المفكر المغربي طه عبد الرحمن يستعرض السيرة النبوية في مؤلفه الأخير (فلسفة السيرة: الأساس الأخلاقي)
قال المفكر المغربي طه عبد الرحمن، في تصريح له يوم الخميس، إنه تناول السيرة النبوية من زاوية فلسفية في مؤلفه الجديد بعنوان "فلسفة السيرة: الأساس الأخلاقي".
جاء ذلك خلال برنامج حواري أُقيم في مكتبة الأمة في أنقرة، حيث قدم عبد الرحمن عرضاً لكتابه الجديد.
وأشار عبد الرحمن إلى أن الكتاب قد اكتملت طباعته يوم الأربعاء الماضي، ولكنه لم يصل إلى المكتبات بعد.
وعلّق على عمله، مبيناً أن الطبيعة البشرية المحدودة تقيد فهم السيرة النبوية، ولذلك لا يمكن إدراكها إلا بطرق معينة.
ولفت إلى أن السيرة النبوية تُناقش عادةً من خلال منهج المحدثين والفقهاء والمؤرخين، وسأل عن إمكانية وجود طرق أخرى للاستفادة منها، مُوضحاً أنه اتبع نهجاً مختلفاً عن الطرق التقليدية في تناول السيرة.
وأضاف: "السيرة هي في جوهرها أخلاق، تجمع من القيم، ولهذا السبب قررت أن أتناول السيرة النبوية من منظور فلسفي".
وأوضح عبد الرحمن أن بعض الأحداث في حياة النبي يجب أن تُفهم على أنها "آيات تستحق التأمل" بدلاً من النظر إليها على أنها "وقائع وظواهر".
وأضاف: "نبوة النبي محمد هي رسالة أخلاقية".
وأشار المفكر المغربي طه عبد الرحمن، يوم الخميس، إلى أنه تناول السيرة النبوية من زاوية فلسفية في كتابه الجديد بعنوان "فلسفة السيرة: الأساس الأخلاقي".
يذكر أن عبد الرحمن أستاذ في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، وهو حالياً في زيارة لتركيا حيث يشارك في ندوات ومحاضرات تستقطب الطلاب والأكاديميين والشخصيات السياسية.
كيف نؤسس لفلسفة إسلامية أصيلة؟
وفي محاضرة ألقاها الفيلسوف المغربي في ندوة أقامها مركز الأبحاث الإسلامية "إسام" (Hls) في إسطنبول الثلاثاء، بعنوان "كيف نؤسس لفلسفة إسلامية أصيلة؟"، دعا إلى "العمل من أجل العودة بالفلسفة إلى أصلها وهي الحكمة".
وأشار عبد الرحمن في الورقة التي نشرها -معهد التفكر الإسلامي بأنقرة، ونقتبس جزءا منها لهذا التقرير- إلى أن الفيلسوف لا يَكتفي، في معرفة الذات، باتباع المنهج العقلي والمسلك الخُلقي، لكي يحصّل الحياة الطيبة، بل يحتاج إلى طلب نموذج أعلى يتحقق فيه "كمال العقل" و"كمال الخُلق"، نموذج يُتشبَّه به في "التعقل" و"التخلق"، وقد اعتُبر "الإله" هو النموذج الأعلى الذي يمكن أن يُتشبَّه به، لأنه لا أكمل منه ولا أسعد، بحيث أضحى "التشبه بالإله" مبدأ من مبادئ التفلسف المعرفي، وأوضح أن الفيلسوف المسلم لا يمكن أن يقبل بهذا المبدأ لأسباب ثلاثة، كما يقول المفكر المغربي:
أحدها، أن "التشبه" علاقة تستلزم الاتصال المباشر، إن رؤية أو إشارة، وتعالى "الإله" أن يظهر للعيان أو يشار إليه بالبنان.
والثاني، أن المفهوم الذي ترسَّخ استعماله في مجاله والذي يفيد معنى "التقرب" من النموذج، مع الخلو عن شبهة منافسته التي قد تدخل على مفهوم "التشبه"، هو، بالذات، "الاقتداء" أو "الائتساء".
والثالث، أن "القدوة الكامل" أو "الأسوة الكامل" الذي يتعين الاقتداء به هو "الإنسان الكامل"، ولا إنسان أكمل من خاتم النبيين ﷺ؛ لذلك، يطرح الفيلسوف المسلم مقولة "التشبه بالإله"، ويستبدل بها مقولة "الاقتداء بالنبي".
يترتب على هذه الأسباب أن الفيلسوف المسلم يسعى، في معرفة ذاته، إلى الاقتداء بخاتم النبيين ﷺ، تحصيلا للحياة الطيبة، وهذا الاقتداء على نوعين "الاقتداء به في المنهج العقلي" و"الاقتداء به في المسلك الخُلُقي".
أولا، الاقتداء، في المنهج العقلي، بـالنبي الخاتم، لم يكن النبي الخاتم يتكلم في طرق التفكر على منوال أهل الفلسفة المعرفية، وإنما كان يسلك، عمليا، أكمل هذه الطرق ويحصِّل أفضل ثمارها، فقد كان يختلي للتفكر في فترات مختلفة ولأيام متواصلة، حتى أتاه الوحي، وفي هذا التفكر الطويل، تحقق ﷺ بأن أسمى ما يوصّل إليه "العقل" هو "الصدق"، فاتخذه خُلقا، حتى دُعي بـ"الصادق"، وحيث إن الصدق هو الإقرار بالحقيقة، وإن الغاية من المنهج العقلي هي، بالذات، الوصول إلى الحقيقة والإقرار بها، فلا يسع الفيلسوف المسلم إلا أن يعتبر "الصدق" هو أسمى القيم العقلية، ثم إن "الصدق" أفضى بالنبي الخاتم إلى أسمى الحقائق، وهي "توحيد الربوبية"، وحينها، لا يسع هذا الفيلسوف إلا أن يعتبر "الصدق" قيمة عقلية موصولة بالأفق الإلهي، بحيث لا حقيقة إلا ولها صلة خاصة بهذا الأفق ينبغي الوقوف عليها.
لذلك، يجد الفيلسوف المسلم الحاجة إلى ضبط المنهج العقلي الذي يوصّل إلى معرفة الذات، إذ الحقائق التي يوصّل إليها ينبغي أن تكون متصلة بالأفق الإلهي، وهذا الاتصال يوجب عليه تجاوز المنهج العقلي الذي يأخذ بالحقائق وينسى أفقها الإلهي أو قُل يجرّدها من هذا الأفق، -أي المنهج العقلي المجرد- وطلبَ منهج عقلي يحفظ الاتصال بالأفق الإلهي، لأن في هذا الاتصال تسديدا للعقل، أي أن هذا الاتصال يوجب عليه طلب منهج عقلي مسدَّد.
لذلك، فإن إدراك الفيلسوف المسلم لضرورة التسديد الإلهي يجعله يقتدي، في معرفة ذاته، بمنهج التفكر النبوي، صدقا وتوحيدا.
ثانيا، الاقتداء، في المسلك الخُلقي، بالنبي الخاتم، إذا كان "صدق" النبي الخاتم ﷺ دليلا على تحصيله لـ"كمال التفكر"، فإن أمانته دليل على تحصيله لـ"كمال التخلُّق"، فإذا كان قومه ينادونه، ولـمّا يُبعث، بـ"الصادق"، فقد كانوا ينادونه أيضا، كما هو معروف، بـ"الأمين"، حتى صار هذا الاسم لقبا له، ولم يكن يحملهم على هذا النداء إلا إدراكهم بأنه ﷺ فُطر على "الصدق والأمانة"، حتى لا أحد يضاهيه فيهما، وكما أن "الصدق" وصّله إلى "توحيد الإله"، فكذلك "الأمانة" وصَّلته إلى "العدل بين الناس"، بحيث يكون عدله في الناس موصولا بتوحيده لربه، وهكذا، يكون "التوحيد" باعتباره أساس "الأمانة" و"العدلُ" باعتباره وسيلتَها، قد جعلا من "الأمانة" عبارة عن خُلُق جامع لأخلاق "الفطرة"، هذه "الفطرة" التي جاء الدين على وفقها.
لذلك، فإن إدراك الفيلسوف المسلم لحقيقة الفطرة الدينية يجعله يقتدي، في معرفة ذاته، بمسلك التخلق النبوي، أمانة وعدلا.
ومتى توسَّل الفيلسوف المسلم، في معرفة ذاته، بكمال الاقتداء بالنبي الخاتم، تفكُّرا وتخلُّقا، أي صدقا وأمانة، توصَّل إلى حقيقتين أساسيتين: إحداهما، أن كمال الحياة الطيبة لا يُدرَك إلا بكمال الاقتداء بالنبي الخاتم، والثانية، أن أعلى رتبة في التفكر والتخلق يمكن أن يَصِل إليها الفيلسوف المقتدِي هي رتبة "الصدّيق"، إذ يدركها بفضل اتخاذه النبي الخاتم ﷺ قدوة، فضلا عن تسليمه بالاجتباء الإلهي الذي خُصَّ به.
المصدر: وكالات