البحث

التفاصيل

تَسْلِيَةُ المُصَاب في غزَّة بِفَقْدِ الأَوْلادِ الأْحَبَاب

الرابط المختصر :

تَسْلِيَةُ المُصَاب في غزَّة بِفَقْدِ الأَوْلادِ الأْحَبَاب

كتب: د. منذر عبد الكريم القضاة

 

نَحْمَدُ اللهَ عَلَى حُلْوِ القَضَاءِ وَمُرِّهِ، ونَشْكُرهُ دَائمًا عَلَى مَا أنْفَذَ مِنْ أمْرهِ، وَنَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ؛ شَهَادةَ صَابرٍ عَلَى مُصَابهِ، مُوقنٍ بِمَا وَعَدَ اللهُ عَلَى الصَّبرِ مِنْ جَزِيلِ ثَوُابهِ، وأوعَدَ عَلَى التَسَخّطِ مِنْ وَبيلِ عِقَابهِ، وَنَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمّداً عَبْدُهُ الأَمِينُ وَرَسُولُه المأمُون، الّذِي جَعَلَ مَمَاتهُ تَسْليةً لِكُلِّ مُؤمِنٍ مَحْزُونٍ، وأنْزَلَ عَلَيهِ في كِتَابهِ المَكْنُون: ]إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون[

أحْدَاث ألِيمَة عَصِيبة تَشْهَدُهَا الأمَّة الإسلاميَّة الآن ، وَقَد رَآعني وَآلمني مَا يَحدثُ -خَاصَة - لأطفال غزَّة الحبيبة مِن سَفكٍ ،وَقَتلٍ، وإبادة، وَحَرق ، وتهجير ؛ فهم يتعرَّضون للموت يومياً ويُصيبهم كما يُصيب الكِبار، وَهَذا المقَال مُقدَّم مِني إلى آباء وَأمَّهات من قُتل من أطفال غزَّة الأبيَّة والأمَّة الإسلامية ظُلماً وَعدواناً ؛ لَعَلَّ فيها السَلوى والبشرى لهم، ويُرجى لأطفالهم أجر الشهادة عند الله سبحانه وتعالى ، إنَّه سميعٌ مُجيب.

" الابتلاءُ في الأولاد؛ من أعظم الابتلاء وأثقل الأنكاد، وهو نارٌ تستعرُ في الفؤاد، وَحُرقةٌ تُضْرم في الأكباد، ولهذا كان ثوابُ الصابر على ذلكَ جَزيلاً وَيكونُ أجرهُ في ميزانه يوم القيامة ثقيلاً ".  (برد الأكباد عند فقد الأولاد، ناصر الدين الدمشقي، ص :47)

وفي قوله تعالى:]  مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11) [ سورة التغابن: الآية (11)

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة - رضي الله عنهما - ، أنَّهما سمعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  يقول: " مَا يُصِيْبُ المُؤمِن مِن وَصَبٍ ولا نَصَبٍ ولا سَقَمٍ ولا حَزَنٍ حتَّى الهمّ يَهُمُّهُ إلاَّ كفَّرَ اللهُ بهِ مَنْ سَيئاته".( البخاري :5641 ، ومسلم : 2573)

وصفَ اللهُ تعالى الصابرينَ بأوصافٍ كثيرةٍ ، وذكرَ كلمة الصبر في القرآن الكريم في تسعينَ مَوضعاً، وأضافَ أفضل الدرجات وأكثر الخيرات، وجعلها ثمراتٍ للصبر والصابرين، فقال عزَّ من قائل: ] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) [ سورة السجدة، الآية: (24)

وفي الابتلاء الذي يصيب أهل غزَّة وخاصة في أطفالهم حِكم ربانيَّة، وفوائد سَنيةٌ، منها : تَمْحيصُ الذنوب والسيئات، وبلوغ  الدرجات العليَّة في الجنَّات، [وأعلا من ذلك كُلِّه، حُصول رضى الله العظيم، الذي هو أفضل من الجنة]، ونعيمها المقيم.

ومِنْ الأمورِ التي تُعينُ أهل غزَّة على الصبرَ على المُصيبة عند فقدِ الأولاد: العلمُ بأنَّ الله تعالى يجمعُ بين المؤمن وذريته، ووالديه وأهله في الجنَّة، وهذا الاجتماع الذي لا فراقَ بعدهُ لقولِ الله تعالى: ] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ [ سورة الطور، الآية: (21)

وهذه الآيات تطييب لخاطر الوالدين على أطفالهم، وهذا الذي ينبغي أن يطيبوا أنفسهم ويقرّوا أعينهم، فإنَّهم وإنْ كانوا كباراً فهم من أهل التوحيد والإسلام، وإنْ كانوا صغاراً فهم ممنْ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون؛ لأنَّهم ماتوا على الفطرة السليمة، وهم من السعداء الَّذين يدخلون الجنَّة بلا عملٍ عملوه ولا خيرٍ قدَّموه، بل رحمة الله ومنته عليهم، ولهذا يكونون في برزخهم في كفالة أبيهم إبراهيم الخليل – عليه السلام – إمام الحنفاء. (تسلية أهل المصائب، ص : 136)

عن سمرة بن جندب – رضي الله عنه - عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم - : أنَّه رأى في منامه جبريل وميكائيل أتياهُ فانطلقا به، وذكر حديثاً طويلاً، وفيه: " فإذا روضةٌ خضراء فيها شجرةٌ عظيمةٌ، وإذا شيخٌ في أصلها حوله صبيان، قال فصعدا بي إلى الشجرة، فأدخلاني داراً لم أرَ قط أحسن منها، فإذا شيخٌ في أصلها حوله صبيان " إلى أنْ قال: " فأمَّا الشيخ الذي في أصل الشجرة فذلك إبراهيم – عليه السلام - ، وأما الصبيان الذين رأيت فأولاد الناس"، وفي لفظ: قلت فما في الروضة؟ قال: " أولئك الأطفال، وُكِّلَ بهم إبراهيم يُربِّيهم إلى يوم القيامة " (البخاري :1386)

وقد وردت الروايات عن حال الأطفال بلفظ الكفالة، وبلفظ التربية وبلفظ الحضانة، التي هي حفظ الصبي وتعهده إلى بلوغه، ورضاعه إنْ كان رضيعاً . ( تسلية الكئيب بفقد الحبيب، ص: 36)

وهؤلاء الطفال هم دعاميص الجنَّة خرَّج مُسلم عن أبي حسان، واسمه: مُسلم بن عبد الله الأعرج، قال: قلت لأبي هريرة - رضي الله عنه -  : أنَّه قَدْ مَاتَ لي ابنان، فَمَا أنتَ مُحدِّثي عَنْ رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - بحديثٍ تطيب به أنفسنا عن موتانا قال:"  نعم، صِغارهم دعاميص الجنَّة، فيلقى أحدهم أباه – أو قال أبويه- فيأخذُ بثوبهِ، أو قال بيدهِ: كما أخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى -أو قال ينتهي- حتى يُدخله الله وأبويه الجنَّة ".( مسلم  : 2635 )

وفي مسائل  هذا الباب ما يدلُّ على أنَّ صغار أولاد المؤمنين في الجنَّة – إن شاء الله -، وهو قول جمهور أهل العلم، وهذا من رحمة الله، وعدله في عباده الذين ابتلوا في فقد أطفالهم].

ماذا يقول من أصيب بفقد ولده؟

عن أم سلمة - رضي الله عنها -  قالت: (قالَ رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم - : " إذا أصابَ أحدكم مُصيبة فليقلْ: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهمَّ عِندك احتسبُ مُصيبتي، فأجرني فِيها وأبدِلني خَيراً مِنها ". ( مسلم: 918)

وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى نَبِيِّنَا الْأَمِيْنَ ، وَآلِهِ ، وَصَحَابَتِهِ ، وَالتَّابِعِيْنَ .

ساهم في نشر هذا المقال لعلَّ أن يكون فيه عزاء لمصابٍ بفقد ولده، والدال على الخير كفاعله..

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* د. منذر عبد الكريم القضاة؛ عضو رابطة علماء الأردن. عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

* ملحوظة: جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.


: الأوسمة



التالي
وسائل الإعلام البريطانية تحتفي بنائب مسلم في مدينة ليدز بعد مواجهته أعمال الشغب

مواضيع مرتبطة

البحث في الموقع

فروع الاتحاد


عرض الفروع