الفقه التاريخي أو فلسفة التاريخ وخارطة النظر الفقهي المعاصر
كتب: أ. د. فضل عبد الله مراد
قرأت كثيرا جدا في التاريخ والفقه التاريخي أو ما يسمى فلسفة التاريخ سواء في المكتبة العربية أم الأجنبية
لقد تنبهت إلى سر عظيم في قصة الحضارات والأفراد والقادة هو أن التاريخ يريك سنن الله لتتنبه للتدافع الإنساني المحتوم على كل فرد وجماعة وأمة وشعب.
تدافع بين الخير والشر وبين الخيور والشرور مع بعضها على مستوى الإنسان فردا وجمعا.
بل على مستوى النفس الذاتية والشخصية تدافع بين الطاعة والمعصية والإقدام، والتردد والعزم والرخاوة.
والشدة واللين، والغلو والتوسط. والشجاعة والتعقل والجبن.
لكن أتدرون ماذا استنتجت؟
قلت في نفسي هذه الحكايات التاريخية منها الصادق والكاذب فيجب أن أسعى لتمحيص الحقيقة التاريخية لأستفيد أولا على المستوى الشخصي الفكري والعملي والاستراتيجي.
وهنا سألت أهم سؤال:
أين أجد التاريخ الإنساني الذي يحمل الحقيقة والحقيقة فقط
لقد أذهلني الجواب: إن ذلك في قصة الإنسانية في القرآن وصحيح السنة
كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه.
فأخذت أستعرض الكتاب الذي لا ريب فيه كتاب الله ممعنا متأملا مستنبطا.
فقلت: هنا فقه التاريخ الحضاري والإنساني للبشرية
هنا الحقيقة الوحيدة الحصرية التي تقص على العالم بدايته من أول خلقه وهدف خلقه الاستخلاف لعبادة الله وهبة الله تعالى للإنسان العلم من أول لحظة (وعلم آدم الأسماء كلها)،
أسماء كل شيء، نعم وليست الأسماء النحوية لأن هذا مصطلح خاص
بل الأسماء المتعلقة بالأشخاص والأشياء والأحداث والأفعال التي تشكل لغات العالم
كل ذلك في شريحة ألهية في كينونة آدم الأب
والتي في تصوري والله أعلم انتقلت هذه المعلومات عبر الجينات لذريته فكان منهم كل ألسنة ولغات العالم.
لقد رحلت في الفقه التاريخي الحضاري في القرآن والسنة طويلا.
ثم عزمت على تدوين ما وصلت إليه في كتاب
ولازلت عازما على ذلك ولو بعد الانتهاء من المشرع التجديدي
موسوعة معالم الاجتهاد في فقه العصر
الذي صدر منه المقدمة في فقه العصر قبل سنوات ثم صدر قبل أشهر القواعد الأم جزءان
ومجلد الصيام ومستجداته
وقريبا إن شاء الله أهم جزء تأصيلي سيصدر في مجلدين بعنوان: "خارطة النظر الفقهي"
كتاب بذلت فيه مهجة الوقت وعصارة التجربة لأكثر من ربع قرن فيه أساسات وقواعد وأصول ما يحتاجه الناظر النظار في الفقه المتقدم والمعاصر يسر الله طباعته بمنه
دعوني أقول هنا وفي فقه التاريخ خصوصا
أني أثناء الرحلة في لجج التاريخ وأعماق الفقه في قصة الإنسانية في القرآن والسنة
فكرت فيما كتبه صديقي الشيخ على الصلابي
فرجعت إلى قصة بدء الخلق ونشأة الحضارة له
بدأت بآدم ثم نوح وهكذا إلى لوط وقدمت لهذا الكتاب مقدمة حافلة ولا زلت في هذه الرحلة.
فقلت: هذا ما كنا نبغ.
نعم هنا فقه التاريخ هنا فقه القرآن القصصي والسنني والحضاري
أدعوكم إلى قراءة هذه الموسوعة وكل ما كتبه الشيخ في التاريخ
لقد قرآت له مؤخرا عن قضية الحسين في كتاب الدولة الأموية.
تلك الدولة التي هي جذع قرشي بغي عليه جذع قرشي آخر عباسي الذي بغى عليه كذلك جذع قرشي علوي. انقلابات داخل الشجرة للوصول للسلطة، واستغل كل جذع نقاط ضعف الآخر للانقلاب عليه كإشاعة أن الأمويين عنصريون بدليل أن المناصب كلها للعرب فقط
ووجدت هذه الدعايات مكانها في الشعب الفارسي الذي كان هو العون للعباسيين في انقلابهم..
لقد أوهموا الفلاحين كذلك أن حقوقهم منهوبة وأن الجرعات والغلاء والفقر سببه هؤلاء
فسهل لهم القطاع الفلاحي عملية الانقلاب شعبيا وتولت فارس الانقلاب العسكري
وهكذا الجذع العلوي سار على نفس النفس السياسي فقامت له دول كالفاطميين والزيدية وغيرها.
وليست الانقلابات حصرية عليهم بل هي ظاهرة دولية في عموم الحضارات
وهذه من سنن الله في التدافع
نعم: الانقلابات وضعف الدول وتغيرها سنن من سنن الله يجب أن نعلم هذا والتدافع والصراع ضمن هذه السنن.
وما يحصل في المنطقة بأسرها والعالم كله محكوم بفقه السنن الألهية والتدافع
إذا عليك أن تفقه هذه السنن
إن ما يجري في اليمن وصراع الأقطاب الإقليميين والداخليين والخلاف بين الاخوة
والحرب والفتنة الداخلية أسبابها وأسباب ما وصلنا إليه وما المخرج من ذلك كله محكوم بقانون السنن والتدافع.
أنصحكم بالعناية بهذه الفقه الهام إن أردت الحكمة ومعرفة كيفية إدارة الصراع وقيادته والتعامل معه والخروج منه خروجا آمنا وهذا قد لا يوجد أو بأقل الخسائر وقراءة ما كتب في ذلك عموما
ومن أهم الكتب التي قرأتها مؤخرا قصة نشأة الحضارة الإنسانية للشيخ علي الصلابي،،
والبارحة قرأت في كتاب الدولة الأموية عوامل النهوض والانهيار وبالمناسبة فيه القصة الكاملة لاستشهاد الحسين رضي الله عنه.
خاصة ونحن على أعتاب البكائية الموسمية عاشوراء.
وكل كتبه متاحة على موقعه
أيها الأعزاء: عليكم بفقه التاريخ وفقه سنة التدافع لتفهموا حياتكم وتستوعبوا فقه المرحلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* أ. د. فضل عبد الله مراد: أستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر. مؤسس فقه العصر ورئيس منصة الإفتاء اليمنية. أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.