المسلمون في صربيا.. وتحديات الماضي والحاضر
يتشكل المسلمون في صربيا من البوشناق والألبان والأتراك والغجر والذين اعتنقوا الإسلام من الصرب، وهم موزعون جغرافياً في مناطق عدة في صربيا، حيث يشكلون أكثرية مهيمنة في إقليم السنجق الذي تقطنه أغلبية من البوشناق، وفي وادي بريشيفو الذي تقطنه أغلبية من الألبان، أما في المناطق الأخرى فهم أقلية.
المسلمون البوشناق هم الأكثرية، ويتواجدون في إقليم السنجق؛ وهو مقاطعة في جنوب شرق صربيا وشمال الجبل الأسود، وهي منطقة منفصلة جيوسياسياً وثقافياً وتاريخياً وعرقياً ومذهبياً وإدارياً وإقليمياً، مركز الإدارة فيها مدينة نوفي بازار.
كانت الأحداث السياسية خلال القرن الماضي سبباً لهجرة أعداد كبيرة من المسلمين أغلبها كان إلى تركيا، وتكررت هذه الهجرة في عدة مراحل؛ ما قلص الوجود الإسلامي في صربيا إلى أقلية قومية أو جماعة دينية.
وأثناء فترة حكم النظام الشيوعي كحزب حاكم واحد لاتحاد الجمهوريات اليوغوسلافية، واجه المسلمون تحديات عديدة من إغلاق وهدم للمساجد، وإلغاء المدارس الدينية والكتاتيب، والاستيلاء على الأوقاف، وتأميم الملكية، وغيرها من الممارسات التي ضيقت على المسلمين ودفعتهم للهجرة أيضاً.
بعد أحداث البلقان في تسعينيات القرن العشرين، أعاد المسلمون تشكيل مؤسساتهم الدينية والتعليمية في صربيا، ومارست المشيخة الإسلامية دوراً بارزاً في هذا المجال، وأسست العديد من المؤسسات التعليمية بكافة المستويات، بالإضافة للمؤسسات الخيرية وتأهيل الدعاة وبناء المساجد.
كما قامت الأحزاب الإسلامية بدور نشط خلال العقد الأخير ببناء علاقات مع الفعاليات السياسية في صربيا، ولكنها ما زالت تعاني وتواجه العديد من الصعوبات والتحديات، نذكر منها هنا:
– الانقسامات المذهبية:
فقد تسربت هذه الانقسامات المذهبية والفكرية إلى مسلمي البلقان حيث ظاهرة تعدد التفسيرات المتعلقة بالإسلام، وتأثر المسلمون في البلقان بعد انهيار الشيوعية بالأحداث والتيارات الفكرية، كما أن خروج عدد من المثقفين إلى دول العالم الإسلامي للدراسة والتحصيل العلمي جعلهم ينهلون من مشارب مختلفة؛ فحملوا معهم نظريات وتصورات مختلفة؛ ما انعكس على وحدة المؤسسات ووحدة المجتمع المسلم.
– اليمين السياسي:
كما يواجه المسلمون في صربيا، بل وفي أوروبا عموماً، تحديات عديدة عبر صعود تيار اليمين السياسي؛ وهو تيار يعادي الإسلام وينشر «الإسلاموفوبيا» عبر وسائل الإعلام التابعة له؛ وهو ما يسبب حالة من القطيعة والصدام أحياناً مع المسلمين وأسلوب حياتهم.
وفي البلقان، وصربيا خصوصاً، لا يبتعد الأمر كثيراً عما يحدث في غرب أوروبا، فاليمين المتطرف والأحزاب القومية ترى الإسلام والمسلمين عدواً تاريخياً لها، ووجود الإسلام يناقض أيديولوجيتهم وبرامجهم، وهذا ما يثير الخوف لدى المسلمين من أن تنزلق أوروبا ثانية إلى العنف في التعامل بين الثقافات المختلفة.
– الهوية وغيرها:
التحدي الأكبر للمسلمين في صربيا هو المحافظة على الهوية وحماية المجتمع، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها المجتمعات الأوروبية عموماً من أمراض اجتماعية وانحرافات أخلاقية هي مرفوضة تماماً في الثقافة الإسلامية.
ولكنها تفرض وجودها في المجتمعات الأوروبية كالإدمان على المخدرات والعيوب الاجتماعية والأسرية التي تطبع حياة المجتمعات في فترة ما بعد الحداثة؛ والانحرافات الأخلاقية التي رافقتها والانعزال عن المجتمع وغيرها من الآفات.
– الاقتصاد:
المشكلة الاقتصادية بسبب غياب التنمية في مجتمعاتهم تحدٍّ آخر للمسلمين يصعب معالجة مشكلات الاجتماعية والانحرافات لدى الشباب، ويعاني المسلمون من الإقصاء والتمييز، وحرمانهم من تساوي الفرص داخل سوق العمل.
أما المشكلات والتحديات الأخلاقية والقيمية التي يعاني منها المسلمون وغير المسلمين من المتدينين فهي القوانين الوضعية التي تشرعها الدول الأوروبية لحاقاً بقطار العولمة، ما يناقض الأخلاقيات الدينية والقيم الإنسانية الأصيلة ويناقض الفطرة الإنسانية؛ كنشر وتسويق أفكار الشذوذ والمثلية الجنسية وتقنينها، بل والتشجيع عليها في الإعلام ووسائل التواصل وكذلك في المدارس، وتشجيع الفكر الإلحادي وتدمير فكرة الزواج والأسرة من خلال تشريعات تشجع الإنجاب خارج إطار الزواج، كل هذا يمثل تحدياً كبيراً للأسرة المسلمة في صربيا وفي أوروبا عموماً.
مواجهة التحديات
هذه التحديات تستوجب على المسلمين إيجاد حلول لها، وأولها تأسيس مؤسسات فكرية مناسبة لمعالجة هذه المصاعب وإيجاد حلول لها والتواصل مع المؤسسات والمنظمات الأخرى.
ولمواجهة هذه التحديات يحتاج المسلمون للعمل الجاد والانخراط أكثر في العمل السياسي، والمشاركة بفعالية أكبر في النشاطات الاجتماعية والمدنية عموماً، وتأسيس مؤسسات ومنظمات تحمي حقوقهم وتتواصل مع الفعاليات السياسية والمجتمعية الأخرى في صربيا وفي المجتمع الأوروبي.
كما على الأسرة المسلمة أن تندمج أكثر مع المجتمع الأوروبي، وتكون أكثر فاعلية بدلاً من الانعزال، وعلى المسلمين الاهتمام أكثر بإنشاء المؤسسات التعليمية الإسلامية التي تحفظ الهوية الإسلامية لدى الأجيال الشابة، والحث على ترك العادات السلبية وتقديم صورة ناصعة للمسلم الأوروبي، فأوروبا بالرغم من السلبيات هناك احترام لحقوق الإنسان بشكل أكبر من أكثر المناطق في العالم.
النجاح في التفاعل مع النظام في صربيا وفي المجتمع الأوروبي والانخراط في النشاطات السياسية والمدنية سيمكن المسلمين بشكل أكبر من تمثيل أنفسهم والحفاظ على قيمهم وهويتهم، والتأثير في القوانين الوضعية التي تراعي مشاعر المسلمين وتحترم خصوصيتهم، ويكونون أكثر فاعلية في قضايا أمتهم الإسلامية.
المصدر : موقع مجلة المجتمع