البحث

التفاصيل

تفتيت العالم العربي والإسلامي

الرابط المختصر :

تفتيت العالم العربي والإسلامي

 

د/ محمد وثيق الندوي

 

إذا قام أحد من المحللين والكتاب المطلعين على مسارات الأمور والأحداث في العالم، بمتابعة واستعراض ما يجري في منطقة الشرق الأوسط،وخاصة في فلسطين وغزة العزة، من إجراءات قاسية بربرية، وفي السودان من ظروف سياسية صعبة، ومواقف الدول الاستعمارية الغربية تجاه هذه الأوضاع، والعدوان الإسرائيلي الصارخ، والعجز العربي الواضح، يصادف أن هذا الوضع العالمي نتيجة للمخطط الذي وضعه برنارد لويس في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر (1977م-1981م)، وضع برنارد لويس (1916م-2018م) Bernard Lewis -وهو مؤرخ أنجلوأمريكي وصهيوني متخصص في شؤون الشرق- هذا المخطط الاستعماري لتفتيت العالم العربي، ولدفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقتل بعضهم بعضًا، وهو الذي قدَّم مبررات غزو أفغانستان عام 2001م وغزو العراق عام 2003م، ويهدف هذا المشروع الخطير إلى تفتيت كل دولة عربية إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد سلم برنارد لويس هذا المشروع إلى بريجنسكي(Zbigniew Brzezinski) مستشار الأمن القومي في عهد جيمي كارتر، والذي قام بدوره بإشعال حرب الخليج الثانية حتى تستطيع أمريكا تصحيح حدود "سايكس بيكو" ليكون متسقًا مع المصالح الصهيوأمريكية، ووافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع، وفي جلسة سرية عام 1983م علي مشروع برنارد لويس، وتمَّ تقنين المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية المستقبلية، وهى الاستراتيجية التي يتم تنفيذها بدقة وإصرار شديدين، وأرى أن ما حدث في المنطقة قبل الربيع العربي وبعده، وما يحدث الآن من حروب وصراعات، وأحداث وظروف، وإجراءات القمع والكبت والإبادة، يدل على هذا الأمر، كما كتب الدكتور حسين عمر توقة في مقال له نشرته صحيفة عمون في 17/9/2019م.

فكل من يدرس هذا المخطط ويقارن بين ما تمَّ تخطيطه قبل أكثر من أربعين سنة وبين ما يقع اليوم من أحداث وظروف في منطقة الشرق الأوسط، ومواقف عالمية، يجد أنها تقع حسب مخطط برنارد لويس لتفتيت العالم العربي، و بخاصة أن مخطط برنارد لويس يهدف الى القضاء على النظام في الأردن وتحويله الى وطن بديل للفلسطينيين، كما يدل على ذلك الوضع الراهن .

ولا أكون مبالغًا إذا قلت أن هذا المخطط والمخططات والمشاريع الأخرى مثل مشروع العالم الإسلامي بعد أحداث 9/11 (The Muslim World after 9/11)الذي قدمته مؤسسة راند الأمريكية (Rand Corporation) عام 2005م ومشروع بناء شبكات مسلمة معتدلة (Building Moderate Muslim Networks) الذي قدمته راندعام 2007م، كل ذلك تم تخطيطه لتحقيق خريطة "سايكس بيكو" التي كانت قد وُضِعت لتقسيم الدول العربية والإسلامية عام 1916م،لأن الوحدة العربية والإسلامية خطر للغرب وأوروبا كما كتب لورانس براؤن(Laurence Browne)، وآرنلد توينبي(Arnold J. Toynbee)، والبابا سائمن(Saimon)، ووزير المستعمرات البريطانية أورمسي غو عام 1938م، بل قد أوصى لويس التاسع في وثيقته المعروفة التي قامت على أساسها النهضة الحديثة في أوروبا.

 إن هذه المشروعات والمخططات يتم تنفيذها بتعاون المحافظين الجدد في أمريكا وبأعضاء الإيباك " اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة"( American Israel Public Affairs Committee) لأنهم يتمتعون بنفوذ كبير، وهم من أصحاب القرار في توجيه السياسة الأمريكية، وبالذات فيما يخص إسرائيل.

فإن هناك مخططات صهيوأمريكية واستعمارية عالمية لتمزيق قوة المسلمين وتفتيت شملهم بخريطة جديدة للعالم الإسلامي والعربي، وتوزيعه على أسس فكرية وعنصرية وقومية وعرقية وعقدية وطائفية، وبهذه السياسة الاستعمارية  تتغير خريطة العالم الإسلامي.

فالوضع العالمي الذي يمرُّ به المسلمون، يتطلب من القادة والزعماء المسلمين والحكام العرب أن يجتمعوا ويتحدوا للحفاظ على الوحدة الإسلامية، ولصيانة الأمة المسلمة التي كانت أمة واحدة "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ" [الأنبياء:92]، ويبذلوا الجهود المخلصة لإعادة الأمن والسلام والوضع الطبيعي في المناطق التي تجري فيها الصراعات، ووقف دماء المسلمين التي تراق أنهارًا وبخاصة في فلسطين وغزة، ليعود المشرَّدون إلى وطنهم، ويقضوا حياتهم في أمن وسلام،وذلك هو حكم الإسلام. "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا".. "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ".

فإن الوحدة الإسلامية هي التي تستطيع أن تفشل مخططات الأعداء، وهي التي تستطيع أن توحد المسلمين وتقويهم، وتشد عضدهم، وتستطيع أن تبقي على عزهم وشرفهم ومكانتهم، وتعطيهم ضمان السلام الدائم، كما أنها تستطيع أن تنقذ العالم الجريح المثخن بالجروح من التمزق والتشتت، والتحارب والتناحر،وتستطيع أن تعيد إلى المسلمين مكانتهم المفقودة،من القيادة والسيادة،والغلبة والقوة، والحكم والتوجيه والإرشاد للعالم الإنساني كله، كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. (آل عمران:110).

 





التالي
مسيرة حاشدة في السنغال دعماً لفلسطين

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع