طول أمد طوفان الأقصى.. مصالح أم مفاسد؟
بقلم: وصفي عاشور أبو زيد
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
منذ السابع من أكتوبر 2023م حتى اليوم السادس من مايو 2024م يكون قد مر على معركة "طوان الأقصى" أكثر من سبعة أشهر، وطوال هذه الفترة تغير العالم: سلبا وإيجابا، مصالح ومفاسد، لصالح قضية فلسطين ولغير صالحها؛ حيث تحرك العالم كما لم يتحرك لحدث سابق لمدى ثلاثة أرباع قرن على الأقل، وكذلك طول هذه المدة.
وأمام طول مدة الحرب، وحصار قطاع غزة، وعدم تمكن المجاهدين فيها من وصول إمدادات ومساعدات لهم إلا النزر اليسير مما قد يكون له الأثر السلبي الكبير على المقومة، ويمثل تهديدا وجوديا لها، فهل طول مدة الحرب في صالح المقاومة وصالح القضية أم أنه في صالح المحتل وداعميه عالميا؟ هذا ما سنجتهد في العرض له بذكر المفاسد والمصالح في السطور الآتية:
مفاسد طول مدة الحرب
طول مدة الحرب لا شك لها آثار سلبية بل كارثية، وبخاصة في الجانب الإنساني، وقد أمرنا الشرع بدرء المفاسد وتقليلها، وجلب المصالح وتكثيرها بحسب الإمكان، ثم إذا أردنا اتخاذ قرار نوازن بين المفاسد والمصالح، فإن ترجحت المفاسد أحجمنا، وإن ترجحت المصالح أقدمنا، ومن المفاسد المترتبة على طول مدة الحرب:
قدر ما تطول المدة تخلف الحرب دمارا أكبر، وهو ما يعقد عملية إعادة الإعمار في المستقبل.
أولا: مزيد من الشهداء على أرض فلسطين، وبخاصة من الأطفال والنساء والشيوخ، مما يؤثر على العائلات سلبا.
ثانيا: مزيد من تدمير البنية التحتية بفعل ممارسات الاحتلال الوحشية التي لا تبالي بهدم المساجد والكنائس ودور العبادة والبيوت والمؤسسات.
ثالثا: تعريض الشعب الغزاوي للضياع والجوع والعطش، وتفويت سنوات على الشباب والفتيات بشأن الدراسة والعمل وغيره، وما لذلك من آثار سلبية.
رابعا: احتمال تبرم الحاضنة الشعبية للمقاومة، وهي شعب غزة البطل، وانفضاض بعضها عنها، فلكل إنسان طاقة في التحمل والصبر.
خامسا: بقدر ما تطول المدة تخلف الحرب دمارا أكبر، وهو ما يعقد عملية إعادة الإعمار في المستقبل.
يشكل طول مدة الحرب تحديا كبيرا أمام نتنياهو وحكومته بسبب الضغط الشعبي "الإسرائيلي" عليه شخصيا وعلى حكومته معه جراء المظاهرات التي تحاصر بيته وما زالت مستمرة تطالب بوقف الحرب، واستنقاذ أسراهم من أيدي المقاومة.
مصالح طول مدة الحرب
هذه بعض المفاسد التي لاحت لي من طول أمد الحرب، ويبقى ذكر المصالح التي تترتب على ذلك، والتي من أهمها:
أولا: إدخال الرعب والفزع على الكيان الإسرائيلي وشعبه، فبعد كل هذه المدة لا يزال العدو يتلقى الضربات والخسائر في كل مكان في غزة.
ثانيا: لم يفلح الكيان في تحقيق أي من أهدافه التي أعلنها مجلس حربه في البداية، وهذا يضعه في أزمة أمام شعبه وأمام الرأي العام العالمي.
ثالثا: يشكل طول مدة الحرب تحديا كبيرا أمام نتنياهو وحكومته بسبب الضغط الشعبي "الإسرائيلي" عليه شخصيا وعلى حكومته معه جراء المظاهرات التي تحاصر بيته وما زالت مستمرة تطالب بوقف الحرب، واستنقاذ أسراهم من أيدي المقاومة.
رابعا: بحث العالم عن الإسلام بسبب الثبات والرضا الذي رأوه على الشاشات باديا على أهل غزة، حين يرتقي منهم شهيد، أو تهدم بيوتهم وممتلكاتهم، وهو عمل أجره مضاعف لأهل غزة لأن فائدته متعدية.
خامسا: تمحيص الصفوف، وتمايز المؤمنين من المنافقين، والمؤمنين من الكافرين، على مستوى العلماء والدعاة، والسياسيين والحزبيين، والدول والحكومات، والرؤساء والملوك والأمراء، فقد بات واضحا من أهل الصدق من أهل الكذب، وأهل الإيمان من أهل النفاق ﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِیَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ عَلَىٰ مَاۤ أَنتُمۡ عَلَیۡهِ حَتَّىٰ یَمِیزَ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَیۡبِ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَجۡتَبِی مِن رُّسُلِهِۦ مَن یَشَاۤءُۖ فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِیم﴾ [آل عمران: ١٧٩].
السابع من أكتوبر تاريخ فارق، ولن يكون بعده مثل ما قبله، فالطوفان مقدمة لتغيير كبير، على المدى القريب والمدى البعيد، فهذا الحراك العالمي الشعبي سوف يفرز قيادات جديدة وحكومات مختلفة.
سادسا: الصحوة الإنسانية الكبيرة للضمير الشعبي العالمي، فقد أصبحت الشعوب الأوروبية والأمريكية في واد وحكوماتها في واد آخر تماما، الشعوب مع الحقوق والحريات وضد الظلم، والحكومات تدعم الكيان في جرائمهم الوحشية، وقد تتوج ذلك بحركة الطلاب الجامعيين في أميركا وأوروبا واليابان وتركيا وغيرها؛ حيث نتابع اليوم انتفاضة طلابية ضخمة عطلت الدراسة وأدخلت الجامعة في تعطيل عن الدراسة، نصرة للمستضعفين ووقوفا أمام الصلف الصهيوني، وكشفت عن الوجه القبيح لأميركا التي اعتقلت متظاهرين، وأهانت نساء متظاهرات، مما أسقط رواية حقوق الإنسان والحريات.
سابعا: تغيير عالمي محتمل بعد طوفان الأقصى، فالسابع من أكتوبر تاريخ فارق، ولن يكون بعده مثل ما قبله، فالطوفان مقدمة لتغيير كبير، على المدى القريب والمدى البعيد، فهذا الحراك العالمي الشعبي سوف يفرز قيادات جديدة وحكومات مختلفة.
هذه بعض الميزات أو المصالح المترتبة على طول الحرب، ولا شك أن هناك غيرها، وبالنظر إلى المفاسد سالفة الذكر، فإن البنيان يعوض في أي وقت، والشهداء مفخرة للمسلمين، والجراح والآلام يأجر الله عليها أجورا مضاعفة: ﴿قُلۡ هَلۡ تَرَبَّصُونَ بِنَاۤ إِلَّاۤ إِحۡدَى ٱلۡحُسۡنَیَیۡنِۖ وَنَحۡنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمۡ أَن یُصِیبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابࣲ مِّنۡ عِندِهِۦۤ أَوۡ بِأَیۡدِینَاۖ فَتَرَبَّصُوۤا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾ [التوبة: ٥٢].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* وصفي عاشور أبو زيد؛ أكاديمي مصري، وأستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، وعضو عدد من المؤسسات العلمية العالمية.
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.