البحث

التفاصيل

طوفان الأقصى والفرص المتاحة !! 2/2

الرابط المختصر :

طوفان الأقصى والفرص المتاحة !! 2/2

 

المحور الثالث: اعتصامات الطلبة في الجامعات مطالبين بقطع العلاقات الأكاديمية والاستثمارية مع الكيان الصهيوني، بين الجامعات ومراكز البحث فيها والسطات الصهيونية ومؤسساتها الأمنية والعسكرسة، وبلغة أخرى فإن تحرك الجامعة في هذا التجاه، يعني هي دعوة إلى مراجعة المنظومة المعرفية الاستبدادية الظالمة، وإلى الحد من مساهماتها في المظالم التي ترتكب هنا وهناك؛ لأن العلاقات الأكاديمية بين الجامعات والمؤسسة الأمنية والعسكرية الموجودة في العالم، ليست قاصرة على العلاقات الأمريكية الصهيونية، وإنما هي عامة في كل بلاد الغرب، فكل تطوير في السلاح والدراسات النفسية له علاقة مباشرة مع المؤسسات العسكرية والأمنية، وموجهة إلى قمع الشعوب المستضعفة.

لا شك أن طبيعة الغرب الصراعية تقتضي –كما يفعل اليوم- أن يكون الانتاج المعرفي في خدمة السياسات الغربية، في التمكن من القوة واستعمالها في بسط النفوذ واستعمار الشعوب؛ بل وفي احتكار الحق والقوة والتفوق التكنولوجي، وفي مقابل ذلك كل من ليس في الغرب لا يحق له أن يكون مثل الغرب ولا يسمح له [ن يكون كذلك... وهذا المنطق غير معقول.

فالحركة الطلابية وان لم اقتصرت على مطلب قطع العلاقات بين المؤسسات الجامعية والأكاديمية والكيان الصهيوتي إلا أن جوه المعركة سيفضي حتما إلى مراجعة هذا العلم الذي يفرق بين الشعوب ويُسخَّر إلى قتل الاطفال والنساء وارتكاب الجرائم اللاإنسانية.

قبل سنوات أصدرت الإعلامية نعومي كلاسن الكندية كتابا بعنوان "عقيدة الصدمة"، تكشف فيه عن استغلال المخابرات الأمريكية لطريقة علاج نفسية تخلى عنها علماء النفس، وهي العلاج بالصدمة، وهي طريقة تعالج المريض النفسي ولكنه يفقد كل خبراته التي اكتسبها في حياته، فإذا كان المريض مثلا يبلغ من العمر أربعين سنة، فإنه عندما يعالج بهذه الطريقة، ستمحى خيراته كلهاـ ويعود لمص أصابعه ويتبول كما يفعل الأطفال تماما... لأن هذه الطريقة في العلاج تعيد الإنسان إلى بدايات طفولته، بمعنى تمحى ذاكرته كلها، ولما أدرك صاحب النظرية ذلك، شعر  بالحرج أخلاقيا... فتخلى عن النظرية، فالتقطت المخابرات المريكية التجربة وطبقتها على الشعوب التي قررت التحكم فيها، ونجحت في صراعاتها مع خصومها الأيديولوجيين من اليساريين في أمريكيا اللاتينية تحديدا ومع العالم الإسلامي في أفغانستان والعراق. 

المحور الرابع: هناك جانب آخر من القضية وهو وجود مجموعات حركية –امثال حزب الله وانصار الله الحوثيين والحركة الإسلامية في العراق، وشعوب العالم التي تقاوم على طريقتها- تحركت في اتجاه ضرب المصالح الغربية والقيام بمحاصرة الكيان الصهيوني، بالمقاطعة الاقتصادية حينا، وبالضغط على الأنظمة الموالية والمحمية من الغرب، بالمظاهرات والاحتجاجات المتنوعة وبالقصف الصاروخي لأماكن ومواقع محددة مثلما يفعل حزب الله والحوثيون.

فالواقع كما نلاحظ مفتوح على الأستثمار الإيجابي في مقاومة الغرب وقيمه وفي محاصرة الصهاينة؛ بل كل ذلك يمثل فرصا متاحة للمستضعفين من أجل استرجاع القيم الفاضلة، التي ينبغي أن تسود العالم، بدل هذا الغبن الذي يحكم به العالم المتآمر البشرية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وشطر هذا القرن...

ولكن المستضفعين بكل أسف، بدل أن تنفتح أبصارهم على هذه الفرص، انشغلوا بالخوف على المنطقة من اتساع قاعدة الحرب الشاملة في المنطقة، رغم أن اتساعها سيخفف الضغط عن المقاومة بالداخل الفلسطيني، ويرعب الصهاينة والقوى الداعمة لهم من حراك الخارج...، وينساق الكثير ممن لا برناج لهم في الحياة إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس، رغم أن ما يفعله الكبار يسير في اتجاه توظيف الدعم القوي لاستمرار الحرب والخوف من اتساع رقعتها، ولا يريدون الاهتمام بموضوع التحول الذي تظهر بوادره في كل حركة وسكنة.

منذ سنوات طويلة والحروب تشتعل في الشرق الأوسط وتخبو، ولكنها لا تختلف عن بعضها...، فتكون نهاياتها: تبادل أسرى والشروع في تفاهمات ومفاوضات وبحثا عن سراب يتوهمه الكثير حلولا...، كامت تنهن حرب اشتعلت اخرى... وهكذا.

هذه المرة ظهرت المكشلات الحقيقية، التي يراد غمها بفكرة الدولة الفلسطينية ذات السيادة او منزوعتها... ولكن الموضوع كما يبدو لم يعد بالبساطة التي يروج لها المستفيدون من التعفن في الشرق الأوسط، وهي مشكلات تبحث عن حلول نهائية، وهذه الحلول ليست خاصة بالقضية الفلسطينية فحسب، وإنما هي خاصة بالتوجه العالمي كله... الوضع يستفز خبراء العالم للخروج من المازق الذي هو فيه، ولم يستطع الخروج منه؛ بل إن الأزمات التي خلفتها المنظومة المعرفية  والاجتماعية والسياسية، مؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية، تراكمت وأنشأت لنا عالما مشوها، بدا في بعض جوانبه فتحا مثل تقرير مصير الشعوب وضمان الحريات وحقوق الإنسان، ولكن سرعان ما عاد الإستعمار بأبشع صوره... وقد عبر عن هذا الاستياء ما يصدر بين الحين والآخر من كتابات لإعلاميين وضباط في المخابرات الأمريكية، أمريكيين وغيرهم، مثل كتاب عقيدة الصدمة لنعومي كلاين الكندية، المشار إيه آنفا، ومذكرات قاتل اقتصادي العميل في المخابرات المركزية الأمريكية....

ثم توجت تلك الجرائم وغيرها من المهازل التي يقود بها الغرب العالم، بكتابات أخرى من أكاديميين وفلاسفة غربيين أيضا يدقون ناقوص الخطر حول الوضع الذي آل إليه العالم من مفاسد وموبقات ومخاطر تهدد الإنسانية.

المحور الخامس: في المجال المعرفي إضافة إلى ما أشرنا إليه في الحراك الطلابي، من الدعوة للقطيعة بين المؤسسات الأكاديمية والصهيونية والمرشحة للتطور في اتجاه إدانة التوجه العلمي نفسه الذي هو في غير خدمة الإنسان، توجد حركة علمية قوية في العلوم الإنسانية تبشر بسقوط المنطومة الغربية ومنذ عقود، ولكن صوت التفوق التكنولوجي غطى عن تلك المخاطر التي نبه إليها الكثير من الباحثين... فالألماني شبينغلر والفرنسي روني غينون وغيرهما الذين دقوا ناقوس الخطر منذ ما يزيد عن نصف القرن، ولا تزال الأصوات ترتفع هنا وهناك في الغرب تحديدا، وربما آخر صوت يسمعه العالم هذه الأيام في مطلع العام 2024 صوت الكاتب الفرنسي إمانويل تود الذي أصدر كتابا بعنوان "هزيمة الغرب"، وهو الذي تنبأ بسقوط الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن العشرين، إضافة إلى كتاب نظام التفاهة   عبادة المشاعر وسلسلة كتب السيولة "الحداثة السائلة" و"الحب السائل"....إلخ.

إن الفرص المتاحة اليوم ما أظنها كانت بهذا الوضوح واتساع الرقعة والانفتاح على الجميع، وكأن الانسانية اليوم تستغيث... وتدعو العالم –كل العالم- إلى اغتنام هذه الفرص المتاحة لتحريره من هيمنة الغرب.

وتوسع دائرة الصراع والحرب ضد الغرب والكيان الصهيوني، لتتحول بوعي إلى تحالفات بين القوى الوطنية والإسلامية، مثلما فعل بعض الشباب والطلبة في الأردن، الذين شكلوا قوة وطنية للضغط على النظام المطبِّع، وتحريره من الهيمنة الأمريكية والصهيونية، ويمكن توسيع هذا المسعى إلى باقي العالم الإسلامي ومنه مصر والعراق ودول الخليج، وإلى نخب هذه المناطق كلها، وبتفعيل سلاح المقاطة للمنتجات الغربية، للضغط على الأنظمة الداعمة للصهاينة خصوصا، وإشعار العالم بجريمة سكوته على ما يقع في غزة.

إن الغرب رغم شعوره بالأزمة، لا يزال يشعر أن طروحاته هي الأنفع للإنسانية وأنه المسؤول على العالم، في حين أن باقي العالم له ما يقول في هذا الادعاء المؤدي للإفلاس الإنساني العام.

وتفعيل سلاح المقاطعة، يساعد العالم العربي والإسلامي إلى تحريك مشاريعه التنومية الوطنية، من ناحية لتعويض ما يفقد المواطن من أمور انتجها الغرب وقاطعها احتجاجا على الجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية، ومن جهة أخرى للتحرر من الهيمنة الغربية في المجال الاقتصادي، لا سيما وعالمنا الإسلامي غني بالكثير من الثروات الطبيعية، إضافة إلى الموقع الحغرافي الاستراتيجي. والفرصة المتاحة التي فتحت أبواب العالم على المبادرة امام الجميع، متفلتة من الضغوط الدولية التي كانت في الأوضاع العادية من قبل، كفيلة بعودة الأمور إلى نصابها الذي يخدم الإنسان في آجله وعاجله. وهي فرصة كغيرها من الفرص إذا لم تستغل ستذهب كغيرها من الفرص التي ضاعت ولم يستفد منها الإنسان، ففتح للغرب أبوابٌ للإستثمار مددت في عمر الأزمة.

 





التالي
غزة.. ارتفاع حصيلة شهداء الحرب الإسرائيلية إلى 35 ألفا و903

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع