابر في الغرب عن مجرد الدعاء لهم وتذكير المسلمين بواجبهم نحوه إخوانهم!
المشاركة السياسية:
لابد من الوعي السياسي والاتحاد والتكتل من قبل المسلمين في الغرب في كل استحقاق انتخابي محلي أو أوروبي، وأن تكون بوصلتهم في الاختيار والتصويت لمن يرفض القتل والظلم ويعلي من المبادئ والقيم الإنسانية ويدعم الحريات العامة، ومعاقبة من ينصر الظالم والمعتدي والمحتل بصورة حضارية وقانونية في الانتخابات القريبة والبعيدة.
فلم يعد مناسبا أبدا والواقع كما نرى أن نبقي قضية المشاركة السياسية في دائرة الحرام والمكروه لأنها تناقض مبدأ الولاء والبراء، والواجب نقلها إلى دائرة الواجبات والضروريات فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكما قال الأستاذ نجم الدين أربكان رحمه الله: المسلمون الذين لا يهتمون بالسياسة يحكمهم ساسة لا يهتمون بالإسلام.
المقاطعة:
وهي سلاح سلمي وحضاري وقانوني وداخل تحت قدرة الجميع، وله أبعاد تربوية على الأطفال والصغار، حيث يجب تنشئتهم على رفض دعم الظلم ومساندته بكل الصور والأشكال وأن نربيهم على المبادئ والقيم الإنسانية التي ترفض مساندة من يعلن دعمه لقتل الأطفال بالمال الذي يربحه من شرائنا لمنتجاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.