(بين أصحاب الأخدود وأصحاب غزة)
بقلم: م. أحمد المحمدي المغاوري
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
المحاور
1- أصحاب الأخدود وأقوامهم وثباتهم؟
2- العبرة ليست بظاهر الأمر لكن بالخاتمة
3- ما موقفنا من أصحاب غزة (القدوة)؟
4- فرصة الغرس متاحة فالبدار البدار (ها انتم هؤلاء تدعون؟
المقال
(بين أصحاب الأخدود وأصحاب غزة)
أصحاب الأخدود؛ ثلة آمنوا بربهم، تخلى الناس عنهم وتُرِكوا لمجرمي عصرهم حين حفروا لهم أخدود عظيم وأوقدوه نارا؟ قال الله عنهم: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ. إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ. وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ - البروج) وما كانت جريرتهم إلا أن قالوا ربنا الله، فنقم منهم المجرمون: (وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ) -سورة البروج- فأحرقوهم فلم يبقوا منهم أحدا.
لم يُعرفُنا القرآن كيف كانت دائرة الصراع وحدتها ومداها؟ وهل أعد أصحاب الأخدود العدة لملاقاة الكفرة أم كانوا مستضعفين؟ توقف الآيُ الحكيم عن التفاصيل وذِكرُ عاقبة الظالمين، فذكر سبحانه أن بطشه وانتقامه شديد لكل جبار عنيد، وأظنُ أن البلاء والأخذ الأليم قد حل بأهل هذا الزمان سواء كبارهم أو أتباعهم أو متفرجيهم ممن شغلتهم الدنيا بزخرفها ورضوا بالعيش المهين! إن القرآن لا يقف طويلا ولا يُعط بالا ولا ذكرا للمجرمين ولا الحمقى المغفلين ، فمآلهم معروف، قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦ ۖفَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) -سورة العنكبوت:40- مشاهد تتكرر عبر الأزمنة لأخذ العبرة ولتثبيت الفئة المؤمنة لتكون النهاية الحتمية الحاسمة؛ لينال أصحاب الأخدود ومن على غرسهم الرضى والرضوان قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} -سورة البروج: 11.
* إن ما بين أصحاب الأخدود وأصحاب غزة صورة تتكرر بظاهرها وباطنها فظاهر المشهد إبادة وتهجير وحرق لأهل الحق وفي باطنه حياة النعيم المقيم المنتظر وفي المقابل سيسدل الستار عن بني صهيون وأمثالُهم وإن كان في ظاهر أمرهم استكبارا وعلوا، لكن في باطنه الهلاك لملة الكفر كافة، ويأبى الله إلا أن يُتم نوره ولو كره الكافرون.
* لقد اخذت الأرض زخرفها وازّْيَنَت وظنَ المجرمون أنهم قادرون عليها، يحسبون بما لديهم من قدرات أن الأرض قد دانت لهم، وفرحوا بما أوتوا، فأمنوا مكر الله بعد تطببع وتطبيل من أذيال لهم مهدوا الطريق لهم ولبغيهم في بلادنا، يقولون لهم نخشى أن تصيبنا دائرة من المقاومة المرابطه! فصفة المنافق أنه لا يندمج ابدا في جماعة يعيش فيها، بل يكون في جانب ومن معهم في جانب آخر خلسة، كما يفعل إخوانهم اليهود الذين مردوا على النفاق، وسيأتي الله بأمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين، ليتكرر المشهد ويتكرر الاختبار لنا وللأمصار في صورة لهذه القلة من الآخرين في الأرض المباركة وبيت المقدس وأكنافه، وكما مضى لثلة من الأولين كأصحاب الأخدود، فيأتي قليل من الآخرين، حيث أصحاب غزة وقد حفرت لهم اخاديد الموت بكل أشكاله للقضاء عليهم ولن يقدروا! وربما يحدث لهم كأصحاب الأخدود؟ والغالب أن النصر سيكون حليف غزة المرابطة، وعد الله وبشرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الطائفة المنصورة في آخر الزمان، وفي كلا الحالتين نصر أو استشهاد قال تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍۢ مِّنْ عِندِهِۦٓ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) -سورة التوبة: 52- وعد الله، ولَهلاكُ السماوات والأرض أهون عند الله من أن لا يتم وعده، ألا إن وعد الله حق.
* سيحدث التغيير وتتحقق روائع فقه سنن الله في الأرض وكما قال صاحب الظلال سيد قطب -رحمه الله: "قد يزهو الباطل حتى ليكادُ يطال بزهوّه عَنان السماء، ويتألّم الحق حتى ليكاد يسمع ألمَه أهلُ الأرض والسماء، وفي ذروة الزهوّ ومنتهى اﻷلم وعظيم صبر المؤمنين يحدث التحوّل وينقلب الأمر رأسًا على عقِب وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله ويتلاشى الباطل وأهلُه ويبقى الحق وأنصارُه، وما بين خلعِ ثوب الذلّ وارتداء ثوبِ الحرية تظهر عوراتُ الكثيرين" انتهى.
* إنها فرصة لنا ان نتخذ من أبناء المقاومة وشعب غزة قدوة في اليقين بالله والإعداد والأخذ بالسنن على بصيرة في ربط متين بين الإيمان والعمل الصالح والمسجد والمصنع وتلك هي الوصفة الإلهية؛ وصفقة النصر والثبات التي يتعجب العالم الحر من رونقها وتألقها وفاعليتها فينجرف معها مدافعا لها، مُسلمهم وغير مُسلمهم، بل ويبادرون إلى دين؛ هذا رجاله!!
فبمثل هؤلاء فليتنافس المتنافسون وليعمل العاملون، باتخاذهم بوصلة الانطلاق لا الانغلاق!! فالحجة بالغه! والسؤال عظيم! فأي الفِرَقْ نكون؟
قال الله تعالى فاصلا بينهما: [لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا]، وقال: (..فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ).
ذلك هو طريق الأمن والهدايةُ إلى الصراط المستقيم الذي سلكه أصحاب الأخدود قديما وأصحاب غزة الصناديد، إنه طريق الأمن من المخاوفِ والشقاء هنا وهناك إذا وقعت الواقعة! حين انتصروا على أنفسهم فجاهدوها، فانتصروا على عدوهم وكان يسيرا !!
الله ناصر جنده وهازم عدوه، قال تعالى: [وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَاٱلۡمُرۡسَلِینَ، إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَـٰلِبُونَ الصافات].
* إننا امام شعب استيقن ان عالم البشر قد خذله وليس للمسلمون فقط، فالكل أدار للحق والمبادئ الإنسانية ظهره إلا ما رحم ربي، وعلى هؤلاء القلة أن يواجهوا وحدهم معتمدين على الله وحده جيش الصهاينة ومن ورائه من قوى الغرب الظالمه ويعاونهم خونة من بنى جلدتنا، اكاد أحس بروحهم العالية وعزيمتهم الصلبة من خلال عملهم الجبار، بالليل والنهار، وهم على استرداد أرضهم وكرامتهم في إصرار، حتى ولو كان مصيرهم جميعا مصير اصحاب الأخدود الأبرار.
* ومع هذا الحدث والحديث نتساءل: ما هو موقفنا مما يحدث في غزة وما هو غرسنا وكيف نكون رديف لهم؟ إنه الاختبار لنا جميعا ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا قامت الساعة وفي يدي أحدكم فسيلة فليغرسها]، لقد غرس أصحاب الاخدود صدق الإيمان بالله في لحظة قيامة ساعتهم فنالوا الرضا والرضوان، وهكذا يغرس أصحاب غزة الآن، وسيكون النصر حليفهم فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!
قال تعالى: [هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم [محمد: 38].
وليس لأحد عذر؛ لقد اختار الله لأصحاب الأخدود هذا الاختبار فنجحوا وكانت هذه نهايتهم وقد اختار لأصحاب غزة هذا الرباط والثبات واختار لمن اختار دار هجرة ودار سجن واعتقال وآخرين مطاردة وتشربد في بلدانهم، وكلٌُ في موقعه إذا صدق الله; صدقه وكان له نفس الأجر والمثوبة: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).
* ووسط هذه المحنة تنكشف الأغطية، فشتان شتان بين أصحاب غزة وجندهم الغالبون وبين من خذلهم من الفسقة والمجرمون ومن سكت عنهم من العالمين (إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب)؟
فالبدار البدار ولنزاحمهم في الأجر، وألا فالعاقبة كئود، وليكن لنا عبرة في أصحاب غزة وأصحاب الأخدود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.